الحدث المكثّف ومعايير التقييم

الحدث المكثّف ومعايير التقييم

الحدث المكثّف ومعايير التقييم

 العرب اليوم -

الحدث المكثّف ومعايير التقييم

بقلم : فهد سليمان الشقيران

 

لو عدنا لأحداث الإقليم منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى سقوط نظام الأسد، ورسمنا قوّة الأحداث وتصاعدها بيانياً لوجدنا أن ذروة الحدث كانت في بدئه، وخفّ ذلك تدريجياً، ووصل إلى مستوى متوسط بعد ثلاثة أشهر من الضربات، ولكنه سيتصاعد ويتفجّر بعد القرار الإسرائيلي بتربية وتأديب جبهة الإسناد في لبنان، وما كان «حزب الله» يتوقع أن تصل الأمور إلى ما آلت إليه، ظنّ أن الإسرائيلي منهك ومشغول في غزة، ولن يفتح جبهة شاسعة بالشكل الذي حدث، وقد اطمأن حسن نصر الله، قبل اغتياله، خاصة في أوائل شهور المواجهة والمشاغلة مع الإسرائيليين، أن الضربات ستكون في إطار محدود، ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان.

قررت إسرائيل أن تقضي على «حزب الله» كما قضيت على «حماس»، فضربت واغتالت الصفوف الأولى، ومنهم نصر الله، ومن ثم شنّت حرب «البياجر»، وهذا السيناريو لم يكن وارداً في تقديرات «حزب الله»، التي تنتمي إلى تقييم قديم للمواجهة مع إسرائيل، فهي دولة تتقدم علمياً وتكنولوجياً كل ثانية ودقيقة، ولا تمزح في هذا المجال. مواجهة 2006 صارت من الماضي، الفرق أن «حزب الله» بتخلفه توقّف عندها.

أخطر تقديرات للأمور أن يجرفك الحدث نحو العاطفة، وإذا رأيت الكل يتحدث التزم الصمت. هذه الموجات من الأحداث المكثّفة لن تكشف عن مكنونها في يومٍ وليلة، بل علينا ألا تأخذنا نشوة الحدث عن تقييمه، وتقدير احتمالات التأزيم الذي يمكن أن يجرّه.

ما يميّز الحكماء عبر التاريخ أنهم لا ينجرفون مع العواطف الجياشة العمومية، بل يأخذون الورقة والقلم ويحسبون كل شيءٍ بمقدار، فالحدث له كوامنه وليس على ظاهره، وكم من فرحة جرّت حروباً أهلية، وويلاتٍ إنسانية، ومآسي طائفية، علينا التركيز نحو المستقبل، فالحدث الجاري حالياً سيكشف عن تحدياتٍ وأزماتٍ كبيرة، فالحدث ينتج أزمته كما يعبر الفيلسوف الفرنسي إدغار موران في كتابه عن «مفهوم الأزمة».

فكرة الاضطراب لدى موران هي الفكرة الأولى التي تُظهِر مفهوم الأزمة، وهي في الواقع ذات وجهين، إذ يقول: «يمكن للحدث، أو للحادث، أي للاضطراب الخارجي، أن يتسبب في أزمة. بهذا المعنى، يمكن أن تكون مصادر الأزمة مختلفة مثل: موسم سيّئ، أو اجتياح تليه هزيمة... إلخ. ولكن الاضطرابات الأكثر إثارة ليست تلك الناجمة عن أزمات، إنّما المتأتيّة من عمليّة تبدو في الظاهر غير مشوّشة. وغالباً ما تظهر هذه العمليّات على صورة نموّ كبير جدّاً أو سريع لقيمة أو لشيء متغيّر: النموّ (المُفرط) لمجموعة سكانيّة بالنسبة إلى الموارد الموجودة في محيط مُعيّن (غالباً، في علم البيئة الحيوانيّة، يثير تخطي عتبة معيّنة من الكثافة الديموغرافيّة اضطرابات أزميّة في السلوكات، قبل شحّ الموارد)، أو كما يُقال في الاقتصاد الكلاسيكي: النموّ المفرط للعرض مقابل الطلب».

ومن هنا، يضيف موران: «تظهر الأزمة على أنّها غياب للحلّ (ظواهر اختلال وفوضى)، ويمكنها في النتيجة أن تستثير حلّاً (مثل ضبط جديد، وتحوّل تطوّري). إذن من الواضح أنّ ما هو مهمّ لمفهوم الأزمة ليس الاضطراب الخارجي الذي يُطلق في بعض الحالات مسار أزمة، بقدر ما هو الاضطراب الداخلي الناشئ عن عمليّات تبدو في الظاهر غير مشوّشة. والاضطراب الدّاخلي، النّاجم عن العبء أو المأزق المزدوج، سوف يعبّر عن نفسه أساساً على شكل تقصير في الضّبط، واضمحلال للاستقرار الداخلي، أي على شكل اختلال».

الخلاصة: الأحداث يجب ألا تقاس بمعايير عاطفية، ولا بصيغ خطابية، بل تقيّم ضمن انعكاسها الكلي. معيار كل حدثٍ عرضه على ميزان المصلحة أولاً، هناك زحف إنشائي يتجه نحو التقييم الأخلاقي للعمل السياسي، وهذا يجعل الواقع أقلّ قدرة على التكيّف مع المتغير، وربما تبدي الأيام بعض تفجّرات الحدث الكامنة... ربما.

arabstoday

GMT 21:30 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

شجاعة أوجلان... وفوضى السلاح

GMT 08:43 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

بعد القمة.. المهم الحفاظ على التوحد

GMT 08:35 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

عبير الكتب: هارون الرشيد... المحظوظ!

GMT 08:32 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

ماذا تعني «طبخة نيروبي» للسودان؟

GMT 08:30 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

تحدي إنهاء السلاح اللاشرعي!

GMT 08:26 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

الفراعنة في براغ

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحدث المكثّف ومعايير التقييم الحدث المكثّف ومعايير التقييم



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 06:33 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

قمة الشىء وأصله

GMT 08:06 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

الخطة المصرية أصبحت عربية.. ماذا بعد؟

GMT 02:49 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

السجائر تجعل مضادات الحيوية عديمة الفائدة

GMT 10:04 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

الضفة «الجائزة الكبرى» لنتنياهو

GMT 06:28 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

حلويات رمضان (2)

GMT 18:18 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

اعتزال العداء البريطاني ريتشارد كيلتي

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,05 آذار/ مارس

الميليشيات والشّرعيّات: استدامة مستحيلة

GMT 01:30 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

ترامب يأمر قيادات حماس بمغادرة غزة "الآن"

GMT 01:29 2025 الخميس ,06 آذار/ مارس

12 قتـ.يلا إثر اشتباكات في الصنمين بدرعا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab