ترمب الثاني وترنح الوسطية

ترمب الثاني وترنح الوسطية

ترمب الثاني وترنح الوسطية

 العرب اليوم -

ترمب الثاني وترنح الوسطية

بقلم:سام منسى

أعطت محاولة اغتيال دونالد ترمب اندفاعة لم تكن محسوبة للجمهوريين، ورفعت من فرصهم في العودة إلى الحكم. الأجواء الاحتفالية والتعبوية لديهم فرضت إيقاعاً مناقضاً للضياع والركود في حملة الديمقراطيين، خصوصاً مع تصاعد دعوات كبار الحزب لخروج الرئيس جو بايدن من السباق.

هذه المستجدات خلطت ملفات القضايا والنزاعات الدولية والإقليمية وتركتها مفتوحة على المجهول ورهينة لتجاذبات حادة. ليس مستجداً أن تؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على شؤون عالمية وإقليمية، إنما هذه الانتخابات بخاصة سيكون وقعها مختلفاً عن سابقاتها لما تتميز به من بُعد تغييري يطال شؤون أميركا الداخلية كما سياستها الخارجية.

أول التجاذبات يشير إلى اختلافات عميقة حول دور أميركا وموقعها بالنظام الدولي والعولمة، إن كان في الحزب «الجمهوري» بين تيار انعزالي يميل إليه المرشح لنيابة الرئيس دي جي فانس وشخصيات ملتزمة بانخراط أميركا في تحمل مسؤولياتها بالدفاع عن العالم الحر. ثاني التجاذبات يشير إلى حرب ثقافية وآيديولوجية حول القيم الأميركية بين جنوح ليبرالي ويساري، وتشدد محافظ يميني هوياتي.

لم تأتِ محاولة الاغتيال الفاشلة لترمب كأنها عاصفة في مناخ صافٍ، بل شكّلت ذروة الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده أميركا، الذي تجاوز سقوف الخلافات العادية، وأدى إلى تفشي العنف في البلاد واتساع ظاهرة طالت الحزبين الرئيسيين، وهي ضعف الوسطية على حساب التشدد. تهاوي الوسطية تجلّى عندما جذبت جماعة «تي بارتي» الحزب «الجمهوري» إلى التشدد، وأبعدته عما تميّز به الكثير من الرؤساء والقادة السياسيين الجمهوريين من وسطية واعتدال. بعدها سقطت على الحزب ظاهرة ترمب أو الترمبية التي تمجد السلطة، وفي حال التعارض بين السلطة والدولة ستختار السلطة، وهذا ما حصل إثر إعلان نجاح بايدن في الانتخابات الأخيرة: رفض للنتيجة، واجتياح الكونغرس، وإغداق الاتهامات على القضاء. استقطبت هذه الظاهرة شريحة واسعة من الأميركيين، فاختصر تراث الحزب «الجمهوري» بترمب وحلقته الصغيرة، ولم يبق للقيادات الوسطية أثر يُذكر على سياسات الحزب وتوجهاته.

في المقابل ومع وصول باراك أوباما إلى الرئاسة في خرق لصالح الديمقراطية والمساواة، شهد الحزب «الديمقراطي» بروز اليسار بوصفه قوة مؤثرة جنحت به إلى مواقف وسياسات ليبرالية متطرفة. لا شك أن الجناح اليساري في الحزب «الديمقراطي» لا يوازي في تأثيره على سياسات الجزب ظاهرة ترمب لدى الجمهوريين، إنما أخذه إلى مواقف حادة، خصوصاً في قضايا حقوق المثليين والجندرة والهوية الجنسية التي باتت وفقاً له رهن شعور داخلي للمرء لا الحقائق الفيزيولوجية. وفي السياسة أيضاً، تجلّى أثر اليسار في الحزب أكثر ما تجلى إبان حرب غزة، إذ وصلت مواقفه حدود مناهضة إسرائيل والمطالبة بوقف تزويدها بالسلاح.

لطالما اعتبرنا أن أميركا بديمقراطيتها ومؤسساتها وقوتها ومبادئ الآباء المؤسسين التي قامت عليها قادرة على معالجة الأمراض التي قد تصيبها. إنما اليوم، نراها تواجه مرضاً عضالاً. في السياسة هو موت الوسطية لدى الحزبين، وغياب الأخلاقية، وتراجع الوطنية على حساب الهويات والثقافات الفرعية، وفي المجتمع بفقدان الترابط بين مختلف المكونات وانحسار الاندماج بينها، وفي الثقافة والفكر بدخول عصر اللامنطق والانشغال بجدالات عبثية يصح فيها القول بأنها حولت الجدل بشأن جنس الملائكة إلى جدل حول «جنس الإنسان»! وهو عصر بات معه الأميركيون عاجزين عن التمييز بين الحقيقة والكذب والصح والخطأ.

منذ محاولة الاغتيال، حسم البعض النتيجة لصالح ترمب، وهو رأي مبالغ فيه رغم ارتفاع حظوظه، خصوصاً إذا استمرت الخلافات بين بايدن وحزبه بشأن صوابية ترشحه ما يشتت طاقات الرئيس والحزب، ويهدر الوقت القصير المتبقي في البحث بشيخوخة بايدن. إذا غلبت الحكمة لدى بايدن، وقرر العزوف وأعطى الوقت الكافي لاختيار أفضل مرشح وسطي، يكون قد حاول تلافي وقوع هزيمة مدوية بالحزب وانعطاف أميركا إلى ما يبعدها عن قيادتها للعالم الحر وجنوح اليسار الراديكالي. بالمقابل، وصول ترمب سيغير وجه أميركا، علماً بأنه بعد محاولة اغتياله، تبقى لديه فرصة لأخذ الحزب وقيادته في اتجاه جديد أكثر انفتاحاً، وبمقدوره أن يُغيّر ليس فقط طريقة التخاطب بل طريق التصرف أيضاً. تبقى مؤشرات أي تغيير ملتبسة للأسف خصوصاً بعد خطابه الأخير.

هل ما زالت أميركا تمتلك من الميزات ما يجعلها تخرج سالمة من المنعطف الخطير الذي تجتازه؟ وكيف سيكون العالم مع أميركا ليبيرالية متشددة أو أميركا يمينية متطرفة؟ الأرقام تحمل أملاً، إذ يتردد أن المتشددين في كل حزب، يقدرون بنحو 30 في المائة، سيصوتون مهما آلت الأحوال إلى كل من المرشحين الديمقراطي والجمهوري، أما الشريحة الباقية فهي التي ستحسم السباق، وسيتبين إذا ما كان مزاج الناخبين يعي خطورة الأوضاع.

بانتظار ذلك ستبقى شؤون المنطقة والعالم معلّقة بانتظار أن تحسم أميركا موقعها في تحولات النظام العالمي بين انعزالية لها دعاتها، ودور في الوقوف بحزم مع حلفائها له مريدوه.

 

arabstoday

GMT 07:17 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 07:13 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 07:11 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 07:08 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 07:05 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 07:03 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 07:00 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 06:58 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الصراع الطبقي في بريطانيا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب الثاني وترنح الوسطية ترمب الثاني وترنح الوسطية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab