التوظيف الآيديولوجي واستعمال القضية

التوظيف الآيديولوجي واستعمال القضية

التوظيف الآيديولوجي واستعمال القضية

 العرب اليوم -

التوظيف الآيديولوجي واستعمال القضية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

في صيف 2009 كنت نازلاً من بلدة برمانا نحو مطار بيروت؛ ولأن الطريق طويلة ولأن السائق يعلم أنني كاتب أعاد سيَر الحرب والصراع.

استعاد «حرب تموز 2006» وسألتُه: ما الذي يجري في القرى التي لا شأن لها بصراع «حزب الله» مع إسرائيل آنذاك؟ قال بالحرف الواحد: «كنا نعيش حياتنا اليومية بمباهجها كأن شيئاً لم يكن لأن هذا صراعٌ لا يخصنا، ونعلم أننا لن نُستهدف». قبيل موسم الرياض رأيتُ الهجوم على هذا الكرنفال الأسطوري، يريدون إطفاء جذوته من دون أي مبرر، بحجة وجود هذه المشكلة أو تلك. بقيت الكازينوهات العربية تعمل حتى في أشدّ الأوقات العربية تأزماً، وحين قُصفت دول الخليج بالصواريخ نأى وزراء خارجية دول عربية بأنفسهم، وحين ضُربت مصافي «أرامكو» احتفل البعض... إنها معضلة شديدة الخطورة في التفكير العربي حيال توزيع أهمية القضايا، كأن ثمة قدسية لموضوع وبقية الأوطان هوامش. للأسف هذا هو الذي يجري الآن، في كل بلدان العرب حفلات وطرب يومي، لماذا التركيز على السعودية؟!

كتبتُ الكثير عن مفهوم الترفيه؛ فهو ليس اعتباطياً، بل أساس من حيوية اليوم لدى الإنسان، وتطرّق إليه فلاسفة كبار، منهم حنه أرندت. ومما أكدته أن الترفيه مفهوم عام، يشمل كل ما يخفف من أعباء الإنسان في الحياة. وحين يكون الترفيه مرتّباً مرعياً ضمن عملٍ مؤسسي، فإنه يسهم في تمتين معنى الدولة، ويغذي المجتمع معرفياً، ويرفد الجانب التربوي للأجيال الصاعدة، هذا مع كون الترفيه عملاً حيوياً يُعنى بالتواصل مع الأشياء والعلاقة مع الآخرين، وصقل الذوق، والتدرب على تحسين الاختيارات، مما يسهم في القدرة على تقليل مستوى الضغط الاجتماعي المؤذي سياسياً. بل للترفيه نتائجه الكبرى المفيدة تنموياً، والمُعينة على مساهمة المجتمع وتفاعله مع السياسي في اتخاذ الإجراءات الصائبة تنموياً واقتصادياً واجتماعياً، فالمجال الترفيهي بقدر ما هو رحب، فإنه يعزز من كفاءة الإنسان في وجوده ومحيطه.

ولنعد إلى أطروحة مهمة لباربرا ويتمر -أشرتُ إليها من قبل- المعنونة بـ«الأنماط الثقافية للعنف»، ترى الكاتبة فيها «أن الأنماط الثقافية للعنف هي أشكالٌ من القبول التي تعبّر عنها خطب الرموز والمؤسسات والمعتقدات، والمواقف والممارسات الاجتماعية في الثقافة، ويشير العنف إلى إيذاء أو تدمير الجسد، أو العلاقة التي يقوم بها شخص ضد الآخر، أو جماعة ضد أخرى». ثم تشير إلى دور الثقافة في النأي بالعنف عن أنماطه، إذ «التعبيرات الخلّاقة في المجتمع هي التي تتجسّد في هندسة البناء والموسيقى والعلوم والمؤسسات التعليمية والفنون التطبيقية».

بالتأكيد؛ الإنسان كائنٌ ضاحك، يقاوم حيرته بالسخرية، ويباغت وجوده بالحركة والقول، ويؤنس وحشته بالحوار، ويذلّل من أسئلته الكبرى عبر توزيعها على شخصياتٍ تتكوّن منها مسرحيّته في ذهنه ووجوده، ومن المسرح انطلقت الرؤية الحوارية الحقّة، حيث تسلسل الأفكار بين المتحاورين، وتكثيف الرؤى بين الشخصيات المتناورة على المسرح، ولأن المسرح ليس منبراً، فإنه يعزز من دور المشاهد الحاكم على هذه الصيغة المطروحة، ويناشده أن يشاركه المسرح من خلال عينه، أو ضحكته، تصفيقه أو امتعاضه. ولأن المسرح هو الأب الروحي للفنون، والمنصّة الأكثر سحراً وإدهاشاً في تاريخ البشر، فيمكن عدّه أساسياً في مجال الترفيه. في العصر اليوناني بدأ المسرح متنقّلاً بين المدن بالركح الخشبي، إلى أن أصبح لكل مدينة مسرحها، به ينفّذ الفكر والشعر، وتطرب الأذن والعين، ويغذَّى العقل، هكذا كان الإنسان منذ خمسمائة سنة قبل الميلاد.

بالفنون، والترفيه، يمكن تأسيس نمط من الفهم للآخر، وللعالم المختلف، وللثقافات المتنوّعة. تذوي الحقائق الصماء بفضل شمس الفن ونور الترفيه، لأنه يمتاز عن التثقيف بكونه ليس رسالياً أو مباشراً في تأثيره، بل له مخاتلته، كما أنه مرغوب من أكثرية المجتمع، بعكس النظرية الثقافية أو التغيير بالكتاب والقلم والقصّة. وحين يتأسس مجال رحب مشبع بالترفيه تتصاعد الرغبة في الحياة، وتخفّ عدوى اليأس، ويُكسّر جليد المقاومة للآخر، والمعاندة له، ونهبط من عليائنا النرجسية التاريخية إلى الأرض، حيث البشر الآخرون، والأمم المشاركة لنا بهذا الكوكب.

سمعنا الكثير من المزايدات، والبعض استغل الفرص لتفعيل ذلك من خلال مهرجانات، وهذا فيه نقص في الإنصاف، فالسعودية أكبر دولة داعمة للقضايا الإنسانية، وهذا مثبت بالأرقام وفي المواقع الرسمية الحكومية يمكن استفصال ذلك.

الترفيه مشروع وطني ولا يتناقض مع أي قضيةٍ أو موضوعٍ آخر. ثمة فرق بين القضية التي تتعامل معها الدول بطريقةٍ مدنية، وبين إرادة البعض استعمالها وسيلةً آيديولوجية يُراد منها التحفيز على التحزّب أو الانضواء وراء الحركات الأصولية المارقة.

الأمير محمد بن سلمان، في حوارٍ معه، كانت رؤيته حول الترفيه واضحة فصيحة، حين أجاب: «مستوى دخل السعودي من أفضل دول العالم، لكنّ المشكلة أنه لا توجد الأدوات التي يستطيع أن ينفق فيها هذا الدخل، بشكلٍ ينعكس على رفاهيته في الحياة». جاءت هيئة الترفيه، وستحطّ الشركات الترفيهية الأجنبية بالسعودية، لصناعة بيئة رحبة. الترفيه ليس ترفاً، بل عصب أساسي ومكوّن رئيسي، من دونه لا يكتمل وجود الإنسان الحقيقي. وقد أكد ذلك، في حواره مع «ذا أتلانتيك»، أن الخلاف حول الفقهيّ له وروده، ولكن للمصلحة قوتها الشرعية والسياسية.

الخلاصة؛ إن استعمال القضايا بغية المزايدات الشعبوية، وكسب الإيرادات الفنية أمر مخل بالذوق، فالضيوف دائماً يلتزمون قواعد المضيف، وهذا ينشأ بالتربية، إن العرب أو «البدو» لديهم «سستام» أو «سلوم العرب» أي الأسس، وهي لا تدرّس في المناهج وإنما تُكتسب عبر التربية والتعاقد، وعليه فإن أي استثمار لفرصةٍ لتوجيه مزايدةٍ إنما هو لؤم صريح، واستهتار فصيح.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوظيف الآيديولوجي واستعمال القضية التوظيف الآيديولوجي واستعمال القضية



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
 العرب اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 19:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوداني يقصف مركز إيواء في نيالا ويخلف قتلى وجرحى
 العرب اليوم - الجيش السوداني يقصف مركز إيواء في نيالا ويخلف قتلى وجرحى

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مطرانية للروم الأرثوذكس في سوريا

GMT 09:54 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 22:04 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 فلسطينيين بضربة إسرائيلية على قطاع غزة

GMT 22:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

غرق 20 مهاجرا في تحطم مركب قبالة سواحل تونس

GMT 14:42 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء

GMT 17:10 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يُطالب بإخلاء 4 مناطق في وسط غزة

GMT 20:40 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تسجل أول إصابة بشرية شديدة بإنفلونزا الطيور

GMT 21:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 21 من الفصائل الموالية لتركيا في هجوم على ريف حلب

GMT 05:37 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مصرع 20 مهاجرا جراء غرق قاربهم في ثاني مأساة خلال أسبوع

GMT 14:20 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

معارك عنيفة بالخرطوم ومباحثات أممية لحل الأزمة السودانية

GMT 10:43 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

GMT 23:30 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الذهب عند أقل مستوى في شهر بعد تلميحات عن تهدئة خفض الفائدة

GMT 13:33 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تشيلسى يؤمن مدافعه الشاب اتشيمبونج حتى 2029

GMT 23:10 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 10:28 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab