معضلة الذات المأزومة اليمين والإسلاموفوبيا

معضلة الذات المأزومة: اليمين والإسلاموفوبيا

معضلة الذات المأزومة: اليمين والإسلاموفوبيا

 العرب اليوم -

معضلة الذات المأزومة اليمين والإسلاموفوبيا

بقلم : يوسف الديني

جرس الإنذار يدق في بريطانيا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام، ويجب أن يحظى بقلق في العالم الإسلامي تجاه المناظر المزعجة التي يتم بثها وتوثيقها في شوارع المملكة المتحدة، مع موجة اضطرابات عنيفة لليمين المتطرف شهدتها مدن إنجلترا وآيرلندا الشمالية على يد مثيري الشغب المناهضين للهجرة، والمتأثرين بخطابات التمييز والإسلاموفوبيا.

صحيح أن الخطاب السياسي الرسمي العام وجهود الشرطة وأجهزة الأمن وكثير من أعضاء البرلمان بأطيافه السياسية المختلفة، أدان تلك الأحداث التي وقعت في لندن ومانشستر وساوثبورت وهارتلبول وسندرلاند، والتي استهدفت المساجد والمباني المخصصة للمهاجرين، لكن السؤال الذي يعود للواجهة عن مدى تجذر هذه الأفكار غير المتسامحة وصعودها مع خطاب اليمين، وهل يمكن أن تكون عرضاً لمرض أكثر خطورة يحدق بالسلم المجتمعي في بلد هو من أكثر التجارب الأوروبية نجاحاً في الاندماج؟

بحسب وصف منظمة «Runnymede Trust» البحثية التي تُعنى بملفات المساواة العرقية والحقوق المدنية، فإن «العنصرية العنيفة كانت تغلي منذ فترة طويلة تحت سطح المجتمع، وهو الأمر الذي أكدته بيانات وزارة الداخلية البريطانية التي قالت: «جرائم الكراهية العنصرية والدينية مرتفعة، حيث يُعد المسلمون المجموعة الدينية الأكثر استهدافاً»، وبلغة الأرقام فآخر التقارير التي نشرت في أواخر عام 2023 أكدت أن الحوادث المعادية للإسلام تضاعفت في جميع أنحاء بريطانيا بين عامي 2012 و2022 بسبب زيادة نشاط اليمين المتطرف، والهجمات العالمية المناهضة للمسلمين، والخطاب السياسي، وحملات استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصادف ذلك مع توقف عمل مجموعة العمل المعنية بمكافحة الكراهية ضد المسلمين (AMHWG) التابعة للحكومة المحافظة لمدة تزيد على أربع سنوات.

ما الذي تقوله هذه التحولات؟ هناك غياب لاستراتيجية واضحة في أوروبا مع صعود خطاب اليمين المتطرف في فئة الشباب وعلى شبكات التواصل الاجتماعي وبشكل لافت، وهو ما يعكسه انتقال مشكلة التعامل مع ملف الهجرة والاندماج ومكافحة التمييز من مربع البحث عن حلول حاسمة لمعضلة وجودية وهوياتية لفئة من المواطنين البريطانيين من الجيل الثاني والثالث إلى مجرد خطابات استقطاب سياسي برغماتي.

العقلاء في مراكز التحليل والدراسات يؤكدون على معضلة المحتوى التضليلي تجاه المهاجرين والمسلمين وتعميم الصورة السلبية تحت اسم الإرهاب، وفي ظل استمرار ذلك فإن «الجحيم سيندلع» بحسب تقرير قرأ تنامي الظاهرة خلال السنوات الخمس الماضية.

صحيح أنه لا يمكن الحكم بخلو أي مجتمع من التطرف أو الإرهاب، لكنه في الحالة البريطانية أكثر تعقيداً بسبب سياسات واستراتيجيات الخطاب السياسي في قراءة ملف الإرهاب والتطرف المعقد، وحتى استخدام وتبني بعض التنظيمات المتطرفة مثل أوراق ضغط على الدول التي قدموا منها، ومع الضغط الاقتصادي الهائل فإن العنف هو الإجابة غير المنطقية عن سؤال الذات المنهكة، ويزيد الأمر تعقيداً في نظري سيولة مصطلح اليمين المتطرف ووحدة الاستقطاب، خصوصاً مع فوز اليسار الليبرالي وحكومة حزب «العمال» التي سيكون عليها كثير من العمل تجاه مناقشة واضحة وصريحة لملفات الهجرة وخطاب الكراهية والتطرف والعنف والتعامل مع ثقافة اليمين بشكل عام، حتى المحافظ منه الذي وإن كان يدين الكراهية والعنف، لكنه يعكس الانقسامات الحادة والقلق في المجتمع البريطاني وأوروبا بشكل عام، والذي أحدث فجوة انقطاع كبير بين الأجيال من الشباب الذين يعيشون بشكل مشترك، لكنهم يتجاذبون خطابات متعارضة حادة، تعززها منصات التواصل الاجتماعي، وتؤدي إلى إعادة إنتاج للهويات الصغيرة المتشظية بشكل قلق تجاه الفكرة الأساسية «المواطنة» التي تسع الجميع.

الفتنة لا تنام اليوم في ظل هذا التدفق الهائل للمحتوى المضلل على جوالات وحواسيب الجيل الجديد، الذي يعيش ساعات على مدار اليوم في واقع افتراضي وعالم موازٍ، لكن الضغط على هذه المنصات للتعامل الجاد مع المحتوى العنيف وخطابات الكراهية، كما فعلت نيوزيلندا بعد مذبحة مسجد كرايستشيرش ونادي العقلاء من حول العالم، هو ضرورة لإعادة النظر في سياسات المحتوى، لكن ما يحدث اليوم أكثر سوءاً، بسبب اتجاه المنصات الكبرى للتخصيص والربحية، وصعود الخطاب الشعبوي والبيئة الحاضنة لأصوات التمييز والعنف في عالم مضطرب يمر بفترة عصيبة من نزاعات وحروب وانتهاكات كبرى، يتراجع معه صوت العقل ولغة القانون في مجتمعات مأزومة من الحالة الاقتصادية التي تحاول ترحيل مشكلاتها وأزماتها عبر موجات من العنف. ومن المرشح في القابل من الأيام أن تصبح معضلة الاندماج وخطاب الكراهية مأزقاً يؤرق العالم جنباً إلى جنب مع الإرهاب والتطرف وجرائم الحرب.

 

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معضلة الذات المأزومة اليمين والإسلاموفوبيا معضلة الذات المأزومة اليمين والإسلاموفوبيا



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab