من جديد أفغانستان و«حصاد التطرفات»

من جديد... أفغانستان و«حصاد التطرفات»

من جديد... أفغانستان و«حصاد التطرفات»

 العرب اليوم -

من جديد أفغانستان و«حصاد التطرفات»

بقلم : فهد سليمان الشقيران

من المستبعد انغلاق الحديث عن آثار الانسحاب الأميركي من أفغانستان؛ حتى وإن خفت التحليل حول الأثر والتأثير، فالبيئة الخصبة لإنتاج العنف لا تزال على أشدها؛ بل إن الحركات المتطرفة كسبت جولة عليا في تلك الحالة الانسحابية الكارثية.

قلتُ مراراً إن المستفيد من الانسحاب من الناحية الآيديولوجية (لا نتحدث عن القوى العظمى وصراع الإمبراطوريات) تياران ملتقيان؛ الأول قوى الإسلام السياسي، التي تنزع نحو تمدين خطابها السياسي ومحاولة إدماجه ضمن قوى الدولة، كما تفعل جماعة «الإخوان المسلمين» ذات الخطاب البراغماتي العالي، و«حزب الله» في لبنان الذي يزعم دفاعه عن الحريات وحقوق الإنسان ودفاعه عن كيان الدولة، والحوثي الذي يصارع العالم على ما يسميها الشرعية.

المستفيد الآخر من الحدث تيار «الجهاد» العالمي، ممثَّلاً بـ«القاعدة» و«داعش». و«القاعدة» لم تغب أصلاً عن أفغانستان، ولا تزال تُستخدم، حتى في هجوم الحركة على «بنجشير» زعمت قوات شاه مسعود أن «طالبان» استعانت بأفرادٍ من «القاعدة». أما «داعش» فخيولها حاضرة منذ فترة، والفرق أنها اليوم علت أسرجتها وغزت محيط مطار كابل بهجوم دموي كارثي، لكن تبقى خطورة «القاعدة» أكبر، وذلك لسببين؛ أولهما أن قادة «القاعدة» عادوا من إيران ومن مناطق ودول أخرى لأفغانستان وسط حفاوة واغتباطٍ بالغَين، وهذا سيضيف إلى الأجيال الجديدة من «طالبان» و«القاعدة» ما ورثوه من «صديقهم» أسامة بن لادن، فـ«القاعدة» لديها حضورها الجماهيري وسط الأنصار.

أُحيل هنا إلى كتاب مهم أصدره «مركز المسبار للدراسات والأبحاث» في دبي، يدرس الكتاب الانسحاب الأميركي من أفغانستان، الذي نتج عنه تمدد حركة «طالبان» ودخولها إلى العاصمة الأفغانية كابل، ويعالج ثوران الأسئلة حول جدوى الحرب على الإرهاب، وقيمها، ويقيّد محاولات تقييم الاستراتيجية الأميركية في مكافحته، فيرصد محاولة المتفائلين المنافحة عنها بتفهّم إعادة ترتيب سُلّم الأخطار؛ والتهوين من الإرهاب فيه، بينما تواطأ المتشائمون على اتهامها بالفشل الفكري، وتأكيد أنّ المفاهيم الخاطئة، والأسئلة المضللة، أدت إلى الأفعال الناقصة والاستراتيجية الغامضة التي أورثت المنطقة حصاداً مراً، وساهمت في نشوء تطرفات متعددة الاستخدامات.

في الكتاب تناول عبد الجليل سليمان، باحث سوداني في الشؤون السياسية، في دراسته التدخل الأميركي في أفغانستان، ثم وقف على التناقضات والأخطاء، والعوامل المؤدية إلى الانسحاب، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورث وضعاً هشّاً للغاية في هذا الصدد، فمنْ الناحية الاستراتيجية، ومع اقتراب موعد الانسحاب النهائي المُحدّد سلفاً، وعدم التزام حركة «طالبان» باتفاق فبراير (شباط) 2020، في وقتٍ أصبح فيه عدد القوات الأميركية على الأرض الأفغانية غير كافٍ لعرقلة أي تقدُم مُحتمل لها نحو العاصمة كابل، وجدت إدارة بايدن نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما استكمال الانسحاب، وإما التصعيد مع الحركة وشن الحرب عليها، مما يترتب عليه بالضرورة، إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان.

يخلص الباحث إلى أن الرهان على الالتزام الأخلاقي بالاتفاقية من حركة «طالبان» المُثقلة بالفكر الانعزالي والمؤمنة بعقيدة الولاء والبراء، والقائمة على الولاءات الاجتماعية (القبليّة) والدينية، كأنه محاولة لتبرير الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والتنصل من الاعتراف بفشل استراتيجية مكافحة الإرهاب، مما يجعل إمكانية إعادة النظر فيها وترتيبها بشكلٍ مُختلف في المهمة القادمة التي يُتوقع أن تكون ساحتها أفريقيا، أمراً عسيراً. وعليه فإنّ إمكانية ارتكاب وتكرار الأخطاء نفسها تظل قائمة وواردة بقوة.

يرى الباحث أن تحقيق الاستقرار في أفغانستان لا يمكن أن يتأتى بترك البلاد رهينة حركة متطرفة ومعزولة إقليمياً ودولياً، بل من خلال دعم الديمقراطية في البلاد، وإرساء أسس نظام يستمد شرعيته من إرادة الأفغانيين أنفسهم، بعيداً عن الأجندات الدولية والإقليمية، والمساهمة في تضييق الخناق على الجماعات الإرهابية، وتعزيز مشاريع التنمية القادرة على إعادة الأمل للمواطنين في هذا البلد.

يخلص لكريني إلى أن أفغانستان تظل في الظرف الراهن بحاجة ماسة إلى مساعٍ حميدة ومبادرات ودية، تدعم إرساء حوار داخلي في إطار من الثقة، يوفر مناخ المصالحة الشاملة بين مختلف الفصائل، وبناء دولة مدنية ديمقراطية تحتمل كل الفرقاء في البلاد بمؤسسات دستورية قوية، والانكباب على تحقيق التنمية الإنسانية بما يعيد الأمل إلى الشعب الأفغاني، ويَحول دون تنامي الهجرة وطلب اللجوء، كما لا تخفى أهمية انخراط القوى الدولية والإقليمية في تقديم المساعدات المختلفة لإعادة إعمار البلاد.

يشير نور الهدا فرزام، كاتب وباحث أفغاني في الدراسات الإسلامية، إلى أنه خلال فترة حكم حركة «طالبان» ظهرت صدامات كثيرة بينها وبين الشعب الأفغاني، خصوصاً في المدن الكبرى مثل كابل وهرات وبلخ، لأن معظم عناصرها كانوا من الأرياف والقرى، ولم يكونوا على معرفة بالثقافة المدنية، وأرادوا تطبيق ثقافة الريف على المدن تحت اسم الشريعة. كانت الصدامات واسعة النطاق، عمّت جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ إلا أن موضوع المرأة في ظل حكم الحركة كان من أكثر الموضوعات أهمية أمام الباحثين، يسلط الباحث الضوء عليها في ثلاثة اتجاهات: الأول، نوعية فقههم عن الشريعة. الثاني، نظرتهم للمرأة بعيداً عن الفهم الديني. الثالث، رؤيتهم السياسية والاجتماعية.

الخلاصة؛ أن الدرس الأفغاني جد خطير، وآثار الانسحاب الأميركي رغم مرور سنواتٍ على حدوثه لن تنعكس على المجتمع الأفغاني فحسب، وإنما له تمدده على مستوى العالم، فالبيئة الحاضنة للإرهاب تتسع من أفغانستان إلى الحدود الباكستانية وفضاءاتها القبلية والتنظيمية، وربما تحمل الأيام الكثير من المفاجآت الكارثية، فالإرهاب يستفيد من كل لحظة ضعف من أجل تقوية بنيته.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من جديد أفغانستان و«حصاد التطرفات» من جديد أفغانستان و«حصاد التطرفات»



إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء
 العرب اليوم - أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 02:02 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم
 العرب اليوم - أردوغان يؤكد أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل الصراعات في العالم

GMT 11:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف تجمعات إسرائيلية وإطلاق 30 مقذوفاً من لبنان
 العرب اليوم - حزب الله يستهدف تجمعات إسرائيلية وإطلاق 30 مقذوفاً من لبنان

GMT 10:04 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث
 العرب اليوم - شيرين رضا توضح أسباب غيابها عن رمضان للعام الثالث

GMT 06:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29
 العرب اليوم - غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض: أمن الإقليم مرتكزه حل الدولتين

GMT 02:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

قرن البولندي العظيم (الجزء 1)

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 09:36 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر ماريانا غرب المحيط الهادئ

GMT 22:02 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتجديد المنزل في فصل الشتاء

GMT 07:54 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

حميد الشاعري يكشف تفاصيل بيع بصمته الصوتية

GMT 13:50 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز موديلات ساعات اليد لإطلالة مميزة وراقية

GMT 02:04 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الرفاق حائرون... خصوم ترمب العرب

GMT 11:54 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 13:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ساعات اليد الرجالي وطرق تنسيقها مع الملابس

GMT 02:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الوفاء غائب ولغة التخوين والحقد حاضرة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس الأمن يصوت على مشروع قرار يدعو إلى وقف النار في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab