سياسات التواصل وآثار نقص الأخلاق

سياسات التواصل وآثار نقص الأخلاق

سياسات التواصل وآثار نقص الأخلاق

 العرب اليوم -

سياسات التواصل وآثار نقص الأخلاق

بقلم : فهد سليمان الشقيران

من أبرز ما ينقص المجتمعات اليوم في ظل كل هذه الأزمات التي تعصف بالعالم؛ نقص التربية، حيث تحدث صديق ممازحاً بأن اللقاحات التي التهمها الناس بعد جائحة كورونا ربما عرجت بكثيرٍ من العقول؛ من خلال تصرفات فوجئ بها الكبار قبل الصغار؛ وانغماس بالتواصل التقني الفج من دون وازع.

إيلون ماسك في إجراءاته الأخيرة حول «تويتر» قال إن هدفه -كما يزعم- إيصال رسالة للبشرية ليتخلوا عن هواتفهم قليلاً؛ والحق أن العواصف التي نثرتها الطبيعة على البشرية، ورماها البشر على واقعهم وأخلاقهم مثيرة للشفقة، ولذلك كان لزاماً علينا اللجوء لقول ما تبقى من الحكماء على هذه الأرض للتفكر بآثار وخيمة يؤسسها التفسخ البشري ما بين الانخلاع القيمي والأخلاقي، وليس انتهاءً بالتطرف والعنف ونشر ثقافة الكراهية.

قبل أيام اعتمد مجلس الأمن الدولي قراراً، اشتركت في صياغته الإمارات والمملكة المتحدة، حول التسامح والسلام والأمن الدوليين، ويقر بأن خطاب الكراهية والتطرف يمكن أن يؤدي إلى تكرار النزاعات في العالم.

المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة، السفيرة لانا زكي نسيبة، علّقت على الموضوع بقولها: «يكرس ميثاق الأمم المتحدة تصميمنا الجماعي باتجاه الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وتحقيقاً لهذه الغاية، فإن الميثاق يؤكد الحاجة إلى ممارسة التسامح والتعايش السلمي».

وأضافت المندوبة الإماراتية: «لقد اعتمد أعضاء مجلس الأمن قراراً من شأنه أن يعيد تأكيد الالتزام دعم المبادئ العالمية للتسامح والتعايش السلمي. وهذه المبادئ -إلى جانب حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين- ليست مصالح متضاربة، بل تعزز كل منها الأخرى، وبالتالي ينبغي دعمها وتنفيذها لتحقيق السلام والأمن والاستقرار والتنمية المستدامة».

والواقع أن نقص التربية يؤسس لطرفين كارثيين؛ التفسخ وفقدان القيم والأخلاق، والتطرف والتكفير وممارسة العنف؛ وبالعودة للفيلسوف لوك فيري المهموم بهذه الكارثة يعلق على هذه الأزمة بقوله: «المعرفة لم تمنع يوماً شخصاً من أن يصبح سافلاً». الإيمان بإمكانية تطوير الجنس البشري عن طريق التربية يشكل وهم الأنوار الأكبر. تعلَّمنا بفضل النازية والإسلاموية، أنه يمكن للمرء أن يكون مثقفاً وينجرف بسهولة وراء الكراهية، والعنصرية والعنف. هايدغر الذي يعد، حسب رأيي، أبرز فيلسوف في القرن العشرين، كان هتلرياً ومعادياً للسامية. ألمانيا كانت البلد الأكثر ثقافة ومعرفة في سنوات 1930 التي كانت تضم أحسن وأرقى نظام مدرسي وجامعي في كل العالم، ورغم ذلك فقد انخرطت بمحض إرادتها في البربرية من دون أن يحرك أي واحد من نخبتها المثقفة ساكناً. نفس الشيء مع السلفية الإسلامية؛ بن لادن كان كل شيء إلا شخصاً جاهلاً. في 1985 قابلت عدداً من قيادات جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر، كلهم كانوا متخرجين في الجامعات... الوهم الأكبر للأنوار كان في الاعتقاد بأن التطور الحضاري والتطور الأخلاقي يسيران بنفس الوتيرة. في حين أن التربية الأخلاقية لا علاقة تجمعها بالتربية الثقافية أو بالثقافة عموماً. اكتشاف هذا الفرق شكّل أكبر خيبة أمل عرفتها البشرية خلال النصف الثاني من القرن العشرين.

ثم يدعو الفيلسوف إلى التفريق: «بين التعليم والتربية. التعليم يقدَّم من طرف مجموعة من المعلمين في مكان عمومي، أي المدرسة، لصالح مجموعة من التلاميذ». التربية تقدَّم للأطفال من طرف آبائهم في نطاقٍ خصوصيٍّ هو العائلة. الرأي الذي دافعت عنه منذ كنت وزيراً، هو أن التربية يجب أن تسبق التعليم وتعبّد له الطريق، في غياب هذا الأمر تصبح المهمة مستحيلة على المعلم. أزمة التعليم تعود إلى أن المعلم يجد نفسه أمام مجموعة من الأطفال عديمي التربية. فعملية توزيع المهام بين الآباء والمدرسين لم تعد تعمل بشكل جيد.

وفي أطروحة أخرى للفيلسوف لوك فيري اعتنى به الأكاديمي الطاهر مستقيم يؤكد في أطروحته موضع العرض حين يقول: «أن نشدِّد على تقديم النصح للقارئ الكريم بقراءة (مجتمع الخطر)، بوصفه أهمّ كِتاب قام بتأليفه عالم الاجتماع الألماني إيلريش بيك Ulrich Beck، ويُمكننا بسط الخطوط المركزيّة لأطروحته كما يلي: بعد الحداثة الأولى التي نمت بذورها في القرن الثامن عشر، والتي هَيمنت على القرن التاسع عشر بأكمله، والتي ما زالت لم تكتمل إلى يومنا هذا، تكون مجتمعاتنا الغربيّة قد أقبلت على مرحلة جديدة، تتّسم بالوعي بالمخاطر المُحدقة بها، نتيجة تسارع وتيرة العَولمة التي يعرفها التقدّم العلمي والتقنيّ، بحيث نتجت عن هاتَين الحداثتَين تصادمات وتناقضات عدّة، تكتنفها في الآن نفسه علاقات خفيّة. ومن أجل استيعاب هذا الوضع الجديد الذي بات يُرخي بظلاله على الغرب المتقدِّم، وجب أوّلاً فهم كلتا الحداثتَيْن على حدة».

باختصار نحن أمام عالم متغير بكل عواصفه وزلازله؛ ولا بد من الاستعداد لمواجهة المزيد من الانهيار الأخلاقي بين الفرد والفرد، وفقدان فرص التربية منذ الصغر مما يؤثر على عقل الإنسان في كبره؛ بالإضافة إلى مواجهة المزيد من سياسات التطرف المتطورة التي تستطيع مواكبة بل تجاوز الأفكار التقليدية التي يواجه بها خطر الكراهية والعنف والإرهاب، ولله في خلقه شؤون.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سياسات التواصل وآثار نقص الأخلاق سياسات التواصل وآثار نقص الأخلاق



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:35 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

طريقة طهي الخضروات قد تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب

GMT 08:59 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

خاسران في سورية... لكن لا تعويض لإيران

GMT 08:06 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«بنما لمن؟»

GMT 08:54 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 06:33 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

كريم عبد العزيز يفاجئ الجمهور في مسرحيته الجديدة

GMT 09:18 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 09:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 08:55 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab