بين بورديار ونيتشه مجدداً العدمية والإرهاب

بين بورديار ونيتشه... مجدداً العدمية والإرهاب

بين بورديار ونيتشه... مجدداً العدمية والإرهاب

 العرب اليوم -

بين بورديار ونيتشه مجدداً العدمية والإرهاب

بقلم - فهد سليمان الشقيران

حاججتُ من قبل حول العلاقة بين العدمية والإرهاب، وأنها تسمية صحافية أكثر منها بحثية أو علمية وفلسفية، ذلك أن العدمية بمفهومها لا يمكنها التطابق مع العمل الإرهابي، فالإرهابي يؤمن بجدوى الوجود باعتباره الطريق الوحيد الموصل إلى الجنة، فالوجود هو المسرح الفعلي لتنفيذ العملية الاستشهادية من أجل تحقيق الكرامات الأخروية، حسب فهمه للنصوص. فالعدمية جزء من تاريخ البشرية المحموم نحو أفقٍ آخر، يكتب الفيلسوف بودريار، في فصلٍ من كتابه «المصطنع والاصطناع»؛ عنون الفصل بـ «حول العدمية»: «ليست العدمية مظلمة وفاغنرية، نسبة إلى فاغنر، وشبنغلرية نسبة إلى شبنغلر، وقاتمة، كما في نهاية القرن، وهي لم تنشأ عن الرؤية الكونية للانحطاط، ولا عن جذرية ميتافيزيقية... العدمية اليوم هي عدمية الشفافية، وهي بمعنى ما أكثر جذرية وأكثر أهمية من كل أشكالها السابقة والتاريخية، لأن هذه الشفافية هي شفافية النظام بالذات»، ولم يسلم بودريار من تبني وصف «العدمية» للإرهاب، وسأبين هنا أنها تسمية ذات دوافع سياسية.
يريد بودريار أن يؤكد نظريته في الاصطناع، حيث انتقلت العدمية من استيهامٍ فعال وعنيف، من أسطورة ومسرح كما كانت تاريخياً إلى مجرى الأشياء الشفاف كما يقول، الشفاف زوراً، فبالنسبة إليه فنحن: «نعيش في وضعٍ جديد بالنسبة إلى الأشكال السابقة من العدمية، وهو وضع عصي على الحل بالتأكيد.. الرومانسية أول ظهور كبير للعدمية، وهي تطابق ثورة الأنوار، وتدمير نظام ظاهر الأشياء».
لكن هل يعتبر بودريار الإرهاب من ضمن تلك المعاني العدمية؟! أم يلحقه بالعدمية السياسية؟!
يشرح بودريار، العدمية السياسية من أبرز تجليات الظهور الثاني الكبير للعدمية، ويضرب بمثالين؛ أولهما: شكل العدمية الداندية (Dandyms)، وتجليها في المبالغة بالأناقة الشخصية العامة، ثم يضرب على الشكل الثاني مثال «الإرهاب» لكنه يستدرك أن المقصود به «شكله السياسي، التاريخي، الميتافزيقي». لكن هل اقتنع بودريار بأهمية ربط هذين المثالين بالعدمية؟! يوضح أن هذين المثالين لا يعنيانه كثيراً في موضوع العدمية الحديث الذي يربطه بالشفافية ومسرحة الواقع عبر الميديا، ومن جهة أخرى فإن بودريار لا يتناول الإرهاب في جميع كتاباته بوصفه «عمل العنف»، وإنما باعتباره «الحادث الذي لم يقع». ولمفهوم بودريار للإرهاب بحث آخر مستقل سيبين سبب إلحاقه للإرهاب بالعدمية السياسية، لأنه ينطلق من رؤية يسارية بحتة للعمل الإرهابي، فله قراءات صادمة وقوية حول الإرهاب وأحداث 11 سبتمبر (أيلول)، فهو يقرأها كقراءته لحرب الخليج التي لم تقع، كما هو عنوان كتابه الشهير.
ثم يحلل علاقة العدمية بالخمول، فيقول: «انجرفت الجماهير أيضاً في هذه الصيرورة الهائلة للخمول، بفعل التسارع... إن درجة الخمول هذه هي المبهرة اليوم والأخاذة مع ما يجري حولها (وبالتالي لقد انتهت روعة الديالكتيك المتروية) وإذا كانت العدمية هي تفضيل درجة الخمول هذه، وتحليل كون الأنظمة باتت عصية على العودة إلى الوراء، وبلغت نقطة اللاعودة، فأنا عدمي، إذا كان الخيار مطروحاً بين العدمية والوقوع في وسواس نمط الزوال لا نمط الإنتاج، فأنا عدمي».
ثم يضرب العدمية بالأنظمة في تحليله التالي: «إن كآبة الأنظمة هذه هي التي تسيطر اليوم من بين الأشكال الشفافة الساخرة التي تحيط بنا. وهي التي أصبحت شغفنا الأساسي. وهي ليست كآبة عميقة أو فراغ الروح في نهاية القرن. وهي ليست أبداً العدمية التي تستهدف بمعنى ما، تطبيع كل شيء بالتدمير، بشهوة الحقد. لا، فالكآبة هي النغمة الأساسية لأنظمة وظيفية، لأنظمة الاصطناع الراهنة، أنظمة البرمجة والمعلوماتية. الكآبة هي سمة ملازمة لنمط زوال المعنى، لنمط تبخر المعنى في الأنظمة الرقمية. ونحن جميعاً في حال الكآبة».
يصعد بودريار - هنا سبب آخر لتسمية الإرهاب ضمن العدمية السياسية - حين يقول: «إذا كانت العدمية تعني أن نوجه، لأنظمة الهيمنة البالغة درجة غير محتملة، سهم السخرية والعنف الراديكالي، هذا التحدي المطلوب من النظام أن يستجيب له بموته بالذات، في هذه الحال أنا إرهابي وعدمي على المستوى النظري، تماماً كما هم إرهابيو السلاح، فالعنف الرمزي، لا الحقيقة هو الوسيلة الوحيدة المتبقية لنا». يستدرك كما لو أنه أفاق من غضبة: «ولكن هذا مجرد طوبى، لأنه جميل أن يكون المرء عدمياً، لو أنه لا تزال هناك راديكالية، كما أنه جميل أن يكون المرء إرهابياً لو أنه لا يزال للموت من معنى، بما فيه موت الإرهابي». (فصل العدمية في الصفحات من 237 - 244).
لنتجاوز تحليل بودريار السياسي للعدمية، ولنتوجه لأهم فيلسوف نسب إليه هذا المفهوم «العدمية»، إنه نيتشه، وقد وضع بعض اللمعات جان جاك فورطي في بحثٍ له بعنوان: «الهيلينية واليهودية والإسلام: أصول في طور التفكيك» نشر ضمن كتاب: «لقاء الرباط مع جاك دريدا، لغات وتفكيكات في الثقافة العربية»، يشرح مفهوم العدمية عند نيتشه باختصار وتصرف: «فالعدمية مفهوم أساسي ومركزي في فلسفة نيتشه، لكنه ذو مستويات وتأويلات عديدة، والتأويل الأكثر كلاسيكية يرى العدمية باعتبارها الحقبة التي افتتحت بإعلان الموات، وانهيار القيم، وحركة الانحطاط عبر التاريخ. ويرى نيتشه أن المسؤول الأساسي عن انتشار العدمية هو سلطة الكهنة اليهود، ثم المسيحيين، الذي أفضى إلى سلب القيمة عن القيم الأرضية والمحسوسة، قيم الحياة، لصالح الغيبي، وذلك الموات والانهيار في القيم لم يؤديا إلى تحرير للوجود، بل على العكس من ذلك إلى غرق عام في الـ(لا جدوى) التي هي المنطوق الحديث للخطاب العدمي؛ ويرتبط الموتيف اليهودي بالعدمية وبالحداثة أساساً من حيث إن هذا الموتيف يتيح التفكير في ثيماتية التيه وغياب الخاص بوصفها مرتبطة بتاريخ اليهود وأوضاعهم». (ص: 96 هامش رقم 25).
فرق بين تحليل بودريار، (يوصف بودريار بصاحب الأفكار القوية لكن بحجج أضعف منها) وبين مفهوم نيتشه للعدمية. يتضح الفرق بين تحليل الأول السياسي، وتحليل الثاني الفلسفي، الذي يضع العدمية ضمن معناها المشتبك بالبحث الأنطولجي، وبين هذين المفهومين، فإن «العدمية» لا يمكن استعماله سياسياً إلا على سبيل التصعيد، كما قرأنا بودريار، وأنتصر مجدداً لفكرة نزع سمة العدمية عن الإرهابي، لأن ما يحمله من آيديولوجيا وأفكار ونزعات لا يمكن أن توصف بأي شكلٍ من الأشكال بالعدمية. إن الإرهابي لديه مشروعه المتكامل في استثمار الوجود بغية إتمام رحلته، وهذا يعارض حتى المفهوم البسيط للعدمية.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين بورديار ونيتشه مجدداً العدمية والإرهاب بين بورديار ونيتشه مجدداً العدمية والإرهاب



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
 العرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء
 العرب اليوم - أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 06:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 العرب اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام

GMT 14:15 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab