أفادت دراسة صدرت عن معهد «أكسفورد لدراسات الطاقة» في منتصف شهر أغسطس (آب) الحالي بأن أسعار نفط برنت قد ارتفعت إلى معدل جديد حول 85 دولارا بسبب «تخفيض الإنتاج النفطي السعودي الإضافي في شهر يوليو (تموز)، وتقلص مؤشرات الركود الاقتصادي عالميا، ومعلومات نفطية صينية مشجعة خلال النصف الأول من عام 2023».
وأضافت دراسة «أكسفورد» أنه في حين استطاعت أسواق النفط التأقلم مع النتائج المترتبة للحرب الروسية - الأوكرانية، إلا أنه في الوقت نفسه، أدت هذه الحرب إلى متغيرات مهمة في الوسائل اللوجيستية لتجارة النفط، بالذات بعد الحظر الذي تبنته الأقطار الأوروبية على استيراد النفط والغاز الروسيين.
تدل المؤشرات المتوفرة أنه قد طرأت تغييرات ضخمة في طرق نقل الإمدادات البترولية، وأن صادرات النفط الخام الروسية قد ارتفعت قليلاً خلال النصف الأول لعام 2023، حيث توجه كثير من هذه الصادرات إلى الصين والهند، من ناحية. في الوقت نفسه، ومن ناحية أخرى نجد أن أوروبا استطاعت أن تعوض النفط الروسي، بصادرات نفطية من الشرق الأوسط، وغرب أفريقيا والولايات المتحدة.
لكن في الوقت نفسه، تفيد دراسة «أكسفورد» بأن الأسواق قد أصبحت مجزأة أكثر، وأقل شفافية عما كانت عليه قبل الحظر الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، فإن طرق مواصلات تصدير النفط الخام والمنتجات البترولية قد أصبحت أطول وأكثر تكلفة، الأمر الذي يزيد من ثمن الصادرات البترولية.
تشمل التغييرات في طرق المواصلات، مثلاً، الصادرات البترولية الروسية والأميركية معاً، إذ إن حوالي 90 في المائة من صادرات النفط الخام الروسية للصين والهند تتم عن طريق الشحن البحري، كما أن صادرات النفط الخام الأميركي إلى أوروبا وآسيا قد سجلت أرقاماً قياسية. تعكس طرق المواصلات الجديدة هذه تبني أسواق جديدة للطرفين الروسي والأميركي. ففي حين كانت معظم الصادرات الروسية تنقل بالأنابيب المباشرة إلى أوروبا، واستوردت الأسواق الآسيوية والأوروبية من دول الخليج أو من مناطق قريبة أخرى، نجد أن هاتين السوقين تستوردان نفطاً أكثر من الولايات المتحدة عبر المحيط الأطلسي أو المحيط الهادي، مما يعني نفقات أعلى.
وتضيف دراسة «أكسفورد» أن صادرات المنتجات البترولية الروسية إلى أوروبا قد توقفت تماماً. هذا، في حين، أن صادرات المنتجات البترولية الروسية قد ارتفعت خلال النصف الأول لعام 2023 إلى الأقطار الآسيوية، والخليج، وشمال أفريقيا وأميركا اللاتينية إلى معدلات تفوق ما كان يتم تصديره إلى هذه الأسواق قبل الحظر.
يعود السبب في زيادة الصادرات الروسية للأسواق الجديدة إلى الحسومات التي تمنحها الشركات الروسية، الأمر الذي يعوض بعض الشيء ارتفاع سعر الشحن للمسافات البعيدة عن موانئ التصدير الروسية.
لقد أدت العقوبات إلى تغييرات هيكلية في تجارة المنتجات البترولية. وقد كان هناك بالفعل تخوف أوروبي عند مناقشة العقوبات في بروكسل حول آثار توقف صادرات الديزل الروسي عن أوروبا. فقد كانت روسيا المصدر الأكبر والأساسي لإمدادات الديزل إلى السوق الأوروبية. وبالفعل توقفت صادرات الديزل الروسية إلى أوروبا بعد الحظر، إلا أنه قد استطاعت الأقطار الأوروبية بعد الحظر استيراد الديزل من الشرق الأوسط، وآسيا، والولايات المتحدة.
تتوقع دراسة «أكسفورد» أن تطرأ تغييرات هيكلية وأساسية على تجارة الديزل العالمية. فأوروبا تعتمد الآن على إمدادات الديزل من مصادر بعيدة ذات مسافات طويلة، مما يرفع أسعار الديزل في أوروبا عن مستوى الأسعار في الدول المستوردة الأخرى.
وتطرقت دراسة «أكسفورد» إلى التصورات المستقبلية للطلب العالمي على النفط.
ففي الصين، مثلا، الدولة الأكثر استهلاكا واستيرادا للنفط، فإن المؤشرات العامة غير مشجعة، رغم استطاعة الصين استعادة نموها ثانية (بعد الجائحة). لكن يتضح أن هناك مطبات متوقعة للاقتصاد الصيني، إذ لا يزال يعاني الاقتصاد من مشاكل أساسية، متمثلة في الارتفاع العالي للدين المحلي وقطاع عقارات ضعيف.
إلا أنه رغم العقبات التي تواجهها الصين، فإن ارتفاع الطلب على النفط سجل معدلات عالية خلال النصف الأول من عام 2023 نحو زيادة 1.1 مليون برميل يومياً أعلى في النصف الأول لعام 2023 عن النصف الأول لعام 2022.
السؤال الآن، هل ستستطيع الصين المحافظة على مستويات الطلب العالية للنفط، أم أن الآثار السلبية للمطبات أعلاه قد تبدأ في التأثير سلبياً على الطلب خلال النصف الثاني.
تدل توقعات دراسة «أكسفورد» أن الطلب على النفط سيزداد 970 ألف برميل يومياً خلال عام 2023، وأن الطلب سيكون منخفضاً في النصف الثاني ليرتفع نحو 835 ألف برميل يوميا مقارنة بنحو 1.1 مليون برميل يومياً خلال النصف الأول من العام.