رغم التناغم الواسع للتحول من الطاقة الهيدروكربونية إلى الطاقات المستدامة، فإن العالم يواجه عقبات على طريق التوصل إلى مسيرة «تحول الطاقة» في الموعد المحدد لها بمنتصف القرن.
إثر تفشي جائحة «كورونا» عام 2019، ونشوب حرب أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، كتب الخبير النفطي دانيال يرغن مقالاً مسهباً عن العقبات الرئيسة حينئذ، نشره «صندوق النقد الدولي» في الربع الأول من عام 2022.
ويرغن أحد أهم خبراء الطاقة عالمياً، ويُعدّ كتابه «الجائزة»، المرجع الأساسي والأهم لنشوء الصناعة النفطية في أواخر القرن التاسع عشر واستمرار أهميتها في الاقتصاد العالمي طوال القرن العشرين.
شرح يرغن في مقاله العقبات التي تواجه «تحول الطاقة»، وتأثير الفوضى الممكن حدوثها عند انكماش أسواق النفط نتيجة إغلاقات «كورونا»، ومن ثم الاضطراب في سلسلة الإمدادات بسبب حرب أوكرانيا.
وأضاف يرغن أنه رغم زيادة التناغم العالمي لمصلحة تحول الطاقة من الهيدروكربونية إلى المستدامة، فإن هناك معوقات متصاعدة أخذت تظهر للعيان أمام هذا التحول.
فهناك تباين في سرعة الاكتشافات العلمية للطاقات المستدامة من جهة، ومدة إمكانية وصولها إلى الأسواق من جهة أخرى.
وهناك الاهتمام بأمر «الأمن الطاقوي» الذي استعاد أولويته في أجندات كثير من الدول، الأمر الذي يتطلب من الدول المعنية زيادة الاعتماد على الطاقة الهيدروكربونية وتأجيل مسيرة «تحول الطاقة».
هناك أيضاً اختلاف واسع في الآراء والسياسات بشأن كيفية حدوث «تحول الطاقة»، والسرعة والتكاليف المالية المتوقعة لهذا التحول.
ويشير يرغن إلى الاختلاف الواسع والمتنامي في السياسات بين الدول المتقدمة والنامية بشأن الأولويات لتحول الطاقة.
وبالإضافة إلى هذا وذاك، تواجه الطاقات المستدامة عقبات واسعة لتوسيع عمليات التعدين للمعادن النادرة وبناء سلاسل الإمدادات اللازمة لتحقيق مرحلة تصفير الانبعاثات.
لقد شرح يرغن بإسهاب أهمية «الأمن الطاقوي» في «تحول الطاقة» في مقاله هذا. وأشار إلى تراجع أولوية الاهتمام بالأمن الطاقوي خلال الأعوام القليلة الماضية. لكن عوامل الارتفاع الكبير والمفاجئ في أسعار الطاقة وتصاعد النزاعات الجيوسياسية وغيرها... أدت جميعها إلى أن تعيد الحكومات النظر في استراتيجياتها.
يضيف يرغن أن هذه الفرضية تعني أن مسيرة «تحول الطاقة» تعتمد أولاً وأخيراً على «أمن الطاقة» وذلك للحصول على إمدادات طاقوية وافية وبأسعار معقولة؛ لأجل تأمين مساندة ودعم الرأي العام لتحول الطاقة ولتفادي إبعاد «تحول الطاقة» عن مسيرته المخطط لها، ومن ثم مواجهة المخاطر السياسية الناجمة عن ذلك.
يدل مقال يرغن بكل وضوح على أن صعوبات وعراقيل «تحول الطاقة»، لم تبدأ، أو تنتهِ، مع جائحة «كورونا» عام 2019 أو الحرب. ومن الأهمية بمكان الاستنتاج مما توصل إليه يرغن في حينه، من توقع صعوبات وعراقيل يمكن أن تواجه مسيرة «تحول الطاقة» بعد أكثر من قرن من الزمن في اعتماد الاقتصاد العالمي على الطاقة الهيدروكربونية.
فالتطورات الجيوسياسية المتغيرة يومياً هذه الأيام؛ من وضع سقف أمام تطوير الطاقات المستدامة الأميركية، بحثاً وتسويقاً، ومحاولات زيادة الإنتاج النفطي والغازي الأميركي، ناهيك بالخلاف التاريخي الأميركي - الأوروبي، وردود الفعل على حرب أوكرانيا، من تخوف تصاعدها إلى حرب عالمية ثالثة، إلى حرب تعريفات جمركية عالمية... جميع هذه العوامل ستؤدي، بل أخذت تؤدي فعلاً، إلى تغييرات مهمة في استراتيجيات الدول، إما بزيادة تحويل المخصصات لموازنات التسليح والدفاع في حال الأقطار الأوروبية للوصول إلى حل مع الولايات المتحدة بشأن دورها المستقبلي في «حلف شمال الأطلسي (الناتو)»، وإما بالاستعداد في حال الحروب الجمركية التي تشنها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب والخلافات التجارية الناتجة عنها، ناهيك بالزيادات التضخمية الناتجة عنها، حيث يتوجب على الحكومات دعم أسعار الطاقة المرتفعة والمواد الزراعية.
خلاصة الأمر أن هذه المتغيرات الجمركية، و«التسابق التسليحي»، كما سياسة تهميش الطاقات المستدامة الأميركية التي تبناها ترمب... ستؤدي حتماً إلى تقليص المخصصات المالية لصناعات الطاقات المستدامة؛ وهو الأمر الذي أشار إليه يرغن بمقاله في بداية هذا العقد.