جنتا مدرسة الإمام الصدر

"جنتا" مدرسة الإمام الصدر

"جنتا" مدرسة الإمام الصدر

 العرب اليوم -

جنتا مدرسة الإمام الصدر

بقلم : محمد عبيد

أولاً، هذا المقال لا علاقة له بالسجال الدائر بين طرفي ما يسمّى «الثنائي الشيعي» حول وقائع تاريخية متّصلة ببعض المعارك التي خاضها العديد من المجاهدين الحقيقيين ضد العدو الإسرائيلي

من حق «حزب الله» أن يؤرّخ لانطلاقته ولمساره على مدى أربعين ربيعاً كما يريد. وأيضاً من حقّ الآخرين الذين كانوا مؤسّسين وما زالوا منضوين تحت لواء المقاومة بأشكالها كافة، من حقّهم أن يقدّموا تأريخهم الشخصي والعام للموضوع الذي يشكّل نقطة تلاقٍ بين هؤلاء والحزب وهي المقاومة، وليس في ذلك أيّ انتقاص من تضحيات وجهاد ونضال أيّ من الأطراف المعنية كافة.

في أوائل العام 1979، وبعد مرور حوالى عام وبضعة شهور على انتمائي إلى حركة المحرومين - أفواج المقاومة اللبنانية (أمل)، وأنا على أبواب الإنتقال إلى الدراسة الجامعية، قادني اندفاعي وحماستي إلى معسكر «جنتا» لتلقّي دورة عسكرية مكثّفة لمدة 15 يوماً كتعويض عن لقاءٍ ثقافي وتعبوي وروحي كان من المفترض أن يجمعنا مع مؤسس الحركة وقائدها الإمام السيد موسى الصدر في مؤسسة «جبل عامل المهنية» في البرج الشمالي لتمضية شهر بأكمله معه، وكنا قد انتقلنا فعلاً إلى هناك مجموعة من الكوادر الشباب، ليستقبلنا الراحل المسؤول التنظيمي المركزي الأول للحركة الدكتور مصطفى شمران في انتظار مجيء الإمام الذي لم يعُد.

المهم أن الالتحاق بالتدريب العسكري كان بالنسبة إليّ حُلُماً، إذ إن التخرج من مدرسة «جنتا» آنذاك كان يعني أن المتخرج قد نال شرف الجهوزية للمشاركة على جبهتين: الأولى، التصدي للعدو الإسرائيلي على أطراف الشريط الحدودي الذي شكّل خط انسحابه بعد اجتياحه الأراضي اللبنانية في آذار العام 1978. والثانية، الذود عن الطائفة الشيعية وخصوصاً في المناطق التي كانت تتعرّض فيها الحركة لهجمات من بعض قوى «الحركة الوطنية» والتنظيمات الفلسطينية المتطرفة.

كان المعسكر الداخلي عبارة عن مزرعة دواجن مفتوحة على بعضها يملكها أحد أحبّة الإمام الصدر ودعامة أساسية من دعامات حركته: الحاج موفق بيضون. أما المعسكر الخارجي فقد كان مساحات من الأراضي لا نهاية لها وتتّصل بأراضٍ زراعية فيها من شجر المشمش والفستق الكثير الكثير.

 أما طاقم التدريب فقد ضمّ مجموعة من الأوائل الذين اكتسب معظمهم الخبرات العسكرية من الجيش اللبناني، غير أنّ بعضهم تقاعد مبكراً والبعض الآخر ترك الخدمة بإرادته كي يتفرّغ للتدريب في معسكر الحركة، وكان في مقدّم هؤلاء: الحاج أبو عباس شكر والحاج محمد يونس والأخوان وهيب الحاج حسن ومصطفى الديراني، وكان زائرنا الدائم المسؤول العسكري المركزي للحركة الحاج زكريا حمزة (أبو يحيى)، والذي كان إلى جانب إشرافه العسكري على دورتنا، يتولى مهمة تثقيفنا عقائدياً بالإضافة إلى التعبئة السياسية.

لم يكن التوقيت عادياً، لأنها كانت واحدة من الدورات الأولى التي كان يفصلها عن تاريخ اختطاف الإمام المؤسس السيد موسى الصدر ورفيق دربه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في ليبيا نحو خمسة أشهر. هذه الدورات التي كانت تهدف الى تكثيف جهوزية الحركة سياسياً وشعبياً وعسكرياً لمواجهة المخطط الذي كان متوقّعاً أن يتبع عملية الاختطاف وهو الانقضاض على الحركة وإنهاء وجودها. لذلك فإنّه بعد عودتنا من «جنتا» تم تكليف معظمنا بمسؤوليات عسكرية وأمنية في مختلف مناطق الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية الجنوبية.

نجحت الحركة بقيادة أمينها العام السيد حسين الحسيني في احتواء صدمة الإختطاف، إذ إن احتضان الشيعة لها والتفافهم حولها وفّرا لها سوراً واقياً من هجمات بعض القوى «الوطنية» والفلسطينية التي تصاعدت ضدها بشكل عنيف، الى أن بلغت هذه الهجمات ذروتها بعد تسلم نبيه بري رئاسة مجلس قيادتها في ربيع 1980 ودخول القيادة السورية على خط دعم الحركة سياسياً وعسكرياً وتحصينها من خلال فتح أبواب معسكرات الجيش العربي السوري لتدريب شبابها تدريباً قتالياً متقدماً.

وما هي إلا سنتان حتى كان الاجتياح الإسرائيلي العام 1982، والذي أبدع خلاله مقاتلو الحركة في التصدي لهذا الاجتياح على جبهات عدة.

على أن تداعيات هذا الاجتياح على المستوى السياسي الداخلي فرضت فتح أبواب حوار دعا إليه رئيس الجمهورية في حينها إلياس سركيس تحت عنوان «هيئة الإنقاذ الوطني» والتي ضمّت مجموعة من الشخصيات السياسية والحزبية اللبنانية ومن بينها نبيه بري وبشير الجميّل. شكّلت هذه المشاركة الاختبار الأول لمدى قدرة الحركة على تقبّل تحوّل جذري في مقاربتها الشأن الداخلي والتلاقي مع الآخر المختلف والمراهن على نتائج الاجتياح المذكور. لذلك لم يطل الوقت حتى أعلن النائب الأول لرئيس مجلس القيادة السيد حسين الموسوي انشقاقه مع مجموعة من الحركيين عن الحركة وإنشاء تنظيم جديد تحت مسمّى «حركة أمل الإسلامية».

ولأن هذا الانشقاق كان «بقاعياً» من حيث جغرافيا إعلانه، كان متوقّعاً أن يضع يده على معسكر «جنتا». غير أن ذلك لم يدم طويلاً بعدما وصلت طلائع الحرس الثوري الإيراني الى البقاع، والتي وجدت في هذا المعسكر القاعدة المناسبة للبدء في التدريب والتعبئة والتجهيز لجذب الشباب الشيعي البقاعي وكذلك الجنوبي النازح الى البقاع أو الذي اختار أن يلتحق بتلك الطلائع بعدما بلغه خبر وجودها وتحرّكاتها. ولذلك كان من الطبيعي أن تنتقل السيطرة على «جنتا» من الحرس الى التنظيم الناشئ والذي شكّل وما زال يشكّل امتداداً لنهج الحرس ودينامياته التعبوية والعسكرية: «حزب الله».

غير أن التسوية القانونية لملكية معسكر «جنتا» وغيرها من الممتلكات الواقعة في البقاع تحديداً تمّت بعد المصالحة السياسية التي رعتها القيادتان السورية والإيرانية بين حركة أمل و»حزب الله»، إثر معارك متنقلة في أكثر من منطقة «شيعية» أنهكت الطرفين.

الإشكالية اليوم والتي تبرز عند كل حدث يحاول فيه «حزب الله» أن يُعَرِج على تاريخه، أن هذا التاريخ من حيث التأسيس لمشروع المقاومة وكذلك تكوين البيئة الحاضنة لها، فضلاً عن صياغة ثقافة بنيوية لهذه المقاومة مرتبط جذرياً بالإمام السيد موسى الصدر وبإخوته في حركتهم الأولى. وبالتالي فإن القفز فوق هذا التاريخ وابتداع سردية تبدأ من العام 1983 تأثراً أو استجابة لمشروع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية يحتاج الى بلورة قراءة سياسية موضوعية توضح نقاط التلاقي ومحطات الاختلاف بين الرؤيتين «الصدرية» و»الخمينية»، وهو بحث لا بدّ من الغوص فيه كي ينجلي بعض الغموض الذي تتم معالجته سطحياً بين قيادة «حزب الله» الممسكة بتاريخها وبين قيادة التنظيم الحالي في حركة أمل التي تخلّت عن تاريخها أو بالأصح التي ليس لدى بعض قيادتها وكوادرها الحاليين وبالأخص الطارئين منهم أيّ معرفة بتاريخ الحركة ونضالاتها.

لكن الأهم أن أزمة حركة أمل لا ترتبط حصراً بتخلّي قيادتها أو نكران تاريخها وتضحيات كوادرها الأوائل وإيثار شهدائها وجرحاها وعوائلهم، بل إن أزمتها تكمن في الانفصال عن أدبيات وسلوكيات الإمام المؤسس الصدر، إضافة إلى ضياع رؤيتها السياسية وبالتالي سقوطها كمشروع وطني مقاوم وقائد لمشروع بناء الدولة.

لذلك ليس غريباً أن «تتعكّز» الحركة على معادلة الثنائي الشيعي كي تبقى حاضرة في الحياة السياسية اللبنانية، مع يقين رئيسها أن هذه المعادلة صارت قائمة على التخلي الطوعي عن المقاومة كمشروع عملي وليس كشعار خطابي، كذلك الإقرار بأن الكَمَ اليسير من شعبية الطائفة بات رافعة حصرية للحزب ولمشروعه.

والله من وراء القصد.

*محمد عبيد المدير العام السابق لوزارة الإعلام

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنتا مدرسة الإمام الصدر جنتا مدرسة الإمام الصدر



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab