بقلم : فهد سليمان الشقيران
يعود برود العلاقات الأميركية - السعودية إلى ما قبل إدارة الرئيس بايدن؛ الاختلاف في وجهات النظر بين البلدين بلغ مدى عالياً في سِني إدارة أوباما، وكان الملف الإيراني والاتفاق النووي أساسياً في تكوّن الخلاف وتشعبه إلى ملفاتٍ أخرى مثل الملف السوري. ولهذه الخلافات قصص رواها البروفسور الأميركي الإيراني الأصل ولي نصر، الذي كان مستشاراً لدى ريتشارد هولبروك الممسك بملفات أفغانستان و«طالبان» في الخارجية الأميركية في كتابه الشهير «أميركا التي يمكن الاستغناء عنها». قال الملك عبد الله لأوباما «اقطع رأس الأفعى»، مشت الإدارة الأميركية بالاتفاق النووي ومعه سارت دول الخليج تحت الضغوط الأميركية آنذاك، مع أن السعودية أيّدت الاتفاق النووي، غير أنها لم تكن راضية عنه؛ لأن ما توقعته حصل؛ انفلتت الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وأصبحت تضرب بكل اتجاه، بل وتحدّت إيران جميع الدول وتبخترت بانتصاراتها في عواصم عربية.
قبيل وصول بايدن للحكم كان الحديث عن السعودية مغرياً للغرائزيين المثابرين على الكراهية، وهذا ما عزز من انبعاث «عقيدة أوباما» تجاه السعوديين الذين يصفهم في مجلة «ذا أتلانتيك» بـ«راكبي القطار بالمجان». بايدن بلغ ذروة التصعيد حين تعهد أن يجعل السعودية «دولة منبوذة»، لكنه اصطدم بالواقع، السعودية حليف استراتيجي ضروري للولايات المتحدة، حقيقة صلبة فوجئ بها بايدن بعد أول تحدٍ كبير من نوعه والمتمثل بالأزمة الأوكرانية - الروسية. اعتادت الإدارات الأميركية السابقة على المواقف السهلة والمجانية أحياناً من دول الخليج، لكنه وجد نفسه مثل «ملحد القرية الوحيد». لقي أمامه إدارات حازمة وصارمة وجادة، مواقف صادمة لم يعتَد عليها الأميركيون من قبل، لم تلبَّ اتصالاته في السعودية ولا في الإمارات. الإدارة السعودية الصلبة المتمثلة بالأمير محمد بن سلمان هي أساس الانتصار في المواقف الأخيرة بالمنطقة والعالم.
توماس فريدمان يحاجج عن ضرورة إشراك السعودية في المفاوضات النووية مع إيران. كتب مقالة نقل فيها عن بايدن ما يؤشر لذلك «سيكون من غير الحكمة أن تتخلى الولايات المتحدة عن التأثير الذي خلقته العقوبات النفطية التي فرضها ترمب، فقط من أجل استئناف الاتفاق النووي من حيث توقف، وبأنه ينبغي أن نستخدم ذاك التأثير لحمل إيران على كبح صادراتها من الصواريخ الدقيقة التوجيه إلى حلفائها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، حيث تهدّد إسرائيل وعدداً من الدول العربية. وما زلتُ أؤمن بذلك. فريق بايدن يعرف تلك الحجة ولا يعتقد أنها مجنونة، ولكنه في الوقت الراهن يؤكد على أن المصلحة الوطنية الكبرى لأميركا تكمن في إخضاع برنامج إيران النووي للمراقبة والتفتيش بشكل كامل من جديد. ذلك أنهم يرون أن تطوير إيران سلاحاً نووياً يطرح تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة الوطني وللنظام العالمي لمراقبة الأسلحة النووية، «اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية». ويقول بايدن في هذا الصدد «هناك كلام كثير حول الصواريخ الدقيقة وطائفة من الأشياء الأخرى التي تزعزع استقرار المنطقة»، ولكن الواقع هو أن «أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة هو التعاطي مع البرنامج النووي»؛ ذلك أنه إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، يضيف بايدن، فإن ذلك «سيضع ضغطاً كبيراً جداً على السعوديين وتركيا ومصر وآخرين للحصول على أسلحة نووية. والحال أن آخر ما نحتاج إليه في ذاك الجزء من العالم هو حشد القدرة النووية».
ثمة عودة أميركية للحلفاء التقليديين في المنطقة. المتخصصون في درس هذه العلاقة لا يرون فيها خلافاً جوهرياً، وإنما حال من «عدم اليقين»، هكذا يصف معهد دول الخليج العربي في واشنطن العلاقات الأميركية - السعودية، قائلاً، إنها - رغم التوترات الحالية - ستظل طويلة الأمد وواسعة النطاق، لكنها في الوقت الحالي تمر بحالة من عدم اليقين. دراسة نشرها موقع «السياق»، ونورد أبرز ما جاء فيها للإفادة، «إن التعاون العسكري الأميركي الوثيق مع المملكة العربية السعودية، يثير تساؤلات بشأن المزيد من المشاركة العسكرية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في وقت تواجه فيه الإدارة الأميركية ضغوطاً سياسية داخلية لتجنب المزيد من الدخول في المنطقة، قائلاً إن استمرار التدخلات العسكرية الأميركية قد يؤدي إلى رد فعل عنيف من شعوب الولايات المتحدة والشرق الأوسط. ورغم هذه الرياح المعاكسة، فإنه يبدو أن الطرفين يركزان في الحفاظ على العلاقة، ففي مايو (أيار) الماضي، التقى نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الذي أعاد تأكيد التزام بايدن بمساعدة المملكة في الدفاع عن أراضيها، وناقش الاثنان سبل تطوير وتعزيز التعاون المشترك ضمن الرؤية المشتركة للدولتين، وهو ما كان تذكيراً بأنه رغم أي رياح معاكسة، فإنه لا يزال هناك اهتمام ثنائي قوي في مجالات الجهد الرئيسة، مثل التعاون الأمني والتدريبات، كما تم وضع خطط لعقد اجتماعات مستقبلية بين وفدين سعوديين رفيعي المستوى ونظرائهما الأميركيين، وتعمل الإدارة الأميركية أيضاً على تحديد موعد الاجتماع الأول بين الرئيس الأميركي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. هذه التحركات الدبلوماسية تأتي وسط استمرار المخاوف السعودية بشأن مدى التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة، والرغبة في معالجة سوء التفاهم بين البلدين، فيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية والنيات الدبلوماسية لكل منهما».
العلاقة بين أميركا والسعودية أساسها متين وراسخ، ثمة رياح عاتية تهزّها قليلاً، غير أن الذي يجمع البلدين أكثر من السياسة والدبلوماسية، إنها الأفكار الاقتصادية والثقافة التي يفضلها الخليجيون وهي الثقافة الأميركية... ثمة التقاء كبير بين الشعوب الخليجية وأميركا منذ أوائل البعثات الأميركية لاكتشاف النفط وتأثيرهم على المنطقة، وابتعاث السعوديين لأميركا للتعلم والدرس. ثمرة الاختلاف الأخير بين البلدين أن تعرف أميركا حجم السعودية، وأن ثمة قوة سياسية لا تتفاوض على ملفات سيادية، ولا تمنح الآخرين مواقف مجانية... إنها إدارة الأمير محمد بن سلمان.