بقلم -علي أبو الريش
في ليلة تحتفل فيها إعسمة بقلادة الماء المتجمد، لتصبح المسطحات الخضراء، مثل شال أبيض، يطوق نحر المكان، كأنه القطنة العملاقة تسرد حكاية الدفء والبرودة وعندما تصحو العيون وتفرك عن الجفون ظلال الأغطية، وترنو إلى السماء التي بدت كأنها القبعة العملاقة تخيم على الرؤوس، وتفيض بروحانية شفافة كما هي أفئدة الناس الطيبين في هذا البلد، وتبدو الأرض السخية كحالمة على مهد التودد تنبت بين ثناياها سنابل العشب القشيب، لتسطر ملحمة الوجود على بساط من مخمل الأيام الجميلة في بلد تترعرع فيه المشاعر كأنها الزهرات اليافعة، ومن حولها تهيم الفراشات وجداً طفولياً تنسق أجنحتها بأنامل العشق العفوي، وترتب أنفاسها بيت بتلات الورد، وتذهب بالمعنى إلى غايات أشبه بابتسامات الطفولة، ليرفع الوجود نشيد الأبدية على تراب أرض صاهرت الغافة، كما عانقت أسرار النخلة، وهي تشذب مساعيها للنهوض عالياً.
ومن يرقب وجه إعسمة، ويرصد خفقاتها وهي تتنفس البرودة يشعر بأن الكون بدأ تشكله من هنا، ومن فيض الإمارات الوفية لكيانها، ولعرفها قيمها هنا في هذه القارة الزاهية بوجوه بالمتناسقين ثقافياً رغم اتساع المسافات بين محيط وآخر.
فأجمل شتاء ينبت في أجمل حكاية تضاريسية، وأنبل رؤية سياسية، وأكمل قماشة ثقافية على وجه الأرض.
هنا تتضافر جهود الطبيعة مع براعة الإنسان، فتنمو شجرة الأحلام مستوفية كل الشروط وبين الأغصان ترقص أجنحة الطير ملبية نغمة الفن الإداري في بلد سبق العالم في إدارة شؤون الأرض، وشجون الإنسان.
وأنت على أي بقعة من جغرافية الإمارات، تشعر أنك تسير على صفحات الماء بقارب من إرادة صلبة، ومشاعر مزخرفة بالحب، وبريق يشع من العيون ليعبر عن فرحة في الوجود، وسعادة بالمعطى، وفخر بما تجود به الطبيعة، وهي متضامنة مع طموحات الإنسان.
وليس إعسمة إلا مثالاً لهذا التناسق ما بين الإنسان، والطبيعة، وما بين الغافة ويد الإنسان التي اقتطفت من أغصان هذه الشجرة، لحمة التواصل مع العالم، وحزمة من الرؤى أشعلت في الضمير شمعة الوعي، حتى صار الوعي حقلاً مزروعاً ببرتقال المشاريع العملاقة، والمنجزات المدهشة، مما جعل الإمارات محط أنظار العالم، وصبوته وشراع سفنه إلى حيث يكمن الأفق الوسيع.