ما بعد «كورونا» الانكفاء الأميركي ومستقبل العولمة السياسية

ما بعد «كورونا»: الانكفاء الأميركي ومستقبل العولمة السياسية

ما بعد «كورونا»: الانكفاء الأميركي ومستقبل العولمة السياسية

 العرب اليوم -

ما بعد «كورونا» الانكفاء الأميركي ومستقبل العولمة السياسية

بقلم - يوسف الديني

الانسحاب الأميركي المتوقع من منظمة الصحة العالمية الذي وصفته الصين بأنه جزء من حالة «إدمان» تعيشها الولايات المتحدة من التنصل من المسؤولية العالمية يعكس سياسات الانفراد بالقوة والتهديد بعزل العالم، ليس إلا حلقة ارتدادية وردة فعل تجاه عالم ما بعد «كورونا»، سبقه تراجع عسكري وانسحاب على مستوى وجود قواتها في مناطق كثيرة من العالم. ليست الولايات المتحدة واقعة تحت إدمان الانسحاب، كما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، وإن أصاب بعض الحقيقة في وصفه واقع الاستراتيجية الأميركية الجديدة بالأنانية، الوصف ذي المسحة الإنسانية الذي لا يليق بعالم السياسة الدولية ودهاليزها الذي يفترض في حده الأدنى سعي كل دولة إلى مصلحتها الخاصة، حتى عبر أكثر الأدوات براغماتية ونفعية.

تصريحات الصين الثورية تجاه الولايات المتحدة ردة فعل أيضاً على تصريحات الرئيس ترمب الذي وصف المنظمة بأنها باتت دمية في يد الصين. لكن الصورة الأكبر للأزمة هي انهيار كبير وتصدع في المنظومة الدولية بشكل عام، وليست منظمة الصحة إلا حجر دومينو سبقته أحجار كثيرة في دوامة الإخفاق الدولي، وأبرزها الأمم المتحدة وعلاقتها بالأزمات الدولية، أو حتى الحياد السيادي، وهما وجهان متباينان طالتهما المقاربات السياسية الهزيلة. وربما كانت الحالة الليبية وتحولها إلى مستنقع للصراع الدولي، وانبعاث الإرهاب ومسلسل «داعش» من جديد، نتيجة لذلك الإخفاق.
الانسحاب من منظمة الصحة الدولية من قبل الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترمب، الشخصية الأكثر اندفاعاً في حسم الجدل باتخاذ القرارات غير المسبوقة، سبقه انسحابات أخرى، أبرزها الخروج من كل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، واتفاقية دولية لمواجهة تغير المناخ، والاتفاق النووي الإيراني، كما عارض اتفاقية للأمم المتحدة بشأن الهجرة.

في الحرب السياسية، يتم المزج بين أساليب واستراتيجيات متنوعة من أدوات السلطة، وبشكل متعمد، وبحسب وصف الخبير: «مختلط» من الدبلوماسية إلى المعلومات السيبرانية والاستخباراتية، للتأثير على صنع القرار في الدول المستهدفة، وهو ما يعني تداخل مجالات اقتصادية وأمنية وتقنية مع الجانب السياسي والدبلوماسي... كل ذلك خارج الأطر التقليدية حتى للحرب الباردة.

الحرب السياسية اليوم جزء من التحولات لمنطق العالم في تعبيره عن طي صفحة الحرب التقليدية، وحصرها في أضيق الحدود، ونحن نتذكر التصريح الذي أربك الملالي، حين صرح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، في مقابلته، بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني، وهو التصريح الذي يستند إلى سياسات الإرغام عبر المضي قدماً في التطوير والاقتصاد، مع أولوية الأمن، من دون الخضوع لاستفزازات جرّ المنطقة إلى الحرب بمفهومها

رائد النظرية السياسية في جامعة بروكلين، جورج ف. كينان، تحدث في مناسبات كثيرة حول أبحاثه عن الانسحاب السياسي والانكفاء في التعامل مع الملفات الدولية، والاستثمار في الداخل، لكنه تناولها من زاوية جديدة، وهي التحول في مفهوم الحرب السياسية وتطبيقاتها غير المألوفة، فما يبدو انسحاباً وخروجاً وتنصلاً من المسؤولية ليس إلا استخداماً لأدوات جديدة تعتمد القوة عن بعد وسياسات الإرغام. وخلاصة نظريته المهمة في فهم دوافع ترمب غير الجديدة التي كانت واضحة من اليوم الأول لتوليه الرئاسة، هي التأكيد على أن الحرب السياسية اليوم تعني توظيف جميع الوسائل في قيادة الأمة، لكن من دون الذهاب للحرب، لتحقيق كل الأهداف عبر وسائل جديدة، كالعمليات السرية والمعلنة، والتحالفات الجديدة، والتدابير الاقتصادية، والحرب النفسية السوداء، وتشجيع المقاومة السرية في الدول المعادية؛ هذه الحرب تستند بدورها إلى استراتيجيات شاملة تتبع نهجاً يقع عبؤه على كاهل وزارة الخارجية، بالتنسيق مع الحكومات السيادية والحلفاء - الشركاء الأساسيين.

النفوذ الاقتصادي في عالم اليوم هو السلاح الأول المفضل للدول القوية. ولذا نرى مع كل التهديدات الكبرى التي تهدد أمن الخليج ودوله، أنها -بشكل أكثر وضوحاً في السعودية ورؤيتها الاقتصادية- ماضية بقوة في إنجاز المشروعات الاقتصادية، رغم صفيح المنطقة الساخن، مع تعزيز خطوط الدفاع ومشروعات الأمن القومي والردع، من دون الانزلاق في ردود الفعل القصيرة المدى، ومن بينها الاعتداءات المتصاعدة لطائرات ميليشيا الحوثي العبثية، أو استفزازات دولة الملالي، مع السعي إلى تخفيف آثارها على الحالة اليمنية، عبر تقوية الجانب القانوني لعدالة قضية اليمنيين قبل غيرهم في استعادة شرعيتهم.

الحرب النفسية كانت -ولا تزال- من أهم المكونات الرئيسية لتمرير المشاريع السياسية في أوقات الأزمة وما بعدها، وذلك من خلال استغلال مناخ الحروب والنزاعات المسلحة، وحالة الاحتجاج العام، بهدف الوصول إلى تسوية سلمية عبر أداة التصعيد، على أساس أن هذا الطرف المفاوض يتحدث من موقع القوة، هذا بالضبط ما تحاول إيران وحلفاؤها النجاح في إنجازه هذه الأيام، منذ اليوم الأول لمأساة غزة حتى تتويج هذا المشروع في قمة غزة التي كانت بداية إعلان نهج جديد في المقاومة، واستبدال المساومة بها، لكن -للأسف الشديد- ليس عبر أوراق تفاوضية أو ضغوط سياسية، بل بأرقام ضحايا وجثث مدنيين وأبرياء!

ما الذي يجب على الدول أن تفعله في الحرب الجليدية، وليست الباردة، الجديدة بين الصين والولايات المتحدة؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تعنى به مراكز الأبحاث وصناعة الاستراتيجيات والتفكير الاستراتيجي. وللأسف، بشكل عام، فإن إدارة الأزمة أمر غائب عن الذهنية السائدة لكثير من الحكومات والأحزاب والجماعات الفاعلة في الواقع السياسي للدول النامية، وحتى لدى الجماعات المعارضة التي باتت لا تسعى إلا إلى التحالف مع الدول التي تسعى إلى الاستثمار في أنقاض مفهوم الدولة، من خلال تبنيها لشعارات عابرة للقارات، بينما تقف مشلولة عاجزة حتى عن التلويح بشيء من تلك الشعارات التي تبنتها... والجماهير بدورها باتت رهينة التفكير الرغبوي الحالم الذي تحاول من خلاله مداواة قسوة واقعها الحياتي الخاص، متجاهلة أن أحوالها المتردية جزء من قسوة واقعها العام، ومحدودية إمكاناته. ومن هنا، أصبحت صناعة الخطاب الشعبوي الوعظي، وأبطاله من ذوي الصوت المرتفع، مطلباً شعبياً يضطر كثيراً من وسائل الإعلام إلى خلق نجوم من هذا النوع، وما أكثرهم في شريحة عريضة من المثقفين العرب الذين لديهم حساباتهم الخاصة، بل وأزمتهم الشخصية، مع دول بعينها.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد «كورونا» الانكفاء الأميركي ومستقبل العولمة السياسية ما بعد «كورونا» الانكفاء الأميركي ومستقبل العولمة السياسية



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:06 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
 العرب اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 15:16 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العلاقة بين الاكتئاب وحرارة الجسم دراسة جديدة تسلط الضوء
 العرب اليوم - العلاقة بين الاكتئاب وحرارة الجسم دراسة جديدة تسلط الضوء

GMT 01:13 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
 العرب اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك

GMT 10:59 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 08:56 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 17:12 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 31 شخصا على الأقل في هجمات إسرائيلية في قطاع غزة

GMT 03:11 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الخطوط الجوية الفرنسية تعلق رحلاتها فوق البحر الأحمر

GMT 22:38 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر يضرب شمال اليونان

GMT 17:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة 32 جنديا بينهم 22 في معارك لبنان و10 في غزة خلال 24 ساعة

GMT 01:36 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدولة الفلسطينية

GMT 09:18 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هيدي كرم تتحدث عن صعوبة تربية الأبناء

GMT 15:09 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

توتنهام يتأخر بهدف أمام أستون فيلا في الشوط الأول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab