حول الحدث واستغلال الزلزال

حول الحدث واستغلال الزلزال

حول الحدث واستغلال الزلزال

 العرب اليوم -

حول الحدث واستغلال الزلزال

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تبدو الصورة أقل وضوحاً؛ الزلازل، إمكانات الاختلال المناخي، حيوية العنف. كلها تبرهن على ضرورة وضع المسؤولية تجاه الإرهاب وأولوية محاربة استغلال الحدث، وآية ذلك أن الإرهاب عبر التاريخ يؤمن بحيوية الأحداث واستغلالها.
وبرغم الحديث عن الأخطار المناخية، وشحّ الغذاء، وسيل التنبؤات حول جدب الأرض، وغور المياه، فإن الشبح الأكبر بلا منازع هو «العنف» بكل أشكاله، الإرهابي منه، والإجرامي، والسياسي. وبات ترف أي مجتمعٍ يقاس بمستوى أمنه أولاً، ومن ثمّ تأتي بقية المعايير الأخرى. وبرغم مشاهدة أحداث عنف كبيرة بشرق آسيا، ومذابح جماعية لا تعقل في أفريقيا، وحروب أهلية بالشرق الأوسط، ومجازر استثنائية في أوروبا، وغالبها عنف عرقي وسياسي، فإن إرهاب الحركات الراديكالية الذي طبع أواخر القرن العشرين وأبحر سابحاً بالدماء منذ بدء الألفية الجديدة وإلى اليوم يعتبر أكثر شراسة، وذلك لمخاتلته، ولطريقة حركته، وتجدد خططه، فهو ليس عنفاً إجرامياً يمكن حصره ولجمه، بل عنف آيديولوجي ليس له هدف مادي دنيوي محدد، وإنما يغدو القتل هدفاً والانتحار غاية، وإن رفعت شعارات «الدولة الإسلامية»، أو إقامة نماذج متخيّلة من خلافة أو مجتمعٍ حقّ طاهر يحكم الشريعة.
لا تتعلق المسألة بالتحليل الاعتيادي لمعنى العنف، ولا التعليل الاجتماعي، أو النفسي، فضلاً عن السياسي، بل العلاقة بين العنف وفكرته، بين الإرهابي ومقدّسه، وذلك انطلاقاً من أصل التضحية، تلك كانت ميزة مقاربة رينيه جيرار في كتابه «العنف والمقدس» وهو بحث أنثروبولوجي يسبر أصول العنف والتضحية، ليس انطلاقاً من التأويلات للنصوص المؤسسة، بل المتخلّقة برحم الثقافات، وهو يبحث في العلاقات بين التضحية والمقدس والعنف. ضمن هذا المجال، كتب منوبي غباشي ورقة مهمة حول «العنف المقدس» اعتبر فيها أن «الأضحية، القربان الدامي، مَثّل النموذج الأساسي للعنف المقدّس. ولئن كان في الأصل ظاهرة أنثروبولوجية قديمة ارتبطت بالوعي الجماعي البسيط (الوثنيّات القديمة وعقائد التأليه الطبيعية الإحيائية والطوطمية) فإنها تحوّلت فيما بعد إلى ظاهرة اجتماعية سياسية في المجتمعات المركّبة والمتطوّرة التي لم تفقد ظاهرة التقديس»، ثم ينقل عن روجي كايوا، في كتابه «الإنسان والمقدّس» أن «العنف المقدّس» هو العنف «الذي يتمّ التشريع له انطلاقاً من مرجعية دينية أو أسطورية أو آيديولوجية. ولكنّ العنف المقدّس لا يأخذ ملامحه من النصوص التأسيسية فقط، بل يتجسّد في أكثر المظاهر قسوة وفظاعة، في الحرب وفي التعذيب الذي يمارس ضدّ أتباع دين مغاير أو ضدّ معتنقي عقيدة أو مذهب مخالف».
بينما الأطروحة الأكثر رصداً لعلاقات العنف والمجتمع والإرهاب، هي لأستاذ الفلسفة بجامعة «ريتسوميكان» بول دوموشيل، وقد عنونها بـ«التضحية غير المجدية - بحث في العنف السياسي». الكتاب أهداه المؤلف لرينيه جيرار، وقد كان طيف أستاذه ماثلاً في فصول الكتاب، به حلل معنى العنف لدى آكلي لحوم البشر، كما في عَوْده المتكرر لطرح آلان كوربن في كتابه «قرية آكلي لحوم البشر»، الذي يحلل فيه حادثة عنف جماعي حدثت في إقليم دوردوني خلال حرب عام 1870. ومن ثمّ، يدخل على خطّ مفهومي مهم نحتتْه حنة آرندت، وهو «تفاهة الشر». ويشرّحه باعتباره «يعبر عن اندهاش أمام ما يمكن أن نسميه بـ(عدم تقديس الجلاد)، ذلك أن ضخامة الجريمة وبشاعتها لا تمنحان أي عظمة لذاك الذي اقترفها، ولا تحيطانه بهالة مقدسة، ولا تمنحانه أي صفة غير عادية شريرة، تتناسب مع أفعاله، إزاء الإنكار الذي تظهره نفسيته وأساليبه. إن تفاهة الشر تميل بالجلاد إلى مستوى ضحاياه المجهولين الذين لا وجه لهم، إنهم أعداد لا تحصى من أناسٍ غير معروفين، لم يكن ثمة ما يدل على المصير الرهيب المرصود لهم». لقد أبدى دوموشيل، وأعاد وقلّب مفاهيم كبرى حول العنف منذ آرندت حتى جيرار، ولكنه بطريقة رائعة يضع وصفاً للعنف خاصاً به: «إن العنف بمعنى ما، يصل بسرعة مفرطة ليستطيع الاندماج مع النزاعات، والتنافسات التي تحرك الأفراد. لأجل ذلك، فإنه يصدّ بقدر ما هو يجذب، ويثير القلق بقدر ما هو يسحر المشاعر، ولكنه يقترب من أفرادٍ فاعلين ليس عندهم أي التزام في الانخراط فيه... لا فلح العنف بسهولة في أن يعدي بعدواه أولئك الذين هم مشغولون إلى حدٍ كبير بنزاعاتهم الخاصة، وبمنافساتهم الشخصية الخاصة بهم».
كل تلك المفاهيم هي بمثابة مشارط تحاول الوصول إلى جذر العنف، وذلك من خلال المسح الأنثروبولوجي للثقافات، فالعنف جزء من تاريخ البشرية، وهو أساس بتحولاتها الكبرى ومنعطفاتها التاريخية، وعليه فإن الإرهاب بوصفه التجلي الأبرز لظاهرة العنف يجعل مستقبل العلاقات بين الدول والثقافات والشعوب على المحك، حتى مسائل التواصل والسياحة والتعلم ستشوبها تحديات غير مسبوقة، وقد يكون السفر في المستقبل القريب صعباً، مما يعزز من فرضيات الصراع بدلاً من التفاهم والتواصل، ولن يكون زمننا بعد الإرهاب كما هو قبله، قد تنجح الدول بضرب كيانات إرهابية وإنهائها، لكن نزع النزوة العنفية يحتاج إلى صيغ حضارية وتحولات فكرية تعجز عنها معظم دول العالم باستثناء تجارب غربية محددة، وواجب الدول احتكار العنف، ومنع الأفراد من تقييم خيرية العنف، فالدولة وحدها من يمتلك حق الوصف، وكل نزعات العنف تعبر عن خلل بالعقد الاجتماعي، بسبب عدم تنظيم «التفاوتات» بين الناس، ضمن صالح الأقل حظاً بالمجتمع، كما يعبر جون راولز، كل ذلك قد يؤجل نشوب الصراعات الكبرى، ويحد من لهب النار... نار الإرهاب الحارقة.
إن الإرهاب القادم حيوي وشرس ولا بد على المؤسسات أن تستبق الضربة.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول الحدث واستغلال الزلزال حول الحدث واستغلال الزلزال



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab