ميليشيا الحوثي ولحظة الحسم

ميليشيا الحوثي ولحظة الحسم

ميليشيا الحوثي ولحظة الحسم

 العرب اليوم -

ميليشيا الحوثي ولحظة الحسم

بقلم : يوسف الديني

في خضم التحولات الإقليمية المتسارعة، صعدت إلى السطح ميليشيا الحوثي في اليمن بوصفها الذراع الأكثر نشاطاً وفاعلية اليوم للمشروع الإيراني في المنطقة، خصوصاً بعد تراجع نفوذ «حزب الله» اللبناني بعد الضربات التي تلقاها المحور، وسياسات إيران في التنقل بين أذرعها وتفعيلها وفقاً لاستراتيجيات التفاوض. هذا الصعود للحوثيين لا يقتصر على التمدّد العسكري في الجغرافيا اليمنية واختطاف مفهوم الدولة وتجريف الهوية والثقافة اليمنية؛ بل يتعداه إلى التأثير في معادلات الأمن الإقليمي والدولي، بما في ذلك تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، والتلويح بإحراق المنطقة وفق ادعاءات كبيرة؛ لكنها ضمن مفهوم الحروب غير المتماثلة اليوم تنذر بالقلق خصوصاً مع اللعب على شعارات دعم غزة وتمثيل «محور المقاومة» الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.

التطور الأكثر خطورة الذي رُصد مؤخراً هو استعانة الحوثيين بتنظيم «القاعدة» في الصومال لتهريب الأسلحة عبر البحر، في تحالف تكتيكي غير مباشر يعكس تحلّل الحدود الآيديولوجية حين تقتضي الضرورة اللوجستية والتكتيك الميداني. فعلى الرغم من العداء العقائدي المعلن بين الطرفين، فإن المصالح المشتركة تفرض نفسها حين يتعلّق الأمر بتدفق السلاح عبر القرن الأفريقي، وهو ما يمنح الحوثيين قدرة إضافية على التحصين والتمدد، ويحوّل الصومال إلى قاعدة خلفية لإيران عبر وكلائها في اليمن. كما أن التعامل مع مجموعات «القاعدة» في مناطق خارج نفوذ الحوثيين بالتنسيق أو حتى إطلاق سراح القيادات المعتقلة داخل مناطق نفوذهم جزء من محاولات تفخيخ اليمن بالكامل على طريقة الأرض المحروقة.

من هنا، تتأكد حقيقة أن ميليشيا الحوثيين باتت اليوم أكثر التصاقاً بالمشروع الإيراني في صورته الهجومية وآخر ما تبقى من أوراق، خصوصاً إذا تعثرت المحادثات الأميركية - الإيرانية، ومما يزيد من عمق الأزمة هو التباين في الاستراتيجية الغربية تجاه ملف اليمن. بات واضحاً أن الضربات الجوية مهما بلغت دقتها فلن تكون كافية لتحجيم الجماعة أو تفكيك بنيتها، ما لم تُدرج ضمن استراتيجية شاملة ومتكاملة على الأرض، تأخذ في الاعتبار ضرورة استثمار القوى المحلية ودعم الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، مع تعزيز التنسيق الوثيق مع دول الجوار، وعلى رأسها السعودية، التي تحمّلت على مدى سنوات العبء الأمني والسياسي الأكبر في التصدي للحوثيين واستيعابهم بكل الطرق، حرصاً على يمن موحّد يعيش ظروفاً إنسانية قاسية.

ميليشيا الحوثي تحاول الاستفادة من عامل الوقت وتقدّم المفاوضات مع إيران، في حين أن طهران مستعدة للتخلي عن الحوثيين في مقابل صفقة كبرى على أمل قدرة الميليشيا على امتصاص الضربات الجوية وتحييد آثارها إعلامياً وميدانياً عبر عامل الوقت والتكلفة، وبالاستفادة من المنظومات الدفاعية البدائية والكثير من التحشيد للشارع اليمني، في حين تفرّ القيادات وتعيد تموضعها في تضاريس جبلية محصّنة، مع محاولة بناء وإدارة شبكة تهريب وتموين واسعة ومعقدة. لذلك، الاقتصار على الضربات الجوية من دون وجود تحرك ميداني فعّال على الأرض لا يؤدي إلا إلى استنزاف لا يحسم المعركة.

