عن المركزية الأوروبية وأحاديث الاستشراق

عن المركزية الأوروبية وأحاديث الاستشراق

عن المركزية الأوروبية وأحاديث الاستشراق

 العرب اليوم -

عن المركزية الأوروبية وأحاديث الاستشراق

بقلم : فهد سليمان الشقيران

تطرقت من قبل إلى أن الاستشراق الكلاسيكي انتهى بموت برنارد لويس، غير أن السجال حول المجال برمته وتنوعه لم ينته عندنا. الاستشراق بكل أثره، وما حمله من معانٍ ومناهج ومفاهيم لا يزال موضع اهتمام المؤلفين رغم عدم ضرورته، فالمجال أعم من تسميته، إذ تظل الدراسات بين الأمم والثقافات أساسية، ولا يشترط معها وجود خطط هيمنة، أو إرادات توسع، كما في المفهوم الأكثر حدة للاستشراق الذي طرحه الراحل إدوارد سعيد، في كتابه: «الاستشراق» 1978 الذي لا يزال موضع نقاشٍ وسجالٍ وبخاصة في منهجه، ونتائجه الحاسمة، ومعه كتابه المتمم: «الثقافة والإمبريالية» 1993.

قرأت قبل أيام في مجلة «حكمة» موضوعاً يستحق التعليق لإنجريد هارفولد كفانجرافن وترجمهُ: الزبير عبد الله الأنصاري، بعنوان: «ما وراء المركزية الأوروبية» وأحسب أن أهم نقطة في البحث إشارته إلى أن «كتاب إدوارد سعيد (الاستشراق) أحدث تحولاً في دراسة تاريخ العالم المعاصر، وذلك مع تقديمه تبصُرات حول الطريقة التي عملت من خلالها الخطابات العنصرية على خلق الإمبراطوريات الأوروبية والمحافظة عليها. وإلى حد كبير بسبب أنشطته السياسية، استثار سعيد وكتابه نقد عدد من مفكري اليمين، قد يكون أبرزهم برنارد لويس».

وتعليقي: أن هذا صحيح بدليل أنه كتاب أشعل النقاش حول الاستشراق حتى اللحظة، وأحدث الكتب في نقد إدوارد سعيد لوائل حلاق «قصور الاستشراق» الذي أخذ على إدوارد سعيد استغراقه بالنقد السياسي، فـ«البدء بالسياسة والانتهاء بها كحقل تقليدي... يؤدي إلى إغفال المقدمات التي يمكن نقد مفهوم السياسي نفسه بموجبها»، ثم يسبب لذلك الاستغراق: «بأن سعيد ظل يحرث حقولاً سياسية تقليدية إن لم تكن بدائية وذلك لأن سرديته النقدية افترضت وجود الفرد السياسي نفسه أي الفرد الحداثي وأبقت عليه باعتباره القالب الصلد لتلك الأنماط ومحلها».

وانتقده حلاق على مقولة: «كل أوروبي كان في كل ما قاله عن الشرق عنصرياً وإمبريالياً ومتمركزاً بالكامل حول إثنيته الخاصة». يحاجج حلاق بأن: «هذا الحكم جارف وشامل، إذ لا يميز بين كل من تحدث عن الشرق، بدءاً من إيسخيلوس ووصولاً لبرنارد لويس... وإذا أخذنا في الاعتبار نظرية التشكلات الخطابية المحددة تاريخياً وثقافياً عند فوكو، التي لا يذهب بها أبعد من القرن السابع عشر، واعتراف سعيد بتأثره بفوكو، فإن سياحة سعيد في اليونان القديمة وفيينا في بدايات القرن الرابع عشر تثير الشك في مدى فهمه لمقصد فوكو بالتشكل الخطابي».

وبالعودة إلى بحث المركزية الأوروبية فإنه يتطرق لنقد سمير أمين لإدوارد سعيد فيكتب: «ويشتهر بدرجة أقل في الغرب سمير أمين، الاقتصادي المصري الذي ابتدع مصطلح (المركزية الأوروبية) في كتابه (نحو نظرية للثقافة نقد التمركز الأوروبي والتمركز الأوروبي المعكوس) الصادر عام 1988، الذي انتقد من وجهة نظر اليسار تصور سعيد للإمبراطورية، وقدّم وجهة نظر بديلة لا تقوم على الثقافة أو الخطاب، وإنما على الفهم المادي للرأسمالية والإمبريالية. لقد أمضى سعيد معظم حياتِه المهنيَة في الشمال العالمي، وتحديداً في مدينة نيويورك، أمَا أمين فقد قضى غالب حياته المهنية في أفريقيا محاولاً بناء مؤسسات أكاديمية وسياسية أفريقية لتحدي التبعيات التي خلقتها الإمبريالية. وعندما التقيت أميناً عام 2016 لإجراء مقابلة، كان مع عمره الذي بلغ الخامسة والثمانين لا يزال منخرطاً بنشاط».

الخلاصة؛ أن الحديث عن الاستشراق بات جزءاً من الماضي، وكتاب إدوارد سعيد كان موضة لها ظرفها الشخصي له والهوياتي والسياسي، وفي رأيي، فإن قيمة الكتاب في إثارته للنقاش أكثر من كونه مهماً بذاته، لقد تحيّز ضد الغرب، مع أنه استخدم في الكتاب المنهج التحليلي الأركيولوجي وهو منهج أوروبي بامتياز، وعليه فإن إعادة الحديث عن الاستشراق في هذه المرحلة لغو من الحديث، لأن العالم في كل تركيبته قد تغيّر وانزاح إلى استراتيجيات نفوذ معرفية أخرى، وإلى وسائل هيمنة مختلفة.

 

arabstoday

GMT 06:05 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

صحافة... وسمك وبطاطا

GMT 06:04 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

ممنوع الاقتراب والتصوير والتفكير

GMT 06:02 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

منع الشطط في مسألة القطط

GMT 06:00 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

الديمقراطية... الرأي الآخر!

GMT 05:58 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

تكهنات ليختمان... بين الاحتمالات والمتغيرات

GMT 05:54 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

إيه هى السعادة؟

GMT 05:52 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

مسألة فيها نظر

GMT 05:50 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

إنها المسؤولية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن المركزية الأوروبية وأحاديث الاستشراق عن المركزية الأوروبية وأحاديث الاستشراق



ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:13 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

"ارتفاع مقلق" بوفيات جدري القردة خلال أسبوع واحد

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 13:04 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

محمد حماقي يعلن شروطه لدخول عالم التمثيل

GMT 12:12 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

تشيلسي يربط السنغالي نيكولاس جاكسون حتي عام 2033

GMT 15:24 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

موجة طقس سيئ تضرب النمسا وترقب فيضانات عارمة

GMT 04:53 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

وفاة الفنانة ناهد رشدي بعد صراع مع المرض

GMT 22:01 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

المؤلفون غير البيض يشعلون شغف الطلاب بالقراءة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab