بقلم : فهد سليمان الشقيران
مع اتساع التغيير في الإقليم على أكثر من صعيد؛ وانهيار محاور وأهلّة وقطاعات وتنظيماتٍ ووقوع استراتيجياتٍ وانقضاء أحلامٍ ومخططات، من الطبيعي أن يضارع هذا التحوّل الضخم موضوعات وأفكار غير التي كانت متداولة من قبل. الفضاء الحيوي الذي نلمسه حالياً في العمل الانتقالي الجاري على أكثر من صعيد يتطلّب المزيد من الإصرار والتعهّدات. وأوضح الأدلّة على ذلك جموع الزيارات التي تحاول أن تفكّ العقد، أو أن تفهم الموضوع السياسي الحالي، وبما أن لبنان أحدث المرشّحين للاستفادة من هذا التحوّل، فإن ثمة أكثر من ملاحظةٍ يمكن تبويبها ضمن هذا التموضع اللبناني الجديد.
إن التفاؤل الإقليمي «الحذر» بما يخصّ لبنان يعطي المسؤولين فرصةً ولكنها لن تكون أبديّة، فلكل فرصةٍ وقتها، وظرفها، وزمنها، وفواتها. الكرة الآن في ملعب المسؤولين، كيف يستفيدون من هذا الزخم المتاح والمطروح؟
الدول لديها مشاغلها وشعوبها وجداولها وبرامجها، لن تتفرغ طوال الوقت والزمن للانتباه لهذه الدولة أو تلك، على الزعامات أن تستجيب وتغيّر من طباعها ونزعاتها سواء على مستويات المحاصصة أو الفساد أو الصراع على الأرض أو العراك على الوزارات، حين تستمع إلى بعض البرامج من معلّقين لبنانيين وهم يتحدثون عن الدول الكبرى ومدى اهتمامهم بلبنان، تظنّ أنك أمام محللين يتحدّثون عن الاتحاد السوفياتي. لابد من التواضع وفهم التحديات، وترسيخ السياسات الواقعية، والبعد عن المثاليات وإدراك التحديات بشكلٍ منطقي مكتوب على الورقة والقلم، من دون ذلك فإن الانسداد السياسي والاقتصادي والأمني سيكون متصاعداً.
حتى كتابة هذا المقال ثمة مظاهرات يقودها «حزب الله» في بحمدون، والجميزة، ومار مخايل، وهذا مؤشر أمني شديد الخطورة؛ وما كان خطاب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم بعيداً عن هذا الجوّ، فالتصعيد من قبل الحزب الخاسر ميدانياً لن يفيد اللبنانيين بشيء، فالإسرائيلي عازمٌ على إطالة أمد المعركة حتى النهاية، ولهذا كلفةٌ إنسانية وتنموية واقتصادية كبرى، انتهت الآن مفاهيم وعناوين؛ مع حرب إسرائيل على لبنان لم يعد العالم يتداول مفرداتٍ مثل «الثنائي الشيعي» أو غيرها من الجمل، بل ثمة تحوّل إقليمي كبير ويجب استيعابه من قبل اللبنانيين، ثمة تحوّل جيوسياسي ضخم وعارم لم يستوعبه كثير من زعامات لبنان.
يظنّ بعض اللبنانيين أن الدول ما زالت على سابق عهدها في المنح والإهداء؛ إن الواقع اليوم يعتمد على أسسٍ تنموية مبنيّةٍ على رؤى تعتمد على الدعم مقابل برامج عمليّة واضحة، ضمن الاستراتيجيات التي تقتنع بها وتؤيدها الدول الداعمة، وعلى شروط مضبوطة ونقاطٍ مكتوبة يجب الالتزام بها، ومن أهمها موضوعات الإصلاح، وتحديد مستقبل «حزب الله» السياسي، والنقاش في التفاصيل الانتخابية أو الدستورية، ووقف تهريب المخدرات، وضبط الحدود مع سوريا وإسرائيل وإعادة الأمل إلى الناس بوقف الفساد واستيعاب شخصياتٍ ذات بعد مدني في الحكومة، وترسيخ برامج محاسبة للفساد الناخر في الدولة اللبنانية الذي يعرفه الجميع.
الخلاصة؛ أن تحوّل الإقليم مكثّف، فهو يمنح الفرص والتحديات معاً. بعض الزعامات في لبنان أو جلّها تفكّر بعقلٍ قديمٍ وتؤصل لتقديرات سياسية واستراتيجية خاطئة، لم يعد هذا الجوّ السياسي كما خبرتموه، إنه زمنٌ يحمل فقراتٍ من التحوّلات والأفكار التنموية والاقتصادية الحديثة للغاية بشكلٍ لم يقرأوه أو يستوعبوه. هذه الفرص المتاحةُ حالياً بإمكانها إنقاذ ما تبقى على الأرض، ومن دون استثمارها فإن الخسائر ستكون فادحة.
الدول اليوم تعتمد على التعاون المشترك، والمصالح المتبادلة حتى مع أعظم الدول، وتستند إلى الحيويّة التنموية، والشراكة، ونشر برامج الاعتدال، والحرب على الإرهاب، فالدول تدعم الشعوب إنسانياً بكل إمكاناتها كما هو واقع عبر التاريخ في دعم وإغاثة الناس بالشرق والغرب، ولكنها بالوقت نفسه على المستوى السياسي ليست جمعيات خيرية، تنثر الأموال جزافاً.
على اللبنانيين إدراك الوقائع والتحوّلات في الإقليم ضمن الواقع الفائق كما يعبّر الفيلسوف بودريا؛ والعاقل خصيم نفسه والجاهل خصيم الناس، والحكيم لا وقت لديه للخصومة، كما قالت العرب، هنا الدرس والمعنى والتحدي.