في هذا السياق، يلوح في الأفق تساؤل تطرحه بعض مراكز الأبحاث وخزانات التفكير: هل يمكن تكرار السيناريو السوري في اليمن؟ أي إسقاط ميليشيا الحوثي على غرار سقوط نظام بشار الأسد في دمشق أواخر عام 2024؟ ورغم التشابه في وضعية الانهيار والمكابرة والاعتماد على الدعم، فإن الفوارق بين السياقَيْن السوري واليمني تُضعف أي مقارنات من هذا القبيل، حيث افتقر نظام الأسد إلى قاعدة آيديولوجية نشطة. كما أضحى النظام هرِماً ومعتمداً بشكل شبه كامل على الدعم الخارجي من إيران و«حزب الله» وروسيا، ما جعله هشاً وقابلاً للانهيار عند توفر الحد الأدنى من الزخم الشعبي والعسكري المعارض له.

يمثّل الحوثيون ميليشيا عقائدية تستند إلى خطاب تعبوي وطائفي يساعد في تجنيد شبكة من المقاتلين وحتى قسرهم على الانخراط في آيديولوجيا الميليشيا بالترغيب والترهيب والمال. كما أن العامل الجغرافي مهم حيث استطاعت الميليشيا، عبر سنوات من إهمال المجتمع الدولي وتجاهل تحذيرات دول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية؛ التمركز في مناطق ذات طبيعة جبلية صعبة، تاريخياً كانت معاقل للميليشيا حتى قبل سقوط نظام صالح. هذه المركزية وحالة الإهمال والدعم الإيراني الذي كان على مرأى ومسمع من الدول الكبرى أسهمت جميعها في تقوية الميليشيا؛ بحيث باتت أكثر قدرة على تجنّب الانشقاقات وتجاوز الأزمات التنظيمية، إلا أنها قد تتحول إلى نقطة ضعف إن تم استهداف القيادة مباشرة بعمليات نوعية، كما حدث جزئياً عند اغتيال صالح الصماد في 2018، وهو ما أربك الجماعة لفترة، خصوصاً في إدارة تحالفاتها القبلية والشؤون المدنية للدولة.

المقارنة مع سوريا غير دقيقة لسبب آخر، وهو طبيعة القوى المناوئة لميليشيا الحوثي، التي تحتاج إلى استراتيجية موحّدة تجعلها تتعالى على المصالح الضيقة، سواء كانت مناطقية أو فئوية. والحال أن معالجة تعقيدات الحالة اليمنية لا يمكن أن تُختزل في ضربات جوية مهما كان تأثيرها أو أي مبادرات سياسية غير مدعومة ميدانياً على الأرض.

الحل يبدأ من الداخل اليمني عبر إعادة هيكلة المعسكر المناهض للميليشيا، وبناء خطاب وطني يعزّز من حضوره السياسي والاجتماعي والعسكري، وتمكينه من إدارة المناطق المحررة بمهنية وجاذبية، وإشراك المجتمع الدولي بشكل أوسع في مراقبة ومنع تهريب السلاح، وتوسيع مسارات الضغط السياسي على طهران عبر أدوات عقابية مباشرة ضد وكلائها في اليمن.

 

arabstoday

GMT 19:20 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

الرياضة حرب شريفة؟!

GMT 19:18 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

ترامب وهارفارد وحقوق الإنسان

GMT 19:16 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

القادم أخطر على جماعة الإخوان

GMT 09:15 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

على الرحب

GMT 09:13 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

الشرق الأحمر!

GMT 09:10 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

الأردن و«الإخوان»... الضربة القاضية

GMT 09:05 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

مرّة أخرى عن الذكرى الخمسين للحرب اللبنانيّة...

GMT 09:02 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

خبر فلسطيني مُبَشِّر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ميليشيا الحوثي ولحظة الحسم ميليشيا الحوثي ولحظة الحسم



تنسيقات مثالية للنهار والمساء لياسمين صبري على الشاطيء

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:48 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

غارات أميركية هي الأعنف تطال مواقع حوثية في اليمن

GMT 01:55 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

زلزال يضرب أفغانستان بقوة 6.4 درجة

GMT 01:49 2025 الأربعاء ,16 إبريل / نيسان

سلسلة غارات إسرائيلية جنوب لبنان

GMT 12:40 2025 الثلاثاء ,15 إبريل / نيسان

أمير كرارة يخوض تجربة فنية جديدة

GMT 12:39 2025 الثلاثاء ,15 إبريل / نيسان

هند صبري تخطو خطوة جديدة في مشوارها الفني

GMT 12:05 2025 الثلاثاء ,15 إبريل / نيسان

إصابة 24 شرطيا في اشتباكات عقب ديربي روما

GMT 12:37 2025 الثلاثاء ,15 إبريل / نيسان

ياسمين عبد العزيز تحيّر جمهورها حول عملها المقبل

GMT 11:59 2025 الثلاثاء ,15 إبريل / نيسان

جيش الاحتلال يعلن اغتيال قائد خلية في حماس

GMT 12:58 2025 الثلاثاء ,15 إبريل / نيسان

معقول كله من المَطاعيم؟!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab