مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير

مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير

مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير

 العرب اليوم -

مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير

بقلم : فهد سليمان الشقيران

شاركتُ قبل أيام في حلقة حوارية ضمن برنامج «ساعة حوار» على قناة «العربية» في حلقة تتعلق بمحاولة إعادة الأصولية للربيع العربي، وفيه فضّلت الدولة التنموية على الدولة الديمقراطية، بل قلت إننا لا نحتاج إلى الديمقراطية أصلاً، وإن الدول المَلكية التنموية مثل السعودية والإمارات وغيرهما، هي الأمثل والأقدر على تلبية احتياجات الإنسان، واختلف معي أحد الدكاترة بحجّة أن تطبيقها هو الحل بوجه الإرهاب والانفلات، ولكن علينا قراءة عيوب مفهوم الديمقراطية التي طُرحت من فلاسفة عاشوا وعرفوا وخبروا هذا المفهوم وجرّبوه سياسياً. وهذا ما كررته أيضاً في ندوة أخيرة عن التجارب السياسية والتنموية، وقلت إن الخلاف مع المفهوم ذو بعد فلسفي متجدد بمستوى تجدد أسئلة الديمقراطية التي تتعرَّض لتعديلات واشتراطات وإبداء وإعادة. حتى في الدول التي بلغت الذروة في تطبيقها.

برتراند راسل يقول: «إن الديمقراطية تكاد تكون مستحيلة التطبيق في شعب جاهل، وهي ترتبط بالتعليم والثقافة». كارل بوبر جاء بعد هيغل، وهو من أشرس نقاد فلسفة هيغل وفي أطروحته «المجتمع المفتوح وأعداؤه»، ربط بين الديمقراطية ومستوى تحضر الشعب بحيث يصل إلى حال احتياج للنظام الديمقراطي، فالثقافة الديمقراطية لدى بوبر تسبق التطبيق الآلي للديمقراطية. أما الفيلسوف الألماني هيغل فهو نقيض رؤية بوبر وراسل، يكتب: «إن الشعوب ليست قاصرة ولم تكن قاصرة في أي مرحلة من المراحل على الإطلاق». يستمر هيغل: «إن تطبيق الديمقراطية بين شعب تغلب عليه الأمية ستكون عرجاء أو فاسدة أو ناقصة، لكنها ستكون ديمقراطية على أي حال، وسيكون وجودها أفضل بكثير من انعدامها، فالناس تمارس الديمقراطية وتخطئ».

قبل فترة قرأتُ مبحثاً مهماً لفيلسوف فرنسي قدير هو مارسيل غوشيه بعنوان: «الديمقراطية من أزمة لأخرى»، خلص فيه إلى النقد الصريح للمفهوم حين يكتب: «يوجد مستوى ثانٍ لمشكل الديمقراطيات، وهو أشد عمقاً ولا يتعلّق بجهازها الداخلي بل بإطار ممارستها. وهنا يأخذ معنى الديمقراطية ضدّ نفسها أهميته الكاملة. من بعض النواحي فإنَّه مسموح لنا أن تعتقد أننا شهود على مسار من التآكل لأسس اشتغال الديمقراطية، إذ خلف القيود التي تفرضها على نفسها فإنَّ الديمقراطية في قبضة تدمير ذاتي لطيف، يترك مبدأها على ما هو عليه ولكن يتّجه إلى حرمانها من فاعليته. إنَّ الكونية التأسيسية التي تعمل بها الديمقراطية تقودها في الواقع إلى فصل نفسها عن الإطار التاريخي والسياسي الذي تشكّلت فيه باختصار الدولة -الأمة- ولكن في الحقيقة وبصفة عامة عن أي إطار ممارسة يكون مقيداً بحكم التحديد. فهي ترغب في نفسها دون أرض ولا ماضٍ. إن منطق الحق يشجِّعها على رفض الاعتراف بنفسها مرسومةً في الفضاء، حيث تشكل حدودها إهانة لكونية المبادئ التي تعلنها. كما ترفض في السياق نفسه الدخول في التاريخ مما يضعها في حالة اعتماد على خصوصية ليست دون ذلك احتمالاً. بمعنى آخر فإن الديمقراطية تُقَاد إلى عدم تحمّل الشروط التي أنتجتها. على أقصى حد ستلقي كلياً الفكرة التي أنتجتها».

بل يتشاءم، وهو الفيلسوف العريق، حين يقول: «إلى جانب هذه العوامل للتعبئة الذاتية المتعلقة بالتناقضات الداخلية البحتة للعبة الديمقراطية الحالية، يجب أن نضيف التحديات الموضوعية التي تواجهها مجتمعاتنا والتي تُعْنى بإعطاء شحنة ضاغطة على المراقبة المشتركة. يكفيني البحث في الجدار الإيكولوجي الذي يحملنا إليه فعل التسريع للحركة الاقتصادية حتى نشعر بالمراجعات الممزِّقَة التي تَلوح في علاقة بالإيمان السائد في سحر التنظيم الآلي. في الحقيقة إن القيد الإيكولوجي مع ما يشير إليه من شرطية لإنتاج الطبيعة ليس إلا إعلاناً لقيود عامة أوضح، إذ يجب أن يكون مجموع شروط وجودنا التي نأخذها على أنها مُعطى، مطلباً. إنه وضع لا تكون فيه موارد الذكاء والقوة المشتركة لازمة كثيراً. الكثير من الأسباب التي يبدو لي أنها تبرر التشاؤم قصير المدى والتفاؤل بعيد المدى، إنْ سمحتم لي باستعادة معادلةٍ هذا موضع تدقيقها. حسب كل الاحتمالات، في المدى القصير وفي المرحلة التي نحن فيها، فإن الأزمة لا يمكن إلا أن تزداد حدّة. فنحن لسنا على شفا تفكيك التوازنات القديمة وزخم العوامل الجديدة. وفي المقابل في المدى البعيد سيكون ثمة أزمة نمو قابلة لأن نتجاوزها. لا يقتصر الأمر على مثال الماضي في هذا المعنى ولكن توجد علامات عديدة حتى وإن كانت ما زالت في مرحلة جنينية».

الخلاصة؛ إن الغاية من الديمقراطية تحقيق العدالة بكل ما تحمله من معنى، وهذه الغاية قد تتحقق من دون الدخول بالوسائل الديمقراطية الإجرائية السطحية التي بُنيت على ما سمّيناه التعريف المتواضع للمفهوم، إذ تسعى المَلكيات في دول الخليج إلى ثمرة العدالة، وهذا منصوص عليه بالدساتير وأنظمة الحكم، والغاية محل سعي حثيث من خلال مؤسسات ترسيخ العدالة والتحاكم العادل ضد المظالم، وعليه فإن الضخّ بهذا المفهوم بوصف انعدام تحققه هو سبب الإرهاب والفقر والمجاعة وأن تحققه هو الذي يوفّرها، فيه تسرّع معرفي كبير؛ فالدول التي حققت العدالة من دون الديمقراطية ولا صناديق الانتخاب ولا الأحزاب ولا ثقافات التثوير والشعارات والشوارع، عديدة، ولهذا شواهد من الحاضر والماضي كثيرة.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
 العرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء
 العرب اليوم - أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 11:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف تجمعات إسرائيلية وإطلاق 30 مقذوفاً من لبنان
 العرب اليوم - حزب الله يستهدف تجمعات إسرائيلية وإطلاق 30 مقذوفاً من لبنان

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 09:36 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر ماريانا غرب المحيط الهادئ

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 07:54 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حميد الشاعري يكشف تفاصيل بيع بصمته الصوتية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab