العنف وسياساته المعاصرة

العنف وسياساته المعاصرة

العنف وسياساته المعاصرة

 العرب اليوم -

العنف وسياساته المعاصرة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

 

من الصعب إقفال درس العنف؛ أو ادعاء الوصول إلى حدٍ نظري له، فضلاً عن استحالة التحديد الأخلاقي له.

كما أن العنف يتطوّر على المستوى التكنولوجي، فإنه يتحوّل ويتغيّر كذلك على المستويات النظرية والتحديدات القانونية والأخلاقية.

العنف الدائر الآن في أكثر من بلدٍ بالمنطقة والعالم لا تحدده النظريات الأخلاقية، ولا تحكمه المواثيق الدولية، ولا اللوائح القانونية. إنه عنف متشظٍ، ولكل مجزرةٍ تبريراتها عند مفتعليها، ولكل حدثٍ معززاته النظرية عند مباشِره. وعليه فإن الحديث عن العنف سيطول لأنه ظاهرة أبدية مرتبطة بالدول والمجتمعات، ولا تزال الدروس والأبحاث حول العنف تطرح كل يوم.

ومن ذلك ما كتبه إيف ميشو في بحثه المعنون بـ«العنف»، إذ يعد الحضور القوي والمثير للعنف مثل أحد أشكال الفشل الأساسية للفلسفة السياسية. لقد فقد الفكر، بالانتقال من مغامرة إلى مغامرة، يقيناته وتراجع، سواء تعلق الأمر بالادعاءات العلمية أو المعتقدات المذهبية الخاصة بالأفكار الثورية، وبمظاهر الشلل أو التحذير تجاه الأنظمة الاستبدادية والهذيانات الفاشستية، وبالتبريرات الباردة للاختيارات النووية، وبالنزعة المتطرفة للاتجاهات الإرهابية. لقد انفتحت الأعين وتبددت الأوهام، لكن لتترك المجال لنوع من الغباوة تجاه عالم تضاعف فيه العلاقات الدولية التحالفات الشاذة، وتتحول فيه، في الأغلب الأعم، المشروعات الثورية إلى أشكال من الاضطهاد، وتسوده الواقعية والوقاحة.

يعد ميشو قضايا اللاجئين مما يناقش تبعاً لقيمة المواد الأولية والأقليات تساوي ثمن العلاقات الدبلوماسية. وباستثناء بعض الحالات النادرة فإن الفكر كان في حالة ركوض وراء عنف يعميه، وقد كانت نقطة العمى وستظل هي الفاصل القائم بين المثل والإمكانات الفعلية للتحرر (الذي لم يكف أي نظام في هذا القرن عن ادعاء الانتماء إليها)، وبين واقع المصالح والفحش والحسابات التي تحكمت في مسار التاريخ، وبين الإعلان المستمر عن غايات سامية وواقع الممارسات الخسيسة أصبح العنف لغزاً مألوفاً أحياناً، وكأنه كان من اللازم أن يخدم أهدافاً أخرى، وأن يخفي عمليات أخرى، وكأنه لا يستطيع أن يكون فقط ما هو، بل عليه أن يحيل على واقع آخر. كان من اللازم إذن فهم العنف، وفك رموزه وتأويله بتبرير مشروعيته أو بإدانته باسم مجرى التاريخ، وبنية المجتمعات، وأزماتها ومخاض تقدمها. كان من اللازم إيجاد أسباب له أو غايات سامية.

ثم يفتح ميشو التساؤل عن الفروق التي يمكن أن تكون بين الإرهاب الثوري في عهد الاتفاق الوطني (بفرنسا سنة 1892) والإرهاب الستاليني، وبين نفي الهوغونوت الفرنسيين بعد نقض مرسوم نانت من طرف لويس الرابع عشر في 1685 (هاجر واحد في المائة من سكان فرنسا إلى عدة دول أوروبية) ونزوح لاجئي جنوب شرقي آسيا. ليس ذلك من أجل أن نستخلص بأن لا شيء يتغير أو على العكس من ذلك بل كل شيء يتغير، ولكن لنتعلم من جديد أن ننظر إلى الوقائع ضمن ظروف إنتاجها التاريخية وضمن تنوع الإدراكات الممكنة لها.

بناءً على سؤاله يفتح فكرة «موضوعية العنف» التي بنى عليها تفسيره للظاهرة، بمعنى عام، ومن أجل إبعاد الأكاذيب والدعايات، نقول إن هناك عنفاً عندما يحطم واحد أو عدد من الفاعلين شخصاً آخر، مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، دفعة واحدة أو بالتدريج.

ارتبطت موضوعية العنف بما يسميه ميشو «تكنولوجيا الوسائل»، ويشمل تطوير وسائل التسليح الفردي كما يشمل وسائل الخراب الجماعي - وهي ليست فقط وسائل نووية، بل إن هذه الوسائل متوفرة وموزعة بسهولة من طرف التجارة الدولية في الأسلحة، والمعاهدات المتعلقة بالمساعدة المعنوية العسكرية، التي هي أحد مصادر الاستغلال الأكثر مردودية بالنسبة للبلدان المصنعة. إن هذه التكنولوجيا المتطورة لا تجعل العنف في المتناول فقط، بل تجعله على وجه الخصوص أكثر فتكاً.

ثم يناقش موضوع «تسيير العنف»، فمن المثير - يضيف - أن نتحدث عن التسيير بصدد ظواهر ما دام اتسمت باللامعقولية لكن ذاك هو بيت القصيد: فالعنف قد أصبح بالتدريج أمراً قابلاً للحساب وللتحكم والتسيير. لقد أفسح فن الاستراتيجية المجال أمام مبادئ التسيير. وهذا يصدق على الحسابات الاستراتيجية، حيث يحسب المتعادون التكاليف والمكاسب المرتبطة بأعمالهم الممكنة، آخذين بعين الاعتبار الإجابات الممكنة للآخر، ومن هنا ما ندعوه «توازن التهديد» في الاستراتيجية النووية والذي تم نقله إلى الاستراتيجيات الإرهابية أو إلى الحفاظ على النظام في السياسة الداخلية؛ وهذا صحيح أيضاً بالنسبة للتسيير اليومي لأعمال ووسائل العنف: التنظيم وفن تسيير الجيوش، ومقاييس مردودية الشرطة، وقوى الحفاظ على النظام، والجيوش، وكذا في ميدان البرامج العسكرية، وتجديد النماذج، والاستثمارات وإمكانية استعمالها بواسطة بيع الأسلحة.

تكنولوجيا الأشخاص العاملين: لقد أصبح من الضروري إسناد أمر العنف إلى محترفين مهرة، وذلك بفعل تطور الوسائل وتعقدها، وبفعل الحسابات والحرص على الفعالية. لقد أصبح هناك عسكريون ورجال شرطة يتخصصون في العنف. وحركة التأهيل والاختصاص هاته تشمل أيضاً المناضلين الثوريين. تكنولوجيا الإعلام: لم يعد العنف منفصلاً عن وسائل الإعلام التي تنشره وتستعمله كما تشاء أو تصمت عنه. فالإرهاب العلني، والتعذيب، والإعدامات، والتهديدات الدبلوماسية، والمناورات العسكرية، والوقائع المتنوعة المثيرة: كل تلك حالات يظهر فيها التلازم بين العنف الواقعي وانتشاره الإعلامي.

الخلاصة؛ أن العنف بتاريخيته كان شريكاً في الحياة اليومية، سواء عبر التنافي الرمزي، أو التناحر الثقافي والحضاري بين الأفراد في المجال العام، على المستوى الجماعي فإن العنف شريك في تأسيس نماذج كبرى بالعالم، جلّ السحر الذي نراه في مدن الأحلام بالعالم أساسه بني على الأشلاء والجماجم والحروب الأهلية، لذلك من إحسان الظنّ بالإنسان أن يسأل البعض عن سبب العنف المنتشر اليوم، إنه جزء من تاريخ الإنسان، الفرق فقط في وجود تكنولوجيا متطوّرة أسهمت في نقل الحدث وتعميمه، وإلا فبطون كتب التاريخ مليئة بالفظائع والمجازر الغريبة مما لا يخطر على البال.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العنف وسياساته المعاصرة العنف وسياساته المعاصرة



بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 17:56 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا
 العرب اليوم - الدبيبة يكشف عن مخاوفة من نقل الصراع الدولي إلى ليبيا

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 17:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مطرانية للروم الأرثوذكس في سوريا

GMT 09:54 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 22:04 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 10 فلسطينيين بضربة إسرائيلية على قطاع غزة

GMT 22:56 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

غرق 20 مهاجرا في تحطم مركب قبالة سواحل تونس

GMT 14:42 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء

GMT 17:10 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يُطالب بإخلاء 4 مناطق في وسط غزة

GMT 20:40 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تسجل أول إصابة بشرية شديدة بإنفلونزا الطيور

GMT 21:05 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 21 من الفصائل الموالية لتركيا في هجوم على ريف حلب

GMT 05:37 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

مصرع 20 مهاجرا جراء غرق قاربهم في ثاني مأساة خلال أسبوع

GMT 14:20 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

معارك عنيفة بالخرطوم ومباحثات أممية لحل الأزمة السودانية

GMT 10:43 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

GMT 23:30 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الذهب عند أقل مستوى في شهر بعد تلميحات عن تهدئة خفض الفائدة

GMT 13:33 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

تشيلسى يؤمن مدافعه الشاب اتشيمبونج حتى 2029

GMT 23:10 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 10:28 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab