تراجيديا الحريرية وتهديدات الأمن الخليجي

تراجيديا الحريرية وتهديدات الأمن الخليجي

تراجيديا الحريرية وتهديدات الأمن الخليجي

 العرب اليوم -

تراجيديا الحريرية وتهديدات الأمن الخليجي

بقلم - علي شندب

في خطاب العزوف اختار سعد الحريري الانطلاق من اغتيال والده، أي من اللحظة التراجيدية نفسها التي نُصّب فيها وريثاً سياسياً بالتحديد. ومن لحظة التراجيديا هذه قدّم الوريث الثاني لرفيق الحريري سرديته التي توّجها بإسدال الستارة الحزينة على حركته السياسية وحيثيته التي ابتلعها الفشل والضمور واستهلاك الوسطاء والزمن الثقيل الذين لم يحملوا إليه الترياق المأمول.

غادر سعد الحريري مربع السياسة والسلطة والنفوذ مضرّجاً بانتكاسات وخيبات لطالما ارتضت جموع وازنة من الطائفة المهزومة والمأزومة تجرّعها حتى تحولت الى جموع هائمة يسودها التخبّط والضياع. وقد بدا اغتيال الحريري الأب بمثابة زلزال مستولد من الزلزال الكبير الذي أصاب العراق وشطبه من معادلات القوة والحضور عام 2003 والذي توّج بإعدام صدام حسين وتحويله الى فعل ماض، ليكون اغتيال رفيق الحريري أول التداعيات التراجيدية للنكبة العربية الكبرى.

في جلساته الخاصة والضيّقة نقل عن سعد الحريري قوله "أن لبنان ليس العراق وأن بيروت ليست بغداد". لكنه وفي مفارقة لافتة أصرّ في خطاب الرحيل او العزوف على تظهير التأريخ لمسيرته كحامل لراية الزعامة السُنّية من لحظة اغتيال والده رفيق الحريري. وهنا لا بد من التوقف عند القطب المخفية التي قدّمت سعد لا شقيقه الأكبر بهاء الحريري الى وراثة رفيق الحريري السياسية. وبدون شك فإن الباس عباءة الزعامة لسعد وليس بهاء عام 2005 لم يكن قراراً عائلياً. بل كان قرارا لرعاة الحريري الأب العرب والأجانب وأصدقائه المقربين ومنهم وليد جنبلاط الذي وصف المختارة باليتيمة والحزينة بعد عزوف زعيم بيت الوسط.

البارز في سردية خطاب عزوف الحريري اقتناعه "أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الايراني". إنها عبارة الحد الأدنى التي رماها بعناية لا تستفز ايران ولا ترضي العرب، وكأنه يسير بين حقول الغام لا يريدها أن تنفجر فيه أو تنفجر بسببه. لكنها العبارة التي تقول أن مفاعيل اغتيال رفيق الحريري لم تنته بعد. فخروج سعد الحريري من المشهد بدا أشبه باغتيال معنوي وسياسي ارتضاه مرغماً سعد الحريري لنفسه، علّه يفتدي به اغتياله جسدياً. وعبارة "دمي لكم" التي قالها لشباب عكار عشية عزوفه وشت بتخوفه من الاغتيال وبأنه لم يعد لديه ما يقدمه سوى دمه.

حتى تنضبط القراءة قليلاً حريّ بنا التأكيد، أن الحريري الأب ما كان ليكون ما كانه، لولا الرعاية والتبنّي السعودي ما بعد المطلق له، وباتت حيثية رفيق الحريري بمثابة درّة السعودية الوازنة بين صنّاع اتفاق الطائف ورعاته الإقليميين والدوليين. وأن اغتياله لم يعني الا ضرب واستهدافاً لنفوذ السعودية التاريخي والعميق في لبنان. ولهذا سارعت قيادة المملكة بالتكافل مع فرنسا شيراك الى رفد وريث ابن رفيق الحريري بكل وسائل الدعم المادي والمعنوي الذي كان مسخّراً لوالده، لكن الحريري الابن لم يفلح لأسباب كثيرة بينها أن مخالب المشروع الايراني المرتكز على التغوّل والتوغل في البلاد العربية لم تشطب رفيق الحريري لتسمح لورثته بالاستمرار.

ربما عدم صحة بعض القراءات والتقديرات المشحونة بتراجيديا الاغتيال المكثّف الذي فجّر أيضاً بعض مكنونات ومكبوتات الطائفة المجروحة، أطنبت في الكلام المضخّم عن مشروع رفيق الحريري. المشروع الذي استلزم بناء مداميكه، تفكيك كل عناصر "القوة العسكرية" لأحزاب وحركات وتيارات وطنية وناصرية ويسارية واسلامية، قارعت اسرائيل من قبل استيلاد حزب الله، وذلك بهدف الابقاء على حصرية التمثيل والقوة بيد رفيق الحريري. لكن كيف لقوة الحريري الناعمة أن تواجه أو تصمد أمام ذراع إيران المسلّح والمتغوّل على الدولة وفيها وعبرها؟.

لم يجانب وزير خارجية الكويت أحمد ناصر الصباح، أثناء زيارته بيروت لتسليم المسؤولين الشروط الخليجية والعربية والدولية لإعادة بناء الثقة مع لبنان، لم يجانب الصواب عند كلامه عن "لبنان الأيقونة". وربما تقصّد بالكلام عن لبنان الأيقونة الرد على زعيم حزب الله الذي استبقه بأكثر من سنة في محاولة مزوّرة لتطويب قاسم سليماني وجعله أيقونة للمقاومة تتقدم حتى على أيقونة النضال العالمي غيفارا، ولترسيخ محاولته التطويبية جيّر نصرالله كل مقاومة حزب الله وبينها عدوان تموز فضلاً عن عمليات "المقاومة العراقية الأصلية" الى قاسم سليماني الذي تهدم تماثيله في ايران، وتحرق وتمزق صوره في النجف وكربلاء والبصرة والناصرية وبغداد ولبنان.

الشروط العربية والدولية لإعادة بناء الثقة مع لبنان، تزامنت أولا مع عزوف الرئيس تمام سلام عن الانتخابات، واخلائه الساحة الى التغيير الذي ينشده الجيل الجديد. وتزامنت ثانياً مع عزوف سعد الحريري الذي لم يرد إخلاء الساحة لأحد، بل إنه أقفل تيار المستقبل وأخذ المفاتيح معه حتى لا تصرف تركته الشعبية في صندوق أحد، وهي التركة التي بدأ التنافس على إجراء حصر إرث لأصواتها كما يحاول رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي بدأت سهام بعض نواب ومسؤولي تيار المستقبل تستهدفه بتهمتي الغدر وحصر الإرث.

ليس صحيحاً أن دول الخليج تضيّق على سعد الحريري وتريد أن تنهي زعامته وتياره. لكن الصحيح أن الحريري وتياره اتكأوا في نشاطهم ووجودهم على الرعاية المالية الخليجية والسعودية خاصة، ولم ينشئوا مؤسّسات إنتاجية واستثمارية تؤمن لهم وعبرهم للطائفة المكسورة التي يتزعمونها نوعاً من الاكتفاء الذاتي الذي يؤمن لهم نوعاً من استقلالية القرار والعمل والحركة.

والصحيح أيضاً، أن الحريري وتيار المستقبل لم يدركوا حجم المخاطر الناجمة عن سلوك حزب الله الذي يربطون النزاع معه ضد دول الخليج. لم يتصرف سعد الحريري انطلاقا من أنّ حزب الله بات مهدداً حقيقياً للأمن القومي العربي كما صرّح سفير السعودية وليد بخاري، لا بل إن ما كشفه التحالف العربي عن دور حزب الله في توجيه وإطلاق المُسيرات المفخخة والصواريخ البالستية المجنّحة فضلاً عن شحنات المخدرات والكابتغون التي تستهدف بعض مدن السعودية والامارات وربما تستهدف غيرها، إنما هو تهديد ليس للأمن القومي فحسب، بل للأمن الداخلي لدول الخليج العربي.

مواجهة التهديد إذن، هي تلك التي تقف وراء زيارة وزير خارجية الكويت لبيروت وشروطها المستحيلة التحقّق لبنانياً، وأيضاً وراء عزوف سعد الحريري وخروجه من السياسة بهدف نزع الغطاء السني الوازن عن حزب الله. إنه العزوف والتعليق الذي لن يكون بإمكان سعد الحريري التراجع عنه كما تراجع عن استقالته الشهيرة من الرياض، ويومها تمكّن نصرالله وأيضاً ميشال عون وصهره المعجزة جبران باسيل من استخدام الحريري ضد السعودية بخبث مشهود، وهو ما ليس بمقدورهم فعله اليوم.

لكن هل يؤمن خروج الحريري وتيار المستقبل من المشهد السياسي، النتائج المرجوة، أم أنه سيعود بنتائج عكسية على الطائفة السنية المشرذمة أصلاً؟.

اغتيال رفيق الحريري وحّد غالبية السُنّة وأطياف لبنانية واسعة. خروج سعد الحريري بالأسلوب الذي اعتمده أشاع الشرذمة فيها. نهائية خروج الحريري وعزوفه رهن إقفال باب الترشيحات الانتخابية منتصف آذار/ مارس القادم إذا لم تلغ. وأيضاً في كيفية إحياء الذكرى السنوية لاغتيال رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير القادم، فهل سيحضر سعد الحريري وتكون المناسبة فرصة لتصحيح خطأ التوريث عام 2005 وتسليم الأمانة إلى بهاء الحريري الشقيق الأكبر الذي يتبنى مواقف مختلفة عن شقيقه سعد ومتفقة مع مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي في الحياد ومتسقة مع دفتر الشروط الخليجية العربية الدولية، أم يستنسخ اغتيال 14 شباط نفسه بتراجيديا جديدة، ويدخل لبنان مرحلة شديدة التعقيد والتحوّلات؟
الإجابة برسم الأسابيع المقبلة.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تراجيديا الحريرية وتهديدات الأمن الخليجي تراجيديا الحريرية وتهديدات الأمن الخليجي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab