ماذا بعد «الطوفان»

ماذا بعد «الطوفان»؟

ماذا بعد «الطوفان»؟

 العرب اليوم -

ماذا بعد «الطوفان»

بقلم - سام منسى

عملية طوفان الأقصى التي شنَّتها حركة «حماس» على إسرائيل، قد تُغيِّر مسار المنطقة بأكملها لعقود، ولن يلتئم الجرح الإسرائيلي بسرعة أو سهولة جراء الإهانة وعدد القتلى والجرحى والرهائن، إضافة إلى سلسلة الاختراقات الناجحة والهجمات الصاروخية المنسقة التي نفذتها «حماس». والرد الإسرائيلي، حتى اليوم، قصف جنوني هستيري على القطاع، ومئات القتلى وآلاف الجرحى، ودمار يفوق الوصف، حتى كلمة مأساة لا تفي لوصف العملية الفلسطينية، والرد الإسرائيلي عليها ونتائجه.

ليس من المبالغة تشبيه الحرب الدائرة اليوم بحربي 1967 و1973، بل قد تتجاوزهما تأثيراً على المنطقة وميزان القوى فيها، لما لها من خلفيات وتداعيات، نوجزها في ثلاثة عوامل: الفلسطيني، و«الإقليمي- الدولي»، والإسرائيلي، مع اختلاف الأحجام بينها.

بالنسبة للعامل الفلسطيني، لن نتحدث عما لحق بالفلسطينيين على مدى سبعين سنة، من تنكيل وتشريد وهضم حقوق على أيدي إسرائيل، قد تبرر استخدامهم للعنف، ولا عن متاجرة كثيرين بقضيتهم، ولا عن خطايا منظمة التحرير الفلسطينية، وتلوثها في مستنقع التجاذبات العربية، بل سنتحدث عن خذلان الفلسطينيين أنفسهم، وإضاعة الفرص حين كانت سانحة، لدرجة لا يصح معها تحميل المحتل وحده ما آلت إليه أوضاعهم، رغم مسؤوليته الجسيمة. نبدأ بالمساهمة في إفشال اتفاق «أوسلو»؛ الذي سمح بنشأة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومهّد لحل الدولتين، إن برفض عشرة فصائل فلسطينية له، أو بأداء ياسر عرفات، الملتبس، من السلام، ومواصلته دعم «النضال المسلح» من تحت الطاولة، والذي تُوج بـ«انتفاضة الأقصى» عام 2000، والأهم الفشل الذريع في وضع أسس صالحة لقيام دولة.

محطة الخذلان الثانية كانت عام 2007، عندما قررت «حماس» أن توقف أي مفاوضات مع حكومة «الوحدة الوطنية»، واستولت على غزة بقوة السلاح، وألقت بالفلسطينيين من جماعة «فتح» أحياءً من فوق أسطح البنايات، مشرعة الباب لصراع «فلسطيني- فلسطيني» لم ينتهِ، والأهم أنه سمح لإسرائيل بالترويج للخلط بين الكفاح الفلسطيني من أجل الحقوق، وآيديولوجيا «حماس» المتطرفة، في وقت كان العالم فيه منغمساً في فوبيا الإسلام السياسي العنيف، واليوم عملية «طوفان الأقصى»؛ صحيح أنها هزَّت الجبروت الإسرائيلي، لكن أهدافها تبقى غير واضحة: تحرير الأرض، أم تجييرها لتحسين موقع «حماس» على حساب السلطة الفلسطينية المترهلة، أم خدمة أجندات إقليمية تسعى إلى وقف التطبيع «العربي- الإسرائيلي»؟

العامل «الإقليمي- الدولي» هو المتغيرات في عدد من دول المنطقة الرئيسية، والتي بحكم التهديدات الإقليمية وسياسات القوى الدولية الملتبسة، باتت تعطي الأولوية للمصالح الوطنية، والتحديث، والاتجاه لتجفيف النزاعات، وإحداث توازن في علاقاتها الدولية. كل ذلك، جعل لافتة «النزاع (العربي- الإسرائيلي)» تترنح، وتتحول إلى «نزاع (فلسطيني- إسرائيلي».

لعب مشروع إيران التوسعي، و«شبه تأميمها» للقضية الفلسطينية دوراً محورياً في هذا التغيير، إضافة لخطايا واشنطن في إدارة ظهرها لحلفائها التقليديين بالمنطقة.

تكمن القناعة لدى إيران وحلفائها بأن إسرائيل باتت ضعيفة بعد الخلافات الداخلية العميقة، وضرورة اقتناص هذه الفرصة لتقويض الكيان الإسرائيلي تدريجياً بهدف اقتلاعه، وفي ذلك سوء تقدير لقدرة إسرائيل التدميرية الهائلة، والدعم الدولي الذي تحظى به، بما في ذلك كل من الصين وروسيا. كل المكاسب التي تدعي إيران أنها حققتها في المنطقة تحولت إلى عبء؛ دول مفككة تنخرها نزاعات داخلية، ومع جيرانها، إضافة إلى أوضاع اقتصادية واجتماعية مزرية.

دور إيران في المنطقة بات مشبعاً ودون أفق، ولم يعد أمامها سوى إعادة الوهج للنزاع «الفلسطيني- الإسرائيلي» لتستعيد وحلفاؤها بريقهم بعد تهاوي شعبيتهم. وقد يكون وراء الأكمة أيضاً تشتيت القوة الأميركية؛ لتخفيف دورها في الخليج العربي وفي دعم أوكرانيا.

لا يُختصر العامل الإسرائيلي بوصول اليمين المتطرف إلى الحكم، وتسعيره العنف ضد الفلسطينيين، بل أيضاً بالشرخ السياسي والاجتماعي الذي ظهَّرته الخلافات الداخلية والاحتجاجات غير المسبوقة، طالت انعكاساته الأجهزة العسكرية والأمنية، وأعطى انطباعاً بضعف إسرائيل. إلى هذا، وقعت تل أبيب في خطأين: سياسي، ومخابراتي، جسيمين: السياسي هو الركون إلى تفاهمات مع «حماس» بشأن التهدئة في غزة، في استمرار للخطيئة الأصلية لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بصوابية ديمومة التفاهم مع قوى الإسلام السياسي، مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، في تجاهل لبُعدها الآيديولوجي المؤمن بأنه لا حق لإسرائيل في الوجود، وأنه لا يوجد مدنيون إسرائيليون، وكل مواطن إسرائيلي هو جندي وهدف مشروع. إسرائيل تسامحت مع نشأة حركة «حماس» على حساب القوى العلمانية والمعتدلة، معتقدة أنها تضعف بذلك منظمة «التحرير»، و«فتح» وتقسّم الفلسطينيين، فعقدت حكوماتها صفقات معها، بهدف حفظ الاستقرار في القطاع. الخطأ الفج كان الفشل المخابراتي الهائل، والناتج عن الخطأ الأول الذي مكَّن «حماس» من عنصر المفاجأة في هجومها.

ماذا بعد «طوفان الأقصى»، ورد الفعل الإسرائيلي عليه؟ الناتج الأكيد الوحيد هو الموت، والدمار، والتشريد في القطاع، ولن تحصد فلسطين وقضيتها ثماراً، ولن تجني إسرائيل بدورها أكثر من محاولة استعادة هيبتها، ومعاقبة «حماس»، مع تكلفة باهظة سيقع ضحيتها المدنيون؛ لا سيما الفلسطينيون. وبالقدر الذي يتعذر معه قبول «حماس» ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني؛ بسبب آيديولوجيتها المتشددة، يتعذر على إسرائيل الإمعان في سياسة التشدد والعنصرية والعنف تجاه الفلسطينيين، وتبقى حكومة الوحدة الوطنية من دون المتشددين أفضل فرصة أمامها للخروج من هذه الحرب، والإقلاع عن التحجج بغياب الشريك الفلسطيني الصالح للتسوية والحل.

لا مخارج ناجعة سوى الحل السياسي الجذري، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، والتي تبقى متاحة بعد هذه الحرب، وملامحها متوفرة في واشنطن، وبعض الدول العربية النافذة، وعلى رأسها السعودية ومصر والأردن؛ لانتشال السلطة الفلسطينية و«منظمة التحرير» من كبوتهما، والشروع في مفاوضات سلام برعاية «أميركية- عربية» لتحقيق حل الدولتين، على ضوء الوقائع الجديدة لدى الجانبين. وحدها التسوية قادرة على سحب ورقة فلسطين من يد إيران وحلفائها، ووضعها بيد الاعتدال الفلسطيني، الذي يقبل بوجود إسرائيل، وحل الدولتين المجمع عليه من دول العالم كافة. الأمر بيد واشنطن، لتستنسخ من هذه الحرب -المأساة- نتائج حرب 6 أكتوبر 1973.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد «الطوفان» ماذا بعد «الطوفان»



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد

GMT 17:09 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2023

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد تنضم إلى كريم عبد العزيز وياسمين صبري

GMT 19:45 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيغير ترمب شكل العالم؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab