جريمة المنصورة التطرف بين المنظر والمبرر

جريمة المنصورة: التطرف بين المنظر والمبرر

جريمة المنصورة: التطرف بين المنظر والمبرر

 العرب اليوم -

جريمة المنصورة التطرف بين المنظر والمبرر

بقلم - يوسف الديني

أعادت جريمة المنصورة مسألة مقاربة التطرف إلى نسغها الأول جذورها البسيطة التي لا صلة لها بالحادثة أو الدافع المباشر، وإنما بالمناخ العام بالخطاب المجتمعي، وبالمفاهيم العامة السائدة حول ملف المرأة وعلاقة ذلك كله بشخصيات بدأت تتصدر المشهد هجينة ورديئة تقدم محتوى ملتبساً دينياً وثقافياً يحاول أن يعزز من الخطاب المتطرف بأسلوب ترفيهي ولغة عامية قريبة من الناس، ومن هنا بات هؤلاء نجوم الشباك في الفضائيات العربية التي يرتفع الطلب فيها على البرامج الدينية المقدمة لعامة الناس ويملؤها في الغالب هذه الطبقة الجديدة ممن لا علاقة لهم بالتقاليد العريقة للمفتي ومؤسسات الفتيا ولا بالتخصص في الإرشاد النفسي والاستشارات الأسرية، بل هم مزيج غريب في تركيبته يمكن قراءة نظرائه في التاريخ الإسلامي بـ«القُصاص» ثم «الحكواتية»، وصولاً إلى بدايات الاقتباس من الأداء المسرحي الكوميدي ومزج المحتوى الديني وحتى المتطرف بالنكات والسخرية والمبالغات لتحصد هذه الفئة لقب «الداعية القريب من الناس»!
قبل أيام علق واحد من هذه الشخصيات الهجينة في تركيبة خطابها الذي يمزج بين الوعظ والكوميديا وتبكيت المتصلين وتحولت مقاطعه إلى فيديوهات سيارة Viral content واقتباسات ساخرة Memes حول الحادثة بتعليق في غاية الخطورة، حيث ربط الحادثة بطريقة ظهور الفتاة وجمع بين التنظير والتبرير الذي لا يختلف كخطاب متطرف لا مسؤول عن نفس المعضلة التي يعاني منها الفضاء العام المتصل بالمحتوى الوعظي منذ عقود والذي لم يطله بحكم أنه خطاب ظل الإصلاح أو النقد وحتى الدراسات المستفيضة عن هذه الظواهر باستثناء دراسات محدودة عن الدعاة الجدد، رغم أن تأثير هذه الطبقة البين بين على الجمهور المستهدف بخطابها وحجم انتشاره وأعداد المنتمين له، كبير جداً.
الداعية الذي أعلن اعتزاله ثم عاد معتذراً ومبرراً علق على حادثة المنصورة مخاطباً الفتيات: «إذا كانت حياتك غالية، فاخرجي من بيتك بقفة». وأضاف في الفيديو الجدلي الذي أثار ضجة في الداخل المصري وخارجه: «المرأة والفتاة تتحجب (عشان) تعيش، وتلبس (واسع عشان متغريش). لو حياتك غالية عليكِ اخرجي من بيتك بقفة، لا (متفصلة) ولا بنطلون ولا شعر على الخدود، (عشان) وقتها (هيشوفك اللي ريقه بيجري) ويقتلك».
وبغض النظر عن اللغة المستخدمة أو حتى مسألة النقاش حول علاقة الحجاب أو طريقة اللبس بظاهرة التحرش واختلال سلم القيم لدى بعض الشابات فيما يتصل بعلاقتهن والمعضلات الجديدة ذات العلاقة باختلاف أسلوب الحياة والقيم والخطاب الموجه لهذه الفئة، فإن المضمون لا يختلف كثيراً عن مقاربة شيوخ التطرف في ملف الإرهاب سابقاً لمسائل أخرى دفع الشباب والمجتمع ثمنها غالياً، وهي ظاهرة ما زالت منذ نهاية السبعينات وصعود الوسطاء الجدد بين الناس والخطاب العام المحافظ وتكون آيديولوجيا السيطرة على المجتمع.
المتطرفون عادة أو ضحايا العنف هم طرف ثالث لعلاقة معقدة، أساسها التنظير والتبرير المكون للخطاب والمناخ العام المضاد لمفهوم الدولة وسيادة القانون، وضبط الفضاء العمومي والقيم الموجهة للمجتمع وصياغة مدونات أخلاقية واضحة، وأدلة استرشادية للعلاقة بين أفراد المجتمع، وفي حالة الفراغ المفاهيمي والأخلاقي، عادة ما تصعد خطابات الظل الموجهة للمجتمع على طريقة التنظير والتبرير لخدمة مقولات التطرف المجتمعي أو التشدد الديني، في حالة الذهاب لمناطق التوتر للقتال في مراحل سابقة كان التخلص من المسؤولية القانونية حجة سائغة، حيث القانون لا يحمي المغفلين أو المغرر بهم، لكنه ظل يحمي المنظرين والمبررين الذين يدركون قواعد اللعبة، فينتجون خطابين؛ الأول للاستهلاك الإعلامي، والثاني يعرفه الأتباع والخواص، وهذا أمر واضح في بيانات وخطابات رموز تلك المرحلة.
اليوم المعادلة اختلفت، فأصبحت السلطة في الخطابات العابرة للحدود عبر الفضائيات والأقنية الرقمية ومنصات التواصل هي سلطة الجمهور، ما يضطر من يقعون في أخطاء كارثية كتصريح الداعية الهجين ثم يواجهون انقلاب سلطة الجمهور عليهم بالإنكار والبحث عن مبررات وأعذار أو تصريحات معتدلة قديمة أو التلويح بالتصعيد ورفع دعاوى ومحاكمة المنتقدين.
الأكيد أن الحالة الدينية اليوم في العالم الإسلامي بحاجة إلى دراسات مستفيضة وتقارير ترصد وتدرس الخطاب العام، خصوصاً مع انفصال المؤسسات والتقاليد الدينية العريقة عن التأثير على الفضاء العمومي منذ عقود والطلب متزايد على إنتاج الظاهرة الهجينة، خصوصاً في ظل القطيعة والتشديد من قبل الأنظمة على القطيعة مع التطرف الصريح المباشر، لذلك أنتجت حالة الطلب المتزايد والفراغ والارتجال واستقطاب شخصيات هشة وغياب مأسسة الثقافة الدينية وخطاباتها إلى هذا الكم من الفوضى في الفتاوى والمواقف والأحزاب والحرب المتجددة بين أصناف الدعاة بمختلف أهدافهم لاقتطاع كعكة الجمهور التي تعني بالتالي زيادة الطلب عليهم من الفضائيات من كل بحسب غرابة خطاب وإلى كل قناة بحسب قدرتها على تسويق هذا المحتوى القريب من لغة الناس، ما يعني إعادة تدوير للأزمة وتكرار حالة «الدور المنطقي» الذي ضرب له علماؤنا الكبار من الراسخين في العلم مثلاً ينم عن ذوق وأدب وظرف غير مبتذل: «لولا مشيبي ما جفا... لولا جفاه لم أشب»!

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جريمة المنصورة التطرف بين المنظر والمبرر جريمة المنصورة التطرف بين المنظر والمبرر



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 08:43 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

باكايوكو بديل مُحتمل لـ محمد صلاح في ليفربول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab