إيران، حزب الله وغزة

إيران، "حزب الله"... وغزة

إيران، "حزب الله"... وغزة

 العرب اليوم -

إيران، حزب الله وغزة

محمد عبيد
بقلم : محمد عبيد*

يحار الإنسان من أين يبدأ، بعدما فقد العالم مع غزة آخر ما تبقى من عناوين منظومة الأخلاق والقيم التي كانت تستر عورات الحكومات والأنظمة، بل الأهم أن غزة كشفت خواء منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها وجمعياتها كافة، إضافة إلى إنكشاف ضعف ووهن المحاكم والمراجع القضائية الدولية أمام الصلف الأميركي عندما تقرر واشنطن أن تقول للعالم أجمع أنا الآمر الناهي وليس أمامكم سوى الإطاعة أو السكوت!

لذلك فإنّ التحولات التي ستفرضها نتائج العدوان على غزة لا تتعلق بالتوازنات السياسية ولا بمساحات النفوذ التي ستحققها الأطراف الإقليمية والدولية المعنية فحسب، بل إنها ستقود حكماً إلى إعادة الإعتبار للنظام العالمي الآحادي القطب الذي توهم الكثيرون من الباحثين والمحللين سقوطه، وإذا به يطل من بوابة غزة حاملاً معه نموذجاً فجّاً ودموياً يتوجب على كل معترض أو مناهض للسياسات الأميركية في أي مكان في العالم أن يتعظ منه.
هي أولى الرسائل التي أرادت المؤسسة العسكرية - الأمنية الأميركية تظهيرها من خلال إدارتها المباشرة لأداة القتل والإجرام الإسرائيلية، كما تحركها المباشر في أكثر من عاصمة وفي داخل المؤسسات الدولية كافة لفرض المواقف ولضبط المنابر الإعلامية على تنوعها بهدف حماية تلك الأداة وتأمين الغطاء السياسي والديبلوماسي الذي يُمَكِنُها من إستكمال مهمتها بدون عوائق رسمية ولا مساءلة قانونية. ولولا تظاهرات الإحتجاج والغضب التي تعم العواصم والمدن في الغرب، لكان المشهد تسليماً بتسليم للإرادة الأميركية التي لا تُرد!
57 دولة عربية وإسلامية إجتمعت، كان الطير على معظم رؤوس حكامها، ولولا هز تلك الرؤوس وإنفعالات الوجوه التي استوجبتها مقاطع الخطابات التي ألقوها لكانت مرت قمتهم كما نتائجها إنصياعاً كاملاً للغزو الأميركي الجديد للمنطقة ولأهدافه التي كان المطلوب من القمة تبريرها تحت عناوين مؤجلة كحل الدولتين والآمال المتوخاة من هذا الحل والتي ستجلب الأمن والسلام للشعب الفلسطيني، هذا إذا تبقى منه من يقدر على الجلوس حول طاولة التفاوض الجدية الموعودة منذ سنوات طويلة!
أما الرسالة الأخرى المباشرة التي أراد الأميركي تظهيرها بل تثبيتها كمعطى جديد في مساحة النفوذ الموزعة في المنطقة، فقد تمثلت بتكريس وجوده العسكري الهجومي من خلال إرسال مدمرات وبوارج حربية وغواصات إلى مياه البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، تحت عنوان منع أي طرف إقليمي دولة كان أم حركة مقاومة من توسيع رقعة الحرب الدائرة في غزة، مما قد يتسبب بهزيمة عسكرية محتملة لإسرائيل.
غير أنّ المضمون الأهم لهذه الرسالة هو الوصول إلى التماس المباشر مع دول وقوى محور المقاومة، وذلك رداً على المشروع الذي عمل عليه هذا المحور إثر إغتيال قائد فيلق القدس الحاج قاسم سليماني، والذي حمل شعار «إخراج القوات العسكرية الأميركية من منطقة غرب آسيا».
بناء على ما تقدم، يسعى الأميركي اليوم إلى القضاء على حركة «حماس» شرطاً أساسياً كي ينعم الغزاويون بالأمان، وكي يستحق الشعب الفلسطيني دولة مستقلة، وفقاً لتوصيفات الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة.
هذا هو الهدف المباشر على الأرض، أما الهدف الأعمق فيتمثل بالعمل على إنهاء وجود رأس حربة محور المقاومة: «حماس» وأخواتها من قوى المقاومة الفلسطينية على أرض فلسطين، وبالتالي إسقاط هذه «العضلة» الأساسية المتقدمة التي تمنح القوة لفكرة ولمشروع المحور الداعي إلى تطويق الكيان الإسرائيلي من الداخل ومن الخارج بإنتظار نضوج الظروف الإقليمية والدولية المؤاتية للإنقضاض عليه.
لم يكن هذا حلماً ولن يكون، فأهم الوقائع التي أكدتها هذه الحرب أنّ إسرائيل لم تكن تمتلك يوماً مكونات دولة قادرة على حماية نفسها بنفسها، بل أنها لا تعدو كونها موقعاً أميركياً وغربياً متقدماً، يُمنَع عند الحاجة الإستفراد بها أو إلغاءها من على خارطة المنطقة العربية والإسلامية.
لذلك ولكي يُكمِل الأميركي رسم صورة مشهد الإنقضاض على قوى المحور، بدأ العمل على إيجاد شرخ بين مكونات هذا المحور عبر تسريب معلومات مفبركة حول مضامين لقاءات بعض مرجعيات وأقطاب هذه المكونات، والتي أشارت إلى إبلاغ مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي الخامنئي رئيس المكتب السياسي لحماس بعدم إمكانية مساندة إيران لحماس في التصدي للعدوان الأميركي - الإسرائيلي على غزة، كذلك من خلال الحديث عن لقاءٍ أميركي - إيراني في جنيف تم فيه التفاهم على عدم تدخل طهران وحلفائها في المنطقة بالحرب الغزاوية!
من الواضح أنّ واشنطن وماكينتها السياسية والدعائية تسعى منذ اليوم الأول للعدوان على غزة إلى شرذمة صفوف مكونات المحور التي أظهرت تماسكاً وتناغماً في مواجهة هذا العدوان، إنطلاقاً من رؤية معمقة قائمة على أن العدوان المذكور ليس كسابقاته من الإعتداءات الإسرائيلية المدعومة أميركياً، وهو أيضاً لا يحمل أهدافاً آنية أو «غزاوية» ضيقة، وهو ما فندناه في ما تقدم. ولذلك فإنّ مقاربته تستوجب إدارة حكيمة ومدركة لمخاطر الإنزلاق إلى الفخ الذي ينصبه الأميركي لإنهاء القضية الفلسطينية عبر إنهاء مقاومتها المركزية، وبالتوازي إحداث فوضى عسكرية وأمنية في المنطقة من خلال توجيه ضربات مركزة لقوى تلتزم الدفاع عن فلسطين وأهلها في لبنان والعراق وسوريا واليمن وبالتأكيد إيران.
لذلك بادر المحور إلى محاكاة هذا العدوان بأساليب مختلفة وفقاً لإستراتيجية واضحة قائمة على إستنزاف مقدرات العدو الإسرائيلي في أكثر من محور بالإضافة إلى الرهان على الصبر والإستعداد لمواجهة الفوضى التي يسعى إليها الأميركي. وقبل كل ذلك، التنسيق والتواصل المباشر مع قوى المقاومة على أرض غزة لتبيان حاجتها إلى إنتقال حلفائها من حالة المساندة إلى موقع الإنخراط المباشر تعزيزاً لصمود تلك القوى وثباتها على الأرض.
والأهم من ذلك كله، سعي قوى محور المقاومة كافة إلى إثبات أن النصر الموعود هو من فعل الفلسطينيين أنفسهم وبقدراتهم الذاتية وبناءً على تضحياتهم الكبرى وبطولاتهم التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً. وبالتالي إسقاط كافة المقولات حول محاولات قوى المحور الإستثمار في تضحيات الفلسطينيين ومقاومتهم لتحقيق مآرب سياسية إيرانية أو غير إيرانية.
ليس جديداً أن يحاول الأميركي زرع بذور الفرقة والشرذمة بين مكونات المنطقة عامة، وبالتأكيد أزعجه بل آلمته سياسياً وإستراتيجياً حالات المصالحة والتوافق التي حصلت بين هذه المكونات، خصوصاً وأنها أنهت كافة مساعي الأميركي السابقة إلى بث الفتنة المذهبية من خلال إدارته لحروب داعش والنصرة وشبيهاتها من المجموعات الإرهابية التكفيرية، والتي لم نسمع عنها أو منها اليوم شيئاً حول رغبتها بتحرير فلسطين أو الإنتقال إلى «أرض الجهاد» الحقيقي للدفاع عن الفلسطينيين!
إنما الجديد في ظل هذه المعمعة والفوضى الإعلامية التي نعيشها أن يتمكن الأميركي من صرف الأنظار عن المجازر التي يرتكبها الإسرائيلي وعن تغطيته ورعايته له، ليشغل مجتمعاتنا في الجدال والإنقسام حول كيفية إدارة حرب مفصلية في تاريخ الصراع مع المشاريع الأميركية في المنطقة.
على أي حال، إن توقف آلة القتل الإسرائيلية لسبب أو لآخر وتراجع الأميركي المحتمل في حال نفاد صبره من إمكانية تحقيق أهدافه المتوخاة من هذه الحرب، لن يعني مطلقاً نهاية المواجهة في المنطقة بل بالتأكيد سنشهد بدايات جديدة لها وبأشكال مختلفة ولو بعد حين، ذلك أن أطراف المواجهة كافة سيعمدون إلى إعادة ترتيب أوراق قوتهم وتصحيح مكامن ضعفهم التي كشفتها هذه الحرب تحضيراً لجولات جديدة، تحرير فلسطين عنوانها الأول وإنهاء الوجود العسكري الاميركي في المنطقة مقدمة لذلك.
محمد عبيد سياسي لبناني*

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران، حزب الله وغزة إيران، حزب الله وغزة



هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 01:27 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني
 العرب اليوم - ترامب يطالب بإنهاء الصراع الإسرائيلي اللبناني

GMT 20:38 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبدالوهاب تكشف عن شروطها لتعود إلى التمثيل
 العرب اليوم - شيرين عبدالوهاب تكشف عن شروطها لتعود إلى التمثيل

GMT 04:13 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان
 العرب اليوم - غوتيريش يعرب عن «صدمته» إزاء المعارك في وسط السودان

GMT 03:26 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

بلينكن يطلب من إسرائيل السماح باستئناف التلقيح لأطفال غزة

GMT 12:54 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان

GMT 17:43 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

كندة علوش تكشف عن طريقة خروجها من الكآبة

GMT 03:47 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش الاحتلال يعلن إسقاط طائرة مسيرة قادمة من لبنان

GMT 00:13 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرة مجهولة المصدر تسقط في الأراضي الأردنية

GMT 00:06 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية جديدة على النبطية في لبنان

GMT 02:21 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع حصيلة قتلى فيضانات إسبانيا إلى 158

GMT 03:40 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يتبرع بمليون يورو لضحايا إعصار دانا في إسبانيا

GMT 01:37 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية

GMT 03:30 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ميسي يثير الغموض حول مشاركته في كأس العالم 2026

GMT 08:15 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يكشف سبب حذف أغانيه

GMT 20:15 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتخاب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي

GMT 00:00 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

يوسف الشريف يتحدث عن عقدته بسبب يوسف شاهين

GMT 07:57 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

نتائج "مايكروسوفت" و"ميتا" تهبط بأسهم "ناسداك" 2.8%

GMT 12:23 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع عدد ضحايا فيضانات فالنسيا في شرق إسبانيا إلى 205
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab