أزمة فلويد الضحايا كقرابين سياسية

أزمة فلويد: الضحايا كقرابين سياسية

أزمة فلويد: الضحايا كقرابين سياسية

 العرب اليوم -

أزمة فلويد الضحايا كقرابين سياسية

بقلم - يوسف الديني

لا يمكن لعبارة أن تصف كيف حبست أزمة جورج فلويد، ضحية العنصرية، الأزمة الضاربة في جذورها في السياق الأميركي، مثل عبارة جون وينثروب المحامي البروتستانتي الملقب بمؤسس أميركا المنسي، حين قال: «أعين الجميع في العالم ترقبنا»، في إشارة إلى تأثير الثقافة الأميركية وتطورها على مختلف بقاع العالم، لكن أعين العالم اليوم ترقب ما يحدث في بلد الأحلام بعيون القلق والكثير من الدهشة على واحدة من أكثر اللحظات تعبيراً عن مآلات الاستقطاب السياسي، وتحويل ضحايا الأزمات المتجذرة، ومنها العنصرية، إلى قرابين لتأجيج حالة الانقسام بين المجتمع الأميركي الذي كان التنوع أحد أبرز عوامل قوته، رغم مسار التضحيات والأزمات التي طالت ذلك التنوع المدهش في التنافس على الحلم الأميركي، حتى من غير البيض الذين كانوا يوصفون بالقوة السوداء في صعودهم خارج أسوار السياسة، ولاحقاً في تسنم المناصب السيادية «أغلب عمداء المدن الكبرى من السود»، وصولاً إلى لحظة أوباما التي سبقتها لحظات نجاح لشخصيات مكافحة في تجسيد الحلم الأميركي مثل كوندوليزا رايس التي رغم موقفها الواضح ضد الحادثة، إلا أنها على خلاف معسكر أوباما من الديمقراطيين المناوئين لترمب لأسباب تتجاوز المنافسة السياسية؛ كانت أحد الأصوات المعتدلة التي لا يمكن المزايدة عليها في مقالاتها ومقابلتها المتلفزة، وآخرها التي انتقدت تأخر احتواء الأزمة من ترمب، خصوصاً على مستوى إدارة المحتوى واللغة والتعاطف، ناصحة إياه بأخذ استراحة من تراشق منصات التواصل الاجتماعي، خصوصاً «تويتر»، ومخاطبة الأميركيين مباشرة، إلا أنها أيضاً أصرّت على وضع الأزمة في سياقها ومسارها الصحيح، مستشهدة بموقف عائلة جورج فلويد الذي أكد مذ بداية الأزمة ضرورة ألا يتم استثمار الجريمة البشعة خارج نطاق العدالة الاجتماعية، وتحسين أوضاع التعامل مع الأقليات، فضلاً عن أعمال الشغب والتخريب والنهب، واستهداف أفراد الشرطة بشكل انتقامي.

والحال أنَّ أزمة جورج فلويد على مستوى القراءة السياسية هي منعطف ومسار مختلف تماماً عن نظيراتها على مدى عقود منذ اللحظة التاريخي الفاصلة 1986، التي شهدت مقتل مارتن لوثر كينغ لينفجر الغضب في 125 مدينة، ما حدث لفلويد أشعل الغضب في مدن أميركية فاقت في شمولها، وأعداد من خرج فيها، وتنوع خلفياتهم العرقية، ذلك الحدث المفصلي، إلا أنَّها أخرجت أيضاً حشوداً من الغاضبين في مدن وعواصم عالمية، استغلالاً للموجة في المطالبة بمحاربة العنصرية، لكن مع أجندات سياسية أخرى، من الأزمة الاجتماعية في البرازيل، إلى أزمة السكان الأصليين في أستراليا، وهم من البيض، وصولاً إلى مسألة الحريّات ضد إجراءات «كورونا»، وهذا سبب إضافي أيضاً يجعل الأزمة مختلفة، حيث لم يمنع الفيروس، الذي تسبب في موت نصف مليون تقريباً، في الخروج إلى الشوارع الأميركية، وبدعم وغطاء إعلامي وسيبراني غير مسبوق، فالأزمة لم تترافق نقطة الاحتراب بين ترمب وخصومه السياسيين فحسب، بل انضاف لهم ملوك الخوارزميات من شركات التقنية الكبرى؛ سلطة وادي السيليكون الأعداء الجدد لترمب، الذين يتهمهم بالتحيّز ضده مع قرب الانتخابات، ويطالب بضرورة إعادة هيكلة السلطات المطلقة لشركات التنقية في إدارة المحتوى والبيانات والتأثير على الوعي السياسي والسجال الساخن بسبب قرب الانتخابات، إلا أن حالة الشعور بالإخفاق المؤسساتي ما بعد فيروس كورونا كان عاملاً مهماً في علاقة السياسة بالقطاعات الخدمية التي تعتقد الأقليات في أميركا، ومنهم السود الأقلية الأكثر تأثيراً في خطاب المظلومية بسبب التاريخ الطويل من الإهمال، أن معدلات الوفاة من الفيروس كانت نصيبهم بشكل لافت يعكس الإهمال في جوانب أخرى لا يمكن تصوّر حلها، إلا ضمن عمل مؤسسي ومدني مضنٍ وطويل الأمد بأجندات تشمل التعليم والصحة والثقافة وليس التسييس المبتذل.

الاستقطاب السياسي سيد المشهد الأميركي، ويخفي تحته الكثير من الاستحقاقات التي من المفترض أن أزمة جورج فلويد تقود إلى إعادة طرحها من مسائل تنفيذ القانون، وصولاً إلى المؤسسات الأمنية، وعلى رأسها الشرطة التي تجاوز نقد سلوكها إلى مطالبة بعض الأصوات المستثمرة للأزمة إلى إعادة النظر في تمويلها بالكامل (REFUND) فيما يشبه أجواء المطالبة بإسقاط النظام أيام «الربيع العربي»، أو ما يعرف بحالة «الثورات منزوعة الرأس» تغيب فيها القيادات الفاعلة على الأرض، وأغلب روادها من الأجيال الجديدة جيل الألفية - التقنية (Z Generation)، البارع بشكل خاص في استخدام منصات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، وسريع التأثر بالمحتوى السيّار من دون الاهتمام بالمصدر، وهي أزمة تلقي بظلالها على تحديات السلطة والدولة في المرحلة المقبلة في عموم العالم وليس الولايات المتحدة، فالصراع غالباً هو صراع البيانات والمحتوى والتسويق السياسي القائم على الأحداث والرضات الأمنية والسياسية أكثر من النجاحات الاقتصادية والمالية، التي يتمسك ويصرّ ترمب على أن أفضيلة عهده في تحقيقها تصنع الفارق على المدى الطويل، كما هو الحال مع قراراته في السياسة الخارجية، وما يشبه الانسحاب من الدور التقليدي للولايات المتحدة الذي يستغله مناوؤه في التشكيك في الصورة النمطية لقوة الولايات المتحدة والثقة بكفاءتها في الأزمات الدولية ووزنها الجيوسياسي المؤثر.

أزمة «كورونا»، كما هو الحال أزمة جورج فلويد، تطرح تحديات كبيرة على مفهوم الدولة الحديث، لا سيما التي تعتمد على الأسواق والاستثمار والتقنية والمعلوماتية، فإدارة هذه الأزمات هي إدارة للمحتوى السياسي، وطريقة الوصول للمتلقين بطرائق التأثير غير التقليدية، بعيداً عن حروب الاستقطاب السياسي في المشهد الداخلي بشكلانية ديمقراطية تحت قناع المصلحة الحزبية المحضة، وليس انطلاقاً من الصالح العام، أو حتى أخذ المسؤولية في إدارة العلاقات الدولية في أوقات حرجة كهذه لا تقبل المزيد من هوامش الأخطاء، وإن لم تكن قاتلة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة فلويد الضحايا كقرابين سياسية أزمة فلويد الضحايا كقرابين سياسية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab