فرصة لبنان بين «الغبار النووي» والدرس العراقي

فرصة لبنان بين «الغبار النووي» والدرس العراقي

فرصة لبنان بين «الغبار النووي» والدرس العراقي

 العرب اليوم -

فرصة لبنان بين «الغبار النووي» والدرس العراقي

بقلم:سام منسى

يبدو أن شهر سبتمبر (أيلول) الحالي يحمل في جعبته أحداثاً جساماً ومواعيد حاسمة وخطرة، قد يكون أبرزها وأشدها تهديداً وأهمية ما سوف تسفر عنه الاضطرابات الدامية والاقتتال في شوارع العاصمة بغداد، بين أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، والموالين لخصومهم في «الإطار التنسيقي» الشيعي المدعوم من إيران، بعد قرار زعيم التيار الصدري، الاثنين الماضي، «اعتزال العمل السياسي نهائياً». وجاء اعتزال الصدر بعد فتوى من المرجع الديني المقيم في إيران، كاظم الحائري، دعا فيها أنصار الصدر إلى «الامتثال» لمرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي.
الحدث الثاني هو الهجوم الحوثي، غرب مدينة تعز اليمنية، وهو الأعنف منذ سريان الهدنة الإنسانية والعسكرية، في الثاني من أبريل (نيسان) 2022، وتمديدها.
أما في لبنان، فثمة سباق بين استحقاقين: قرار «حزب الله» بالعمل العسكري مع اقتراب موعد بدء إسرائيل الإنتاج في حقل كاريش النفطي في أوائل الشهر الحالي، في حال لم تنجح مساعي ترسيم الحدود بين البلدين. وحقل كاريش عابر للحدود؛ فهو يمتد من المياه الإسرائيلية إلى المنطقة المتنازَع عليها بين لبنان وإسرائيل. والثاني دخول البلاد في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وسط انهيار تام للمؤسسات الدستورية، وتخبط وفوضى وضياع لدى القيادات السياسية والدينية كافة من دون استثناء.
يُستدل من الحدث العراقي والهجوم الحوثي والتهديد بخيار العمل العسكري في مسألة ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، أن العودة إلى الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، إن تمت، لا تعني مطلقاً تفاهمات خارج الموضوع النووي، أو أن إيران ماضية في نهجها المعهود بالتفاوض عبر ممارسة الابتزاز والضغط.
وتتجه اليوم إلى الإمساك مجدداً بالعراق المتفلت والحوثي يطيح بالهدنة و«حزب الله» يهدد بالحرب، بينما واشنطن متفرجة، كي لا تغضبها في تكرار لسياسة باراك أوباما مع بشار الأسد، يوم لجأ إلى السلاح الكيماوي ضد شعبه؛ فلم يحرك ساكناً، خشية على الاتفاق النووي.
أما لبنان، فهو على مفترق طرق: الذهاب إلى ترسيم حدوده البحرية مع إسرائيل، والدخول في مرحلة هدوء متوسطة الأمد لعقد أو أكثر بين إسرائيل و«حزب الله» وحلفائه، ما يعني تكريس غلبته على القوى «السيادية» المناهضة له، مسيحية كانت أم إسلامية. المسار الثاني ألا ينجح ترسيم الحدود، ويكون (لا سمح الله) على عتبة حرب طاحنة لا تبقي ولا تذر، تسقط أمام مآسيها وويلاتها ونتائجها كل الأدوار والمبادرات.
في المسار الأول، وهو الأكثر رجحاناً، ستكون الاستحقاقات المقبلة ترجمة للتفاهمات بين إسرائيل و«حزب الله»، عبر الوساطة الأميركية، وقد تؤدي إلى نوع من الاستقرار القسري يسمح بإجراء الانتخابات الرئاسية وتسمية رئيس حكومة وتأليفها لتواكب المستجدات وتوقّع على اتفاقات التنقيب وتتابعها، ويدخل معها لبنان واللبنانيون في «السلام الإيراني».
هل المسؤول عن هذا السيناريو هو القدر الذي لا يمكن رده، أم أنه منتوج لبناني ينبغي ألا يفتخر اللبنانيون بصناعته لأنه ثمرة رداءة الطبقة السياسية برمتها وتخاذل عجيب غريب عند اللبنانيين أيضاً ظهّرته انتفاضة الشعب العراقي، وما يجري من أحداث في بغداد منذ أكتوبر 2021؟ وفي سياق هذه المقارنة، تبرز مفارقة ذات دلالة نذكرها دون استفاضة أو تعليق، هي اختلاف ردود الفعل بين تحرك الشعب العراقي، أو غالبيته، فور إعلان الصدر اعتزاله السياسة، وبرودة تلقي اللبنانيين بعامة، وأهل السنّة بخاصة، عزوف الرئيس سعد الحريري وتياره العمل السياسي في لبنان، ومغادرته البلاد بما يشبه النفي الاختياري، علماً بأن عزوفه لم يطل أهل السنّة وحدهم، بل طالت تداعياته الأطراف والطوائف الأخرى، كما فرصة الحفاظ على توازن بين محور إيران والقوى التي تصف نفسها «بالسيادية». صحيح أن الحالتين مختلفتان في وجوه كثيرة، وظروف البلدين ليست نفسها، والصدر ليس الحريري، إنما اختلاف رد الفعل بين اللبنانيين والعراقيين يؤشر بفجاجة إلى حال اليأس والاستسلام، أو التكيّف المفرط وغير المبرَّر لدى اللبنانيين بعامة.
من المفيد القول إن نتائج الانتخابات النيابية، في مايو (أيار) الماضي، التي لم تسفر عن أي تغيير في موازين القوى الداخلية، ترجّح رأي القائلين إن التغيير لن يصح إلا من الأعلى إلى الأسفل، أي من رئاسة الجمهورية التي من المفروض أن يكون شاغلها الخيمة الوطنية الجامعة، وتشكل الناظم العام للالتزام بالدستور والقوانين، وتكون خارج الاصطفافات، كي تكسب ثقة اللبنانيين جميعاً والعرب والعالم. لكن اختيار رئيس للجمهورية يحمل تلك المواصفات مستحيل، في ظل هيمنة وسطوة محور إيران وحلفائها، ولا يفي بالغرض المطلوب لنقل لبنان إلى ضفة الأمان، إذ ستبقى السلطة التنفيذية، كما اختيار رئيسها السُنّي، بين أيدي «حزب الله»، ومن نافل القول أن رئيس مجلس النواب، الرقم الثاني في تراتبية السلطات، هو من حصة الثنائي «حزب الله» و«حركة أمل»، من دون منازع.
في الوقت الذي يطغى فيه موضوع انتخابات الرئاسة حتى بات الهاجس الذي يسكن عقول ونفوس المسترئسين من القوى السياسية المعنية كافة، ومع قناعتنا أنها إذا حصلت ستجري وفق المعايير والأساليب نفسها، مع التسليم في آخر المطاف بمشيئة «المرشد الأعلى» في لبنان، نسأل للمرة الألف: هل من أمل أو مساحة متبقية للتفكير خارج الصندوق، وإنتاج تيار وطني إصلاحي على طول الوطن وعرضه، يرتكز إلى قاعدة مسيحية عريضة غير مسكونة بهاجس وسحر قصر بعبدا، وسنية صلبة لا بد من العمل الدؤوب لبلورتها، ولا بأس إن غاب المكون الشيعي لأسباب معروفة، علماً بأن تياراً كهذا سيجد بلا أدنى شك قبولاً شيعياً مضمراً، ولو تطلب الإجهار به وقتاً وصبراً وطول أناة.
وافتراضاً نجحت هذه الخطوة، بعد تعثر عمره أكثر من أربع عشرة سنة منذ غزوة «حزب الله» لبيروت عام 2008؛ هل من قوى وطنية مؤمنة بما أسلفنا تفرض مشاركتها في السلطة، وتحصل على مواقع وزارية وازنة تستطيع من خلالها إعطاء الأسوة الحسنة للناس وخلق دينامية سياسية وطنية شاملة خارج إطار التنظير، وتعمل على قاعدة مواجهة مصادرة صناعة القرار والفساد ومواجهة العزلة عن العرب وتبني الانفتاح على الخليج كاستراتيجية سياسية واقتصادية، وليس كمنفعة خاصة ذات أجل؟ لا نهوض للبنان من دون الحضور والإرادة والدعم العربي، والعرب بهذا المعنى هم رئة لبنان ومعبره من وإلى العالم.
هذا السيناريو الزهري والمتفائل لعله أقصى الممكن، ويميل إلى التعبير عن التعايش مع الواقع أكثر منه عيشاً مشتركاً بين اللبنانيين تذوقوه مرة وغادر ولن يعود. درس الحدث العراقي، مهما آلت نتائجه، هو الترجمة الواضحة لسياسة إيران في المنطقة: اختراق الكيانات، ثم المكونات والطوائف، وأخيراً قسمة أبناء المذهب الواحد، وهي تجربة عانى منها لبنان ولا يزال. في المقابل يحجب «الغبار النووي» عن أميركا رؤية المخاطر الحقيقية، ما يعني تمديد وتجديد عمر الأزمات والنزاعات.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرصة لبنان بين «الغبار النووي» والدرس العراقي فرصة لبنان بين «الغبار النووي» والدرس العراقي



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab