بقلم - وليد خدوري
رفعت «مجموعة أوبك بلس» إنتاجها لشهر مارس (آذار) 400 ألف برميل يومياً، كما كان مخططاً له من المجموعة منذ الصيف الماضي. لكن رافق هذه الزيادة الشهرية المتوقعة تصاعد حدة النزاعات الإقليمية (صواريخ ميليشيات الحوثيين)، والدولية (أزمة أوكرانيا) ذات الانعكاسات على أسواق البترول. وكما هو الأمر عند نشوب النزاعات الجيوسياسية، تزداد التكهنات والأقاويل عما هو مطلوب من «أوبك» ومما تتخذه من إجراءات لموازنة الأسواق.
فقد شاع في أجواء الصناعة النفطية عدة أخبار ذات صلة: أن زيادة 400 ألف برميل يومياً كل شهر لا يشكل إمدادات إضافية كافية في ظل استعادة الطلب عافيته بعد الموجات الأولى لجائحة «كوفيد - 19»، وأن هذا هو السبب وراء ارتفاع الأسعار المستمر منذ بداية العام، لتراوح الأسعار أكثر من 90 دولاراً لبرميل برنت حتى بعد قرار «المجموعة».
حقيقة الأمر، أن ارتفاع الأسعار لا يعود في هذه الحال إلى معدل الإمدادات فقط. بل كذلك إلى تصاعد حدة الخلافات الأطلسية - الروسية، من تهديدات بفرض عقوبات أميركية وأوروبية على روسيا في حال اجتياز القوات الروسية حدود أوكرانيا. في الوقت نفسه، حركت موسكو عشرات الآلاف من جنودها وعتادهم من دبابات وصواريخ أرض - أرض وأرض - جو نحو الأراضي الأوكرانية، وردت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي بإرسال نحو 3000 جندي إلى مناطق محيطة بأوكرانيا.
تشكل الأزمة الأوكرانية ثلاثة أنواع من المخاطر الجيوسياسية: الأولى، شبيهة بالأحلاف والنزاعات الأوروبية في أوائل القرن العشرين التي أدت إلى الحرب العالمية الأولى. الثانية، الأحداث التاريخية المشابهة قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية المتمثلة باحتلال جيوش ألمانيا النازية تشيكوسلوفاكيا ثم بولندا. والخوف هنا هو من الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم واحتمالية الهجوم الآن على أوكرانيا. الثالثة، خلاف موسكو وواشنطن -بعد انهيار الاتحاد السوفياتي- في رسم الحدود الأمنية الجديدة لحلف شمال الأطلسي. لكن في ظل جو متوتر بالتهديدات والتحركات العسكرية، الأمر الذي يجعل من الأزمة الأوكرانية أرضاً خصبة للنزاعات والاتهامات المضادة لحل حدود حلف شمال الأطلسي. من ثم، قلق الأسواق من تصاعد الأمور، رغم الاتصالات الدبلوماسية لتهدئة الأمور.
ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة 15% الأسبوع الماضي بسبب طقس بارد مجمد والتوقعات باستمرار هذا الطقس في معظم الولايات الأميركية حتى منتصف شهر فبراير (شباط) الجاري، مما قلص من إنتاج الغاز ومما زاد في الوقت نفسه الطلب على الغاز الطبيعي للتدفئة.
من جانبها، تنعكس الأزمة الأوكرانية نفسها على أسواق الطاقة بأشكال عدة: أولاً، مسألة إمدادات الغاز الروسية العابرة لأوكرانيا إلى أوروبا، حيث تشكل الإمدادات الغازية الروسية نحو 30% من الغاز المستهلَك أوروبياً. ثانياً، إمكانية استخدام ألمانيا خط الأنابيب الغازي البحري «نورد ستريم - 2»، حيث عبّرت عدة أطراف أوروبية عن معارضتها لاستعمال الخط الجديد الذي استُكمل تشييده في سبتمبر (أيلول) الماضي بكلفة 11 مليار دولار في حال هجوم روسيا على أوكرانيا. والسبب ردع روسيا عن احتلال أراضي أوكرانيا، كما احتلت شبه جزيرة القرم سابقاً، وللحد من الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
نتج عن الأزمة والمواقف المتشددة حول أوكرانيا نشوب أزمة غازية ضخمة، انعكست بدورها على أسعار النفط، لكن دون أي علاقة لها بأقطار «أوبك»، والأهم أنها لا علاقة لها بانخفاض إمدادات النفط في الأسواق. فارتفاع الأسعار مردّه أزمة جيوستراتيجية من الدرجة الأولى واحتمالات آثارها على أسواق النفط لاحقاً في حال تصاعدها –وهذا أمر ليس حاصلاً حالياً. ومما زاد الأزمة سوءاً هو طقس الشتاء القارس البرودة.
دخلت على خط النزاع الولايات المتحدة، المهتمة مستقبلاً بالاستحواذ على حصة الغاز الروسي في السوق الأوروبية، بالإضافة إلى مطلبها الجيوسياسي بتقليص الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي.
فمن جهتها، طلبت واشنطن من الدوحة تزويد الغاز المسال القطري لأوروبا لسد احتمال حصول عجز مؤقت للإمدادات. اعتذرت الدوحة لعدم توفر الإمدادات الغازية الكافية لملء نقص مؤقت قد يحصل في أوروبا. ولا بد أيضاً أن قطر أخذت في الاعتبار علاقتها «الغازية» مع روسيا، حيث هناك توازن مدروس وناجح بين الدولتين الغازيتين الكبريين في تسويق حصصهما في الأسواق العالمية.
هناك اتصالات دبلوماسية عدة لتبريد الأجواء وعدم الخوض في نزاع عسكري مدمر، ليس لأوكرانيا فقط، بل لأوروبا واقتصادها. لكن، حتى في حال عدم نشوب الحرب، فإن الحذر في الأسواق هو ليس فقط من نشوب صراع عسكري، لكن أيضاً من إعلان عقوبات اقتصادية على روسيا، عقوبات قد تكون أكثر شدة من تلك التي على إيران، ودون شك ستترك بصماتها على شركات دولية أكثر بكثير من تلك التي تأثرت بالعقوبات الإيرانية. والسبب في ذلك، هي العلاقات الاقتصادية الأكبر لروسيا عن تلك التي لإيران.