الذكاء الاصطناعي وضرورة التأقلم

الذكاء الاصطناعي وضرورة التأقلم

الذكاء الاصطناعي وضرورة التأقلم

 العرب اليوم -

الذكاء الاصطناعي وضرورة التأقلم

بقلم : فهد سليمان الشقيران

 

في الثلث الأخير من القرن الماضي كتب الفيلسوف مارتن هيدغر سلسلة محاضرات حول مستقبل تعامل الإنسان مع التقنية. وهي محاضرات جُمعت لاحقاً ضمن أعماله الكاملة، وطُبعت منفردة أيضاً. فيها تحدّث عن تحوّل كبير في التقنية سيعلّق عليها فيما بعد كثير من الفلاسفة بوصفها ليست عملاً فلسفياً فحسب وإنما «نبوء ة فلسفية». خلاصة نظريته أن التقنية بدلاً من أن يقودها الإنسان ستكون هي من سيقوده، وستكون محرّكاً أساسياً لوجوده، وسيكون مستلَباً لها، ولذلك وصفها بـ«ميتافيزيقا العصر»، وما شهد هيدغر كل التطوّر الهائل باستثناء اختراع القنبلة الذرّية، ولو كان بيننا ورأى التطوّر التقني الهائل واستمع إلى نبوءات إيلون ماسك حول المستقبل التقني لازداد انبهاراً وتوتراً وخشية.

الاثنين الماضي حضرتُ منتدى «الاتحاد» تحت عنوان: «الذكاء الاصطناعي قاطرة التنمية المستدامة» وقد ذُهلت من المستقبل الذي ينتظر البشرية بعد سماع محاضرات المتخصصين، مع هذه الموجة، ثمة تغييرات كبرى ستجري، الآن الحروب لم تعد عسكرية بالمسدسات والدبابات وإنما هي حروب تقنية وتكنولوجية وسيبرانية، مَن سيتفوق تقنياً سيكون المهيمن. وأتفق مع الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان في كلمته المهمة والفاحصة حول الموضوع، حيث أشار إلى ضرورة الالتفات والتركيز على الذكاء الاصطناعي بوصفه موضوع العصر الراهن، والأهم تركيزه على ضرورة مراعاة الجوانب الأخلاقية في ظلّ هذه الموجة التي بدأت بواكيرها الآن، وستكون أكثر جلاءً في المستقبل القريب.

لو تأملنا الدول المتفوّقة في العالم لرأينا كيف يصبّون جُلّ اهتمامهم على التطوّر العلمي الذي أثمر التطوّر التقني الذي ولّد الذكاء الاصطناعي بكل قوةٍ ومواكبةٍ واندفاع.

وأعود لقول الشيخ نهيان حين أكد ضرورة أن تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي آمنةً، لا يمكن اختراقها أو التلاعب بها، وملتزمة تماماً معايير ومستويات واضحة مُتفقاً عليها، للعمل والأداء -يضيف- «نريد أن نتأكد دائماً من وجود أساليب فعالة للحماية من المخاطر المحتملة لهذه التقنيات». ثم طرح كثيراً من الأسئلة المهمة في هذا السياق، هي: كيف يمكن إعداد الإنسان للعمل والحياة في عصر الآلات الذكية؟ كيف يمكن التعامل مع الآثار السلبية المتوقعة وغير المتوقعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي؟ كيف يمكن تعليم وتوعية مستخدمي هذه التقنيات بالمخاطر المحتملة لها، وسُبل التعامل الفعَّال معها؟ ثم كيف يمكن العمل مع المبرمجين ومطوري هذه التقنيات من أجل أن تكون هذه التقنيات وسيلة لتعميق المعرفة والتفاهم والحوار بين البشر، ولتحقيق المساواة في التنمية بين دول العالم وسكانه، وبما يسهم في بناء مجتمعات بشرية: صالحة، ومنتجة، ومسالمة، في كل مكان؟ باختصار شديد، كيف تكون تقنيات الذكاء الاصطناعي تقنيات مسؤولة وآمنة تخدم المجتمع والإنسان، في كل مكان؟

الخلاصة أن هذا المجال بات راهناً ومن الضروري الاستجابة له والتعامل معه ولكن ضمن سياسات مرسومة ودقيقة وضمن قوانين وأسس واضحة. الأفكار التقنية لا بد أن تُربط بقوانين وسياسات ومعايير أخلاقية صارمة، لا يمكن عزل الإنسان عن المجال التقني الذي يحيط به، نحن شئنا أم أبينا أصبحنا تحت سيطرة التقنية التي ملأت وجودنا، استغنى الإنسان عن الإنسان بوجود الأجهزة الذكيّة، واستغنت الدول عن الدبابات بوجود الاختراق السيبراني، والتفوّق التكنولوجي. والذكاء الاصطناعي مفيد حين ننظمه ونتعامل معه ضمن برامج محكمة، وبما لا يلغي علاقة البشر بعضهم ببعض، وأن نحرص على عدم تحقق نبوءة هيدغر حين حذّر من استلاب الإنسان للتقنية على حساب حريّته ونقاء وجوده. لا يمكننا صدّ موج التقنية بمجداف، ولكن علينا صناعة نمط علمي جاد لمواكبة التقدّم العلمي والاستفادة منه وتوظيفه لصالح البشرية.

arabstoday

GMT 21:30 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

شجاعة أوجلان... وفوضى السلاح

GMT 08:43 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

بعد القمة.. المهم الحفاظ على التوحد

GMT 08:35 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

عبير الكتب: هارون الرشيد... المحظوظ!

GMT 08:32 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

ماذا تعني «طبخة نيروبي» للسودان؟

GMT 08:30 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

تحدي إنهاء السلاح اللاشرعي!

GMT 08:26 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

الفراعنة في براغ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذكاء الاصطناعي وضرورة التأقلم الذكاء الاصطناعي وضرورة التأقلم



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:33 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

قمة الشىء وأصله

GMT 08:06 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

الخطة المصرية أصبحت عربية.. ماذا بعد؟

GMT 02:49 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

السجائر تجعل مضادات الحيوية عديمة الفائدة

GMT 10:04 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

الضفة «الجائزة الكبرى» لنتنياهو

GMT 06:28 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

حلويات رمضان (2)

GMT 18:18 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

اعتزال العداء البريطاني ريتشارد كيلتي

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

الميليشيات والشّرعيّات: استدامة مستحيلة

GMT 01:30 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

ترامب يأمر قيادات حماس بمغادرة غزة "الآن"

GMT 01:29 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

12 قتـ.يلا إثر اشتباكات في الصنمين بدرعا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab