انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب

انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب

انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب

 العرب اليوم -

انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب

بقلم:حسام عيتاني

ينتظر اللبنانيون أشياء كثيرة هذه الأيام: ينتظرون أمام الأفران للحصول على بعض الخبز. ينتظرون اندلاع حرب ضد إسرائيل يظهر على الشاشات كل بضعة أيام من يُبشّر بها كمنقذ من النكبة المتمادية في البلد. ينتظرون مجيء مغتربيهم الذين يحملون مالاً هم في أمسّ الحاجة إليه لتحريك ما تبقّى من اقتصاد ومؤسسات سياحية. ينتظرون عودة موظفي القطاع العام عن إضرابهم المفتوح لإنجاز معاملاتهم المعلقة. ينتظرون الإفراج عن جوازات سفر مُنعت عنهم لأسباب غير مفهومة. ينتظرون حصتهم من كهرباء لا تزيد على الساعة والنصف يومياً. ينتظرون دواء لمرضاهم.
كل من مواطني لبنان ينتظر أملاً يتغير شكله حسب حاجة المنتظر. هناك من ينتظر تأشيرة هجرة للفرار من الجحيم اليومي. آخر ينتظر استعادة ولو جزء من وديعته المصرفية التي عوّل ذات يوم عليها كضمان لشيخوخة تقيه ذلّ الحاجة. ثالث ينتظر تخرج أبنائه في الجامعات ليبدأوا هجرة هي المشروع الوحيد المعقول لشباب لبنان.
ولا يندر أن يحمل اللبناني انتظارين أو ثلاثة في آن؛ كأنْ يفكر خلال وقوفه بطابور يتشارك فيه مع آلاف من نظرائه آملاً نيل أرغفة معدودة، في أن إطلاق الصواريخ الذكية على منصات استخراج النفط والغاز الإسرائيلية في عرض البحر هو الحل الأنسب لإنهاء معاناته. أو أن يكون قد أدلى بصوته في الانتخابات النيابية الأخيرة لمصلحة زعيم طائفته ويعلق الآمال على دولارات قليلة يرسلها قريب له من الخارج تعينه على تحمّل المصائب اليومية. لا يحضر في ذهن صاحبنا المتأمل خيراً في الحرب على إسرائيل والواقف في طابور الفرن أن مأزقه صنعه أبناء جلدته الذين يُخفون الطحين، ويهرّبونه لتقاسم أرباح الدعم مع أجهزة النظام السوري الأمنية. ولا أن البدء بحرب جديدة سيكون مقامرة غير معروفة النتائج حتى لو قال له صاحب الصواريخ الذكية إن الموت شهيداً في القتال (أو بالأحرى القصف) الإسرائيلي أفضل من الموت قتلاً في عراك قرب فرن أو محطة وقود.
رفع التناقض المنطقي ليس مهماً عند اللبنانيين المنتظرين وإلا كنا شهدنا منذ مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تحولاً في معنى السياسة وانتقالها من أداة لتأبيد الانقسام الطائفي والسيطرة على جماعات لا يجمعها غير خوفها بعضها من بعض واحتقارها لكل مختلف عنها، إلى وسيلة لتحقيق مصلحة الأكثرية المتضررة المنتظرة اليوم تحقق أوهامها.
الاستثمار في الخوف والاحتقار المتبادل ليسا بالشيء الجديد في عالم اللبنانيين. بيد أن لكل مرحلة شعارها ومبرراتها. التقسيم كان شعاراً لتخليص المسيحيين من سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية وحلفائها اليساريين والمسلمين في بدايات الحرب الأهلية. في الثمانينات حل شعار «المناطق الحرة» المسيحية مقابل المناطق المسلمة الخاضعة للاحتلال السوري. اليوم، تُستعاد أفكار من نوع تقسيم بلدية بيروت والفيدرالية بعد الوصول إلى يأس مطبق من القدرة على خروج البلد موحداً من الهاوية التي ما زال يتدحرج فيها.
تجدر الإشارة هنا إلى أن دعاة الفيدرالية الذين ينطلقون من خلفية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» من لبنان ما دام خلاص البلد كاملاً من رابع المستحيلات، سيصطدمون في القريب بالممثلين التقليديين للمسيحيين. ذلك أن مشروع الفيدرالية يرمي إلى تحرير المسيحيين من أعباء العيش مع أكثرية مسلمة، يهيمن على جناحها الشيعي حزب مسلح حتى الأسنان. في الوقت الذي ينسب «التيار الوطني الحر»، على سبيل المثال، سلامة المسيحيين حالياً إلى السلاح ذاته. سيظهر التباين واضحاً بين الفيدراليين الذين يريدون أن يعيشوا بسلام في مناطقهم وبين التقليديين الذين يرون الخوف من الآخر أو استغلال قوته، مصدر سلطتهم على جماعتهم.
مشروع تقسيم بلدية بيروت يقوم على التهويل من أن تتمدد حالة الفوضى والدمار اللذين يلفّان المنطقة الغربية المسلمة، من بيروت إلى المنطقة الشرقية المسيحية الأكثر تنظيماً وازدهاراً. إبقاء الجماعة في حالة الخوف هو السم الزعاف لكل حالة اندماج وطني، أو حتى (كما سيكتشف أنصار الفيدرالية) انفصال غير دموي. لكنّ هذا بحث آخر.
أما الواقف في طابور الخبز فهو مستعد أن يقتُل ويُقتَل، ليس فقط إذا تجاوزه أحدهم ووقف أمامه، بل أيضاً إذا قيل له وهو يتصبب عرقاً تحت شمس يوليو (تموز) إن فكرة الحرب على إسرائيل في هذه اللحظة غير مؤاتية وستكلّف لبنان، وستكلفه هو شخصياً المزيد من المآسي وتجعل انتظاراته الحالية بمثابة النزهة مقارنةً بما سينزل ببلده وأهله.
ولعله من أول الدروس التي استخلصها الحكام منذ عهود سحيقة في القدم، ذلك القائل إن اختراع صراعات خارجية غالباً ما يُخفي الاستياء الداخلي. فكيف إذا كان الداخل يقف عاجزاً منذ ثلاثة أعوام عن الإقدام على تسوية ولو مشكلة واحدة من مشكلاته الجمّة، وتنتظره في الشهور المقبلة انتخابات رئاسية الأرجح أنها ستتحول إلى استعراض إضافي للإفلاس الصافي؟

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب انتظارات اللبنانيين بين الرغيف والحرب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab