بقلم - وليد خدوري
أعلنت السعودية في «قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر»، بمشاركة دولية واسعة يتصدرها رؤساء وصناع القرار في العالم، تبني خريطة لسياسات تصفير الانبعاثات بحلول منتصف القرن. افتتح الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، أعمال «القمة الخضراء»، وذكر أن الهدف المرجو هو تصفير صافي الانبعاثات بحلول 2060 وحفظ الطبيعة والإنسان ومواجهة تحديات التغير المناخي. وصرح لاحقاً وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، بأن «كل الخيارات مفتوحة أمامنا». وأكد عزم السعودية على إنتاج وتصدير نحو «5 ملايين طن من الهيدروجين بحلول عام 2030». كما أضاف، أن السعودية «تسعى لأن تكون مصدراً موثوقاً به لكل أنواع الطاقة. ولديها إمكانات لإنتاج ودمج أشكال الطاقة الجديدة في اقتصاد المملكة وصادراتها». لافتاً إلى أنها ستكون قادرة على تصنيع السيارة الكهربائية.
وشرح الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن «المفهوم الذي تروّج له السعودية يهدف إلى سحب الكربون وتخزينه لإعادة استخدامه في منتجات أخرى؛ مما يعد عاملاً أساسياً لتحقيق السعودية صافي صفر انبعاثات الكربون». وأكد وزير الطاقة السعودي، أن مدى التوسع والسرعة في هذا المجال سيعتمد أساساً على التطور العلمي المستمر في هذه الحقول العلمية الحديثة. ودعا الأمير عبد العزيز بن سلمان، إلى أن «يتحد العالم لإيجاد علاجات، كما يتوجب على العالم لتخفيف الانبعاثات»، مشدداً على أن «السعودية قبلت التحدي وخلقنا مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون»، وتابع أن «هناك نحو 700 مليون شخص ليس لديهم طاقة نظيفة للطبخ المنزلي. علينا وضع الأولويات وإصلاح الأمور. نريد أن نشرك الجميع ولا نقصي أحداً لوضع الحلول الشاملة لتأمين عناصر ومصادر الطاقة التي يجب أن تكون متوفرة». ومن خلال «مبادرة الشرق الأوسط الأخضر» سترسم «السعودية خريطة خضراء لحماية الأرض والطبيعة، وستقود المملكة الجهود الإقليمية لتحقيق المستهدفات العالمية لمكافحة التغير المناخي. حيث ستدعم هذه المبادرة جودة حماية الأجيال وحماية الأجيال المقبلة من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتحييد الآثار الناتجة من النفط وحماية البيئة».
من جهته، صرح المدير التقني لشركة «أرامكو السعودية»، أحمد الخويطر، للصحافيين، بأن «لدى الشركة حالياً مشاريع تجريبية لإنتاج وقود الطيران والبنزين من مزيج لانبعاثات ثاني اكسيد الكربون والطاقات المستدامة»، وأضاف الخويطر أن «هذه مشاريع تجريبية، وفي حال نجاحها وقبول هذا الوقود من قبل المستهلكين، سنرفع مستواها وزيادة طاقاتها الإنتاجية... والتقاط ثاني اكسيد الكربون في هذه الحالة هو من انبعاثات مصانع الإسمنت، أو من الهواء». تزامنت هذه التصريحات السعودية مع عشية افتتاح مؤتمر «كوب 26»، الذي يشكل مرحلة فاصلة في مرحلة تحول الطاقة بعد مؤتمر باريس، الذي تعهدت في حينه أغلبية دول العالم بـ«السياسات العامة» لتصفير الانبعاثات. وسيتم في غلاسكو مراجعة التفاصيل (التعهدات والإجراءات التنفيذية) التي التزمت بها الدول. كان واضحاً منذ البدء صعوبة سلك مرحلة تحول الطاقة، وإمكانية حدوث عجز في الإمدادات خلال هذه المسيرة. وما يحصل الآن من ارتفاع سريع وعالٍ للطلب والأسعار على الطاقة مثال لهذا التخوف. ونظراً إلى حجم ودور السعودية إقليمياً وفي منظمة «أوبك»، من المتوقع أن تشكل المبادرة السعودية سنداً للأقطار الإقليمية وأقطار المنظمة في تبني سياسات واضحة لدور البترول النظيف (الخالي من الانبعاثات) في عالم الطاقة الجديد.
وتهدف «القمة الخضراء» إلى توفير الدعم لسياسات صفر الانبعاثات الشرق أوسطية. هذا، مع العلم أن بعض الدول، بالذات السعودية والإمارات، كانت قد أطلقت مشاريع عدة في هذا المجال. وتبنت دول عربية أخرى، مثل مصر والمغرب والأردن والعراق وسلطنة عمان مشاريع متعددة في مجال الطاقات المتجددة. إذ تشكل هذه الانطلاقة السعودية نقلية نوعية في الإعلان عن أكبر دولة منتجة إقليمية وفي «أوبك» وعالمياً بتبني سياسة تصفير الانبعاثات، كما عند عشية مؤتمر «كوب 26»؛ الأمر الذي سيترك آثاره على صناعة البترول النظيف. ومن المرجو الآن أن تتبنى منظمة «أوبك» في المستقبل المنظور سياسة واضحة حول إنتاج النفط النظيف وتحول الطاقة، كما تم الإعلان عنه في الرياض مؤخراً، آخذة بنظر الاعتبار التحديات التقنية والمالية المترتبة لكل دولة عضو على هذا التحول حتى حلول منتصف القرن. فمن المهم لاقتصادات الدول المنتجة الاستمرار في تصدير البترول النظيف.
لقد أصبح التحول العالمي إلى صفر الانبعاثات بمنتصف القرن أمراً يقيناً، رغم الخلافات على بعض السياسات بين بعض الدول. والأسباب واضحة: هناك رأي عام عالمي للتغيير وتحسين البيئة والمناخ. وهناك التقدم العلمي الذي يساعد في التغييرات، وإن كان لا يزال هناك مجال واسع للأبحاث والتطوير للإنجازات العلمية المتوفرة. فعلى سبيل المثال، يتم العمل البحثي لتحسين إمكانية التقاط الانبعاثات الكربونية وتخزينها. وكلما تتقدم الأبحاث في هذا المجال، يكون بالإمكان شفط أكبر كمية ممكنة من الانبعاثات ومن ثم إعادة استعمالها. كما أن هناك الأبحاث القائمة على قدم وساق لتحسين سعة الطاقة التخزينية لبطاريات السيارات الكهربائية.
بدأ استحواذ النفط على سلة الطاقة منذ أوائل القرن العشرين. وازداد استهلاك الغاز خلال النصف الثاني من القرن العشرين. من الواضح، أن استهلاك البترول سيواجه منافسة في مجال الطاقة منذ الآن فصاعداً. لكن من الممكن جداً الاستمرار في المحافظة على نسبة محددة من استهلاك الطاقة للبترول، بالإضافة إلى إنتاج أنواع وقود إضافية، كالهيدروجين. هناك احتياطات بترولية ضخمة جداً مكتشفة وجاهزة للإنتاج. كما أن تريليونات الدولارات قد استثمرت لتشييد المنشآت البترولية.
ان إعلان السعودية القوي خلال الأسبوع الماضي أكد على مضي السعودية في دعم استهلاك البترول النظيف في الأسواق العالمية لعقود مقبلة.