بقلم : فهد سليمان الشقيران
مقالة الرئيس الأميركي بايدن التي نشرها مؤخراً في إحدى الصحف الأميركية تعبر عن «إعادة تموضع» لتغيير تصور العلاقة مع السعودية؛ نبرة مختلفة وتطلعات لتطوير ما سماه «الشراكة الاستراتيجية» مع المملكة، نبرة اختلفت بسبب تجدد الأزمات الدولية، وإعادة التفكير بأهمية هذه المنطقة للولايات المتحدة.
العلاقات السعودية - الأميركية تعرّضت لهزات عديدة حتى مع أكثر الرؤساء قرباً من السعودية مثل ريغان الذي صعق من صفقة صواريخ «رياح الشرق» أرض أرض طويلة المدى، القادرة على حمل رؤوس نووية والتي خُزنت سراً في جنوب الرياض، وحينها طرد الملك فهد السفير الأميركي حين حاول الاستفسار عن هذه الصواريخ.
بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وصلت العلاقات مع أميركا إلى حافة الهاوية، ومع أوباما كذلك، غير أن الواقع يفرض أغراضه وأهدافه، السعودية ضرورية لأميركا وأميركا ضرورية للسعودية.
السعودية والإمارات اتخذتا مواقف أقرب لـ«عدم الانحياز»، في الأزمة الروسية - الأوكرانية، تشكل دولي جديد غير مألوف لدى الأميركيين، ثمة قراءات معمقة تتحدّث عن هذا التشكل، منها تعليق بعنوان: «بعد فشل الغرب في حشد العالم ضد روسيا والصين... هل تتشكل حركة عدم انحياز جديدة؟»، حيث ترجم موقع «السياق» نقلاً عن مجلة «فورين بوليسي» الأميركية «إن ظهور حرب باردة جديدة بين الغرب وروسيا، يؤذن بظهور حركة عدم انحياز جديدة، على غرار ما حدث إبان خمسينات القرن الماضي، من قِبل عدد من الدول التي أرادت أن تنأى بنفسها عن صراعات الدول الكبرى حينها، الحرب الروسية في أوكرانيا تسببت في انفصال العديد من الدول النامية عن الغرب، والإصرار على موقف محايد بين الجانبين»، مشيرة إلى أن عدداً من الدبلوماسيين والمتخصصين في هذه الدول طالبوا بضرورة إنشاء «حركة عدم انحياز جديدة، في الوقت الذي فرضت فيه ديمقراطيات الغرب عقوبات متصاعدة على روسيا، وأدانت سلوكها في الأمم المتحدة، امتنعت دولتان من أكبر الديمقراطيات جنوب الكرة الأرضية، الهند وجنوب أفريقيا، عن التصويت لإدانة الاجتياح، كما فعلت دول عدة في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا، حيث امتنعت 58 دولة عن التصويت لطرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، رافضين الانضمام إلى العقوبات، بل وأضعفوها بشكل كبير، من خلال استمرار التجارة مع موسكو».
دول عديدة اعتبرت هذا النزاع خارج مواقفها الحادة، وإنما أكدت على سيادة كل دولة، وعلى الحل الدبلوماسي، وطرحت جهودها السياسية، لكنها غير منصاعة للإملاءات الأميركية المعهودة تجاه بعض الدول التي تتسيدها وتسيطر عليها بقواعدها العسكرية وضغطها العسكري والسياسي.
صدمة بايدن من الصلابة السعودية السياسية أساس الرحلة الرئاسية، ونستشهد بمقالته هو «سأسافر إلى الشرق الأوسط لبدء فصل جديد واعد، وإن الرحلة تأتي في وقت حيوي بالنسبة للمنطقة، وستعمل على تعزيز المصالح الأميركية المهمة، الممرات المائية في الشرق الأوسط مهمة للتجارة العالمية وسلاسل التوريد تعتمد عليها، موارد المنطقة من الطاقة حيوية للتخفيف من التأثير على الإمدادات العالمية للحرب الروسية في أوكرانيا، العلاقات مع السعودية تمثل شراكة استراتيجية مدتها 80 عاماً، لقد ساعدت المملكة العربية السعودية في استعادة الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست، ودعمت الهدنة في اليمن بشكل كامل، وتعمل الآن مع الولايات المتحدة للمساعدة في استقرار أسواق النفط مع منتجي (أوبك) الآخرين».
الرسالة التي أوضحتها السعودية للأميركيين بعد الأزمة الأوكرانية - الروسية، أن أميركا والصين وروسيا كلها شريكة للسعودية، وهذا لا يضر بمصالحنا مع كل هذه البلدان؛ لذلك يعلق الرئيس الأميركي على موضوع الصين بمقالته «يتعيَّن علينا التعامل مباشرة مع البلدان التي يمكن أن تؤثر في تلك النتائج. المملكة العربية السعودية واحدة من هذه الدول، وعندما ألتقي القادة السعوديين يوم الجمعة، سيكون هدفي هو تعزيز شراكة استراتيجية، للمضي قدماً تستند إلى المصالح والمسؤوليات المشتركة، مع التمسك أيضاً بالقيم الأميركية الأساسية».
مشكلة الفلسطينيين مع إسرائيل على أجندة الزيارة، ثمة جهود قوية قامت بها السعودية طوال تاريخ الأزمة، المبادرة العربية أساسها سعودي، وطرحت في عدد من القمم، منها قمة بيروت، والسعودية قلب العالم الإسلامي ونبضه ورأيها في هذه المشكلة مهم وحيوي، ويمكن أن يدفع بالقضية نحو الحل، الأمير محمد بن سلمان تحدث عن هذه القضية في حواره مع «ذا أتلانتيك»، الأمير يأمل أن تحل هذه القصة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأكد أن السعودية «لا تنظر لإسرائيل كعدو، بل كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك». لذلك؛ كتب بايدن «يوم الجمعة، سأكون أول رئيس يطير من إسرائيل إلى جدة بالمملكة العربية السعودية. سيكون هذا السفر أيضاً رمزاً صغيراً للعلاقات الناشئة والخطوات نحو التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، التي تعمل إدارتي على تعميقها وتوسيعها. وفي جدة، سوف يجتمع القادة من جميع أنحاء المنطقة، للإشارة إلى إمكانية وجود شرق أوسط أكثر استقراراً وتكاملاً، حيث تلعب الولايات المتحدة دوراً قيادياً حيوياً».
الاتفاق النووي على طاولة النقاش، السعودية تتحاور مع الإيرانيين حول ملفات المنطقة والتهدئة كما صرح مستشار الكاظمي لـ«الشرق الأوسط»، لكن الاتفاق النووي الإيراني يمثل مشكلة كبرى بالمنطقة، وبخاصة أنّها زادت التخصيب بنسبة عشرين في المائة، يعلق بايدن «اجتمعنا مرة أخرى مع الحلفاء والشركاء في أوروبا وحول العالم. الآن إيران معزولة حتى تعود إلى الاتفاق النووي الذي تخلى عنه سلفي ولا خطة لما قد يحل محله. في الشهر الماضي، انضمت إلينا أكثر من 30 دولة لإدانة عدم تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أنشطتها النووية السابقة. وستواصل إدارتي زيادة الضغط الدبلوماسي والاقتصادي، حتى تصبح إيران مستعدة للعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي لعام 2015». علماً بأن ذلك الاتفاق كان نصراً لإيران وهي تريد تحقيق مكاسب إضافية على ذلك الاتفاق، وهذا مزعج لدول الخليج.
زيارة بايدن محورها إعادة ترتيب العلاقات الأميركية بالسعودية ودول المنطقة، وتشجيع المحور المعتدل على التشكل المؤسس، والانطلاق بالعلاقات الأميركية - السعودية نحو الأمام بعد سنواتٍ من الضغط، وهيمنة الآيديولوجيات الكارهة للسعودية على صناعة السياسات والإعلام، ستكون زيارة إعادة البوصلة نحو ما سماه بايدن «الشراكة الاستراتيجية» مع مركز المنطقة التجاري والتنموي «دول الخليج».