بقلم : فهد سليمان الشقيران
لم يعد الذكاء الاصطناعي بكشوفاته العلمية العالية ترفاً؛ بل يمثّل ضرورة قصوى للعالم. وما كان هذا المجال مقتصراً على التداول العلمي المتخصص وإنما دخل ورش النقاشات الفلسفية والإنثربولوجية، والطبّية باعتباره كشفاً جديداً، بل وخضّة عالمية توازي ما حدث من قبل منذ اكتشافات الاتصالات والإنترنت في القرن الماضي إلى اليوم. وعليه فإن هذا المجال هو العلامة الكبرى على التطوّر العلمي وانعكاسه الدائم على البشر، والعلم صديق البشر دائماً.
وفي قراءة تصريحات إيلون ماسك نعثر على نبوءات كبيرة تتعلق بهذا المجال الصاعد. ودولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، من الدول السبّاقة على مستوى العالم بهذا المجال، والسعي نحو الاستثمار فيه حثيث وقائم، وآية ذلك أن زيارة سموّه إلى فرنسا تضمنت توقيع وتوثيق «إطار العمل الإماراتي - الفرنسي للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي وقعه من جانب دولة الإمارات معالي خلدون خليفة المبارك، عضو المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، رئيس جهاز الشؤون التنفيذية لإمارة أبوظبي، عضو مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في أبوظبي، ومن الجانب الفرنسي كل من جان نويل بارو، وزير أوروبا والشؤون الخارجية، وإريك لومبارد، وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية.
والذكاء الاصطناعي يجب ألا نخاف منه فهو المستقبل؛ والدول قادرة على ضبطه ضمن مصلحتها، بدليل المؤتمر الطبي الأخير لعلماء أميركيين والذين خلصوا إلى اكتشافٍ مبشّر بإمكانات هائلة لعلاج الأمراض المستعصية الكبرى بسبب هذه التقنيات الجديدة. ثمة علماء وأطباء كبار يرون في هذا المجال فائدةً للإنسان على كل المستويات، فهو فتحٌ علميٌّ جديد.
في أوائل ظهور التقنية بشكلها الصارخ آنذاك في منتصف القرن العشرين كان البعض يتخوّف من هذا الطوفان الجارف، وألّف الفيلسوف هيدغر كتاباً من جزأين عن «مسألة التقنية» وألقى محاضراتٍ على طلابه حولها وحين رأى الناس أثر هذه التقنية على صحّتهم وحياتهم واتصالاتهم اقتنعوا بها، ولا غرو فالإنسان عدوّ ما يجهل، لذلك فإن فهم مجال الذكاء الاصطناعي ضروري وحيوي.
في الفضاء الفلسفي ونقاشاته، فإن أبرز فكرةٍ طرحوها حتى الآن أن هذا المجال بات راهناً، ومن الضروري الاستجابة له والتعامل معه. وإن الأفكار التقنية لا بد أن تُربط بقوانين ومعايير صارمة، فلا يمكن عزل الإنسان عن المجال التقني الذي يحيط به، نحن شئنا أم أبينا أصبحنا نتأثر بالتقنية وفتوحات العلوم التي ملأت وجودنا.
والذكاء الاصطناعي أحدث هذه الكشوفات العظيمة. الخلاصة أن الذكاء الاصطناعي يعبّر عن تقدم قوّة الإنسان في الاكتشاف، منذ الثورة الصناعية في 1760 في إنجلترا حيث اختراع الماكينة التي أخضعها الإنسان، وحلّت محل العمل اليدوي وإلى يومنا هذا، حيث الذكاء الاصطناعي الكبير.
إن المبالغة عند بعض المفكرين والقلق من هذا الكشف المبين مبالغٌ فيهما، فالدول تستثمر به ضمن أسسها وتقاليدها وأفكارها ورؤاها المستقبلية، وقادتنا يعلمون كيف يقودون مصالحنا ويصنعون مستقبلنا، فلا إنصات لهذه الأفكار المرجفة، بل علينا الترحيب بهذا المجال الخصب الذي أثق أنه سيحقق فتوحات علمية وطبية بل وزراعية فائقة.