بقلم: وليد خدوري
ترك عام 2022 بصماته الواضحة على أهمية النفط والغاز في سلة الطاقات الهجينة المزمع التوصل إليها في عام 2050.
وبدأت المحاولات الجدية لتهميش البترول في سلة الطاقة لعام 2050، مع أهمية هذا الهدف البيئي الذي وافقت عليه الأغلبية الساحقة من دول العالم في مؤتمر باريس لمكافحة تغير المناخ 2015، ونشرت خريطة الطريق له وكالة الطاقة الدولية في 2021.
وحاول تقرير الوكالة في سيناريوهاته المتعددة التغاضي وتهميش دور البترول بعد 2050. واستهجن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، التقرير في حينه، كما عارض معظم وزراء «أوبك» التقرير؛ لعدم واقعيته بالنسبة لحقائق الطاقة، حيث تشكل الإمدادات البترولية حالياً نحو 85 في المائة من سلة الطاقة، مقارنة بنحو 6 في المائة للطاقات المستدامة. وتشير التوقعات إلى صعوبات تغيير هذه النسب كثيراً بين الآن ومنتصف القرن، من ثم صعوبة إحلال البدائل محل البترول بمنتصف القرن أو خلال العقود القريبة المقبلة.
وبدأت الاضطرابات في أسواق الطاقة في خريف 2021، حيث البرد القارس في أوروبا وشرق آسيا. صاحب الصقيع هذا انخفاض المخزون الغازي وعدم توافر إمدادات غازية إضافية. والسبب هو أن الشركات العالمية ملزمة بتشريعات دولها الصناعية لتقليص الاستثمار في تطوير الحقول الهيدروكربونية والتخزين العالي للبترول. كما أنه لا تتوافر لصناعة الغاز المسال المرونة المتوافرة لصناعة النفط في الحفاظ على طاقات إنتاجية إضافية. وواجهت شركات الكهرباء صعوبة في التحول إلى استعمال الفحم بدلاً من الغاز؛ إذ قد تم إغلاق الكثير من مناجم الفحم لأسباب بيئية أيضا. ومن ثم لجأت الشركات لاستعمال الفيول أويل (غاز الوقود) لتوليد الكهرباء. الأمر الذي بدأ مسلسل زيادة أسعار النفط والغاز وفواتير الكهرباء الحالية عالمياً. أتت التطورات الكونية (الجائحة، وحرب أوكرانيا وآثارها الجيوستراتيجية) لتبرهن صعوبة التحول من الطاقة الهيدروكربونية إلى الهجينة بالسرعة المراد لها، بالذات للحظر والعقوبات الذين تم فرضهما على موسكو لمعاقبتها اقتصادياً.
نتج من هذه الأحداث تطورات مهمة على صعيد الطاقة، منها أهمية الإسراع في تشييد الطاقات المستدامة (الرياح والشمسية)، لكن تبين أيضاً صعوبة الاعتماد الواسع على هاتين الطاقتين المستدامتين؛ نظراً لتأثير التقلبات المناخية والجوية في تزويد الطاقة اللازمة دون انقطاعات، ناهيك عن الحاجة الملحة إلى زيادة قدرتهما التخزينية للطاقة التي لا تزال محدودة نسبياً.
واستفادت الصناعة البترولية خلال هذه المرحلة من إنتاج إمدادات ذات انبعاثات محدودة، كالهيدروجين (وقود المستقبل)، والأمونيا، وتدوير صناعة اقتصاد الكربون. لا تزال هذه الصناعات في مراحل التطوير وذات تكاليف باهظة الثمن، إلا أن بداية انتشارها في العديد من الدول البترولية هو دليل على إمكانية استعمال النفط بطرق مختلفة ومتعددة.
كما وجدت صناعة الغاز فرصاً جديدة لها أيضاً، رغم الحظر الأوروبي للغاز الروسي. فأوروبا، بالذات الأقطار الأوروبية الشمالية (ألمانيا وهولندا والنمسا) التي كانت تستورد الغاز الروسي بالأنابيب، أخذت في التفاوض مع دول مصدرة كبرى للغاز (قطر، والولايات المتحدة، والجزائر وغيرهم) لاستيراد الغاز المسال وتشييد البنى التحتية المترتبة على هذا الاستيراد، كما أن هناك ضرورة للتوقيع على اتفاقات تمتد نحو عقدين من الزمن؛ مما يعني ضرورة استعمال الغاز المسال حتى منتصف القرن على الأقل. وفي الوقت نفسه، لقد تبين للأقطار الأوروبية ضرورة استعمال الغاز (المنخفض الانبعاثات) إلى جانب الطاقات المستدامة؛ نظراً إلى حاجتهم الماسة في توليد طاقة كهربائية واسعة للمصانع والمنازل.
ونجد أن الصناعة البترولية المنتشرة عالمياً في موقع تفضيلي لتقديم خبراتها في الطاقة، وإمكاناتها في تزويد الخبرات الفنية العالية، وتجيير منشآتها من أنابيب وخزانات لاستعمال الوقود الجديد الناتج عن البترول.
هذا، ومن الضروري الإشارة إلى الجوانب الواقعية والبراغماتية في تحول الطاقة. إذ إن معظم الدول في القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ذات مئات الملايين من البشر، لم تبدأ بعد في تشريع القوانين اللازمة لتحول الطاقة. والأنكى من ذلك، أن هناك أعداداً متزايدة من هذه الدول، بالذات الأقطار الشرق أوسطية منها، التي تدهور فيها قطاع الطاقة، بحيث توقفت فيها إمكانيات الحكومات لتوليد الكهرباء مركزياً، ولجأ المواطنون عوضاً عن ذلك إلى «الموتورات» الحارقة لغاز الوقود في توليد الكهرباء للمنازل والمصانع. يعود تدهور قطاع الطاقة في أقطار الشرق الأوسط هذه إلى نخر الفساد والإهمال الحكومي، ناهيك عن النزاعات الإقليمية والطائفية التي فتكت بالبلاد. ولا تزال العديد من دول العالم الثالث على مسافة بعيدة عن مسيرة تحول الطاقة، وتكمن الأسباب لذلك في شح الأموال للاستثمار في دعم الطاقات الجديدة، وعدم أخذ موضوع تحول الطاقة بنفس جدية الدول الصناعية؛ الأمر الذي سيتطلب عقوداً عدة لتصفير الانبعاثات عالمياً، نظراً إلى إمكانية استمرار استعمال البترول في المصانع البتروكيميائية في دول العالم الثالث والكلفة المالية لملايين المواطنين في العالم الثالث، دون الدعم الرسمي، لتغيير مركباتهم إلى الكهربائية.