تهدف إسرائيل من احتلالها الأراضي الفلسطينية (الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية) إلى تحقيق أهداف متعددة. فكما أصبح واضحاً من حرب غزة وهجوم الجيش والمستوطنين على الضفة الغربية ومخيماتها، يكمن الهدف الرئيس من تهديم المنازل والمخيمات في جعلها غير صالحة لعودة سكانها إليها، ومن ثم العمل بمساعدة الولايات المتحدة على تهجير السكان غصباً.
تشمل ممارسات إسرائيل سياسات هادفةً إلى استغلال الموارد الطبيعية، حيث بدأت هذه السياسة منذ عقد الخمسينات بهيمنتها على مصادر المياه، وتبني سياسات وضع اليد، وتخريب الأراضي الفلسطينية الزراعية. وبالإضافة إلى هذا وذاك، جرى تشييد آلاف المساكن في مناطق استراتيجية تطل على القرى العربية أو لحماية مناطق في إسرائيل 1948 قريبة من الحدود.
وقد أضيفت وسيلة جديدة خلال العقدين الماضيين لسرقة ثروة الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وذلك إما بعرقلة تطوير الحقول النفطية الجديدة، كما هو الحال في حقل «غزة مارين» الغازي في قطاع غزة، أو باستغلال حقل «المجد» النفطي الذي يقع على جانبي الخط الأخضر من الضفة الغربية بالقرب من «رنتيس».
من ناحية أخرى، تتبنى إسرائيل سياسات واهية تعرقل من خلالها تطوير حقل مكتشَف، كما حصل في تعطيل تطوير حقل «غزة مارين» في بحر غزة منذ عام 2000.
كما تستغل شركة نفطية إسرائيلية خاصة إنتاج حقل نفط مشترك، حيث يمتد احتياطيه عبر الخط الأخضر الفاصل ما بين إسرائيل والضفة الغربية. إذ يمتد حقل «المجد» الواقع على مسافة قصيرة من منطقة «رنتيس» الصخرية في الضفة الغربية. ويمكن للمرء أن يشاهد على بُعد 100 متر من حدود «رنتيس»، سياجاً وممراً للخط الفاصل ما بين الضفة الغربية وإسرائيل. ويمكن من الخط رؤية شعلة لهب حقل «المجد» الذي تملكه وتديره الشركة الإسرائيلية «غيفوت غولام» للنفط. وقدرت الشركة الاحتياطي النفطي للحقل بنحو 1.5 مليار برميل، وهو يعد حقلاً صغيراً نسبياً، ولكنه يفي بحاجات السوق المحلية الإسرائيلية القريبة من الخط الأخضر، حيث توزَّع الإمدادات على هذه السوق الإسرائيلية المجاورة. ولم تنشر الشركة أرقام الإنتاج.
المثير في الأمر أن شعلة الغاز تقع على الجانب الإسرائيلي من الحدود، بمعنى أن الحقل داخل الحدود الإسرائيلية، لكنه في الوقت نفسه محاذٍ لأراضي «رنتيس»، فهو يعد حقلاً مشتركاً كبقية حقول مماثلة له في العالم.
تدل الأعراف المتَّبَعَة بين الدول، في حال وجود حقل نفطي مشترك على الحدود ما بين دولتين، على ضرورة توصل الطرفين إلى اتفاق ثنائي لتقاسم تكاليف وعوائد الحقل، وما يرتبط به من أصول، وطرق الإنتاج منه، والوسائل المتَّبَعَة في ذلك، بمعنى أن الطرفين على الحدود المشتركة يجب أن يتفقا ويكونا على علم بكمية الاحتياطي على طرفي الحدود من جهة، والكمية المسموح بإنتاجها للطرف الآخر.
إنّ المعتاد في حال الحقول المشتركة هو التوصل إلى اتفاق ثنائي لاقتسام الحقل وما يرتبط به من تكاليف وعوائد، أما خلاف ذلك فيعني أن الطرف المنتج يستنزف احتياطي الحقل على حساب الطرف الآخر. وهذا أمر مغاير للقوانين الدولية. وفي حال وجود حقل نفطي في منطقة محتلة، لا يُسمح للدولة المحتلة باستغلال النفط. أما في حال إنتاجه، فيتوجب على الدولة المحتلة تعويض الدولة تحت الاحتلال، في حال الانسحاب لاحقاً.
والحقل الفلسطيني الثاني، هو حقل «غزة مارين» الذي يقع في «المنطقة الاقتصادية الخاصة» لبحر غزة. وحسب «اتفاقية أوسلو»، فإن السلطة الفلسطينية مسؤولة عن الاستكشاف والتطوير ثم الإنتاج. لكن، في الوقت نفسه، فإن إسرائيل مسؤولة عن الجانب الأمني لبحر غزة.
اختارت سلطة الموارد الطبيعية في السلطة الفلسطينية عام 2009 شركة «بريتش غاز» لعمليات الاكتشاف في بحر غزة. وبالفعل اكتُشف حقل «غزة مارين» وسط المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين عام 2000، وعلى مسافة قريبة من ساحل غزة. ينقسم الحقل إلى جزأين: «غزة مارين 1» الذي يقع وسط المنطقة الاقتصادية الخالصة، و«غزة مارين 2» الذي يمتد إلى الحدود البحرية الجنوبية الإسرائيلية المجاورة، وبالذات حقل «ماري ب»، أول اكتشاف غازي إسرائيلي.
إلا أن احتياطي الغاز في «ماري ب» صغير نسبياً، واكتُشف قبل موجة الاكتشافات الغازية الضخمة في العقد الماضي. وتشير دائرة معلومات الطاقة الأميركية إلى أن احتياطيات «ماري ب» قد استُنزفت تقريباً، ومن ثم هناك الخوف من أن تشفط إسرائيل بعض إمدادات الغاز من حقل «غزة مارين 2» المجاور لحقل «ماري ب».
تقدِّر مصادر صناعة النفط أن احتياطي الغاز في حقلي «غزة مارين 1 و2» بنحو 1.4 تريليون قدم مكعبة، وأنه وافٍ للطلب الطاقوي في قطاع غزة وسكانه الذين يتعدون مليونَي نسمة، طبعاً قبل تدمير منازل ومخيمات القطاع والنكبة الثانية.
لم يُطوَّر الحقل حتى الآن رغم اكتشافه عام 2000، فقد استعملت الحكومات الإسرائيلية مختلف سياسات التعطيل والعرقلة لتعطيل التطوير. إذ طالبت بحصة من الغاز قبل توزيعه على القطاع، كما طالبت بحصة للشركات النفطية الإسرائيلية (قبل الاكتشافات الضخمة الأخيرة). وطالبت أيضاً بأن يُودَع ريع الغاز في حساب خاص لا يمكن للسلطة الفلسطينية السحب منه دون الموافقة الإسرائيلية. عارضت السلطة الفلسطينية جميع المطالب الإسرائيلية هذه، إذ لم يتم الاتفاق عليها مسبقاً، إذ إنها مطالب ابتزازية وتعطيلية. ومما أدى أيضاً إلى تأخر تطوير الحقل الخلافات الداخلية الفلسطينية حول الصلاحيات المتعلقة بكل من السلطة الفلسطينية وحركة «حماس».
باعت شركة «بريتش غاز» التي اكتشفت الحقل، جميع أصولها وممتلكاتها في العالم، من ضمنها حقل «غزة مارين»، لشركة «شل» الأوروبية. إلا أن «شل»، الشركة العملاقة، تخلَّت عن تطوير الحقل، نظراً إلى العراقيل الإسرائيلية المتكررة ولضآلة الاحتياطي، والتعقيدات الجيوسياسية المحيطة به، فقررت عدم استمرار العمل فيه.
من ثم، اختارت سلطة الموارد الطبيعية في السلطة الفلسطينية شركة مصرية حكومية لتطوير الحقول البحرية «إيغاس» و«شركة المقاولين المتحدة» الفلسطينية المسجلة في أثينا وذات الخبرة الواسعة في الصناعة النفطية العربية. صدرت الموافقة على تطوير الشركتين قبيل معركة «طوفان الأقصى» بفترة قصيرة جداً.
أثار قرار إصدار سلطة الموارد الطبيعية اختيار الشركتين العربيتين لتولي مسؤولية تطوير الحقل، ثم إصدار المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بياناً غامضاً يؤيد هذا القرار، أيضاً قبيل «طوفان الأقصى»، الكثير من اللغط والإشاعات حول علاقة الحرب بتطوير الحقل، رغم أن القرار من صلاحيات سلطة الموارد الطبيعية، وكان توقيته مرتبطاً باختيار شركات متخصصة لتطوير الحقل عاجلاً وليس آجلاً، بعد كل هذا الانتظار، بينما شكَّل بيان المكتب الإعلامي لنتنياهو غموضاً، نظراً إلى أنه لم يصدر في شكل قرار لمجلس الوزراء، في الوقت الذي كثرت الخلافات داخل مجلس الوزراء نفسه حول أمور داخلية عدة.
من غير المعروف تماماً ما الذي جرى تنفيذه خلال فترة الحرب، إذ لم تُنشر أي معلومات حول الأمر. وهذا أمر غير مستغرَب في زمن حرب من هذا النوع. لكن من المتوقع إثارة الموضوع مستقبلاً مع المشاريع المختلفة لتطوير القطاع. فالحقل، رغم احتياطياته الضئيلة، يشكِّل أهم مشروع صناعي في غزة وفلسطين.
ونظراً إلى تعدد مشاريع إعادة تعمير غزة، يتوجب الوقوف هنا على مشروع الرئيس ترمب، الذي افتتحه بفيديو قصير مشين عُرض على شاشات التلفزة الأميركية وانتشر عالمياً. يعكس الفيديو الاستهجان والاستهانة بشعب غزة والعرب سواسية بعد النكبة التي حصلت في القطاع دون مراعاةٍ بتاتاً لمشاعر الشعب الفلسطيني، كما يغضّ النظر عن مسيرة العودة إلى شمال القطاع وإصرار سكان البلاد على البقاء في بلادهم.