بقلم : فهد سليمان الشقيران
سماء لبنان تتلبد بسحب الحرب وتنعقد فيها غيوم المواجهة، وبعد التزام «حزب الله» اللبناني بعدم التدخل في الحرب الإسرائيلية ضد غزة منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، إلا أنه وحفظاً لماء الوجه لدى جماهيره رفع من وتيرة المواجهات في الأشهر الأخيرة، وإسرائيل مستفزةٌ وتسعى لإيقاف أي تهديدٍ لأمنها واستقرارها. عدد من الدول الأجنبية حذرت رعاياها من السفر إلى لبنان، وطالبت الموجودين فيه بالمغادرة الفورية، مثل أميركا وروسيا وكندا وهولندا وألمانيا وغيرها، وكذلك عدد من الدول العربية منعت السفر إلى لبنان وطالبت رعاياها بمغادرته فوراً، مثل السعودية والإمارات والبحرين، وكذلك طلب الحذر أو المغادرة من قطر والكويت والأردن وغيرها، وهذه الدول لا تتحرك عبثاً أو لمجرد الإشاعات، وإنما بناء على معلوماتٍ مؤكدةٍ بأن شيئاً ما سيحدث بين إسرائيل وحزب الله اللبناني. قديماً وفي عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان وقصفت بيروت براً وبحراً وجواً حتى أخرجت «منظمة التحرير» وجميع المقاتلين الفلسطينيين إلى تونس وغيرها من الدول العربية، وبقيت إسرائيل في لبنان لقرابة عشرين سنةً، ولم تخرج من جنوب لبنان إلا في عام 2000 حين انسحبت إسرائيل وأعوانها نهائياً.
لم يلبث «حزب الله» اللبناني أن بدأ يجهز نفسه للسيطرة على الدولة اللبنانية برمتها، سياسياً وعسكرياً، خاصة بعد اغتال رفيق الحريري في 2005 واستمرت سلسلة الاغتيالات والتصفيات، وفي العام 2006 ارتكب الحزب «مغامرة غير محسوبة العواقب» باختطاف وأسر جنديين إسرائيليين، وكما يجري في غزة اليوم بعد 7 أكتوبر والتدمير الإسرائيلي الشامل لغزة، فقد ردت إسرائيل حينها بقصف مكثفٍ للبنان وجنوبه وشرقه جواً وبحراً، وبدل العنتريات أخذ الأمين العام للحزب يستجدي الدول العربية التي لطالما ناصبها العداء أن تحميه وتحمي لبنان من هذه الحرب الإسرائيلية غير المتكافئة.
ليس ثمة شكٌ في أن إسرائيل تعرف الميليشيات الطائفية في المنطقة أكثر بكثير من أميركا، في لبنان والعراق واليمن وسوريا، وهي حين تواجهها تكون ضرباتها قاسية وموجعة وليست مثل الضربات الأميركية الناعمة التي لا تقتل أحداً ولا تصيب شيئاً، كما جرى في الرد على بعض الميليشيات في العراق قبل أشهرٍ بعد الهجوم على القاعدة الأميركية في سوريا على حدود الأردن.
لا تخطئ العين - أيضاً - اختلاف سياسة أميركا تجاه جماعات وميليشيات الإرهاب الطائفي في المنطقة، فهي تغض الطرف عنها حين تتحرك ضد الدول العربية وتستهدف أمنها واستقرارها خدمةً لأجندة إقليمية معادية للعرب، ولكن هذه الجماعات أو الميليشيات حين تتعرض لإسرائيل فإن أميركا تدعم إعلان الحرب ضدها وتدعم إسرائيل في ضربها بشكل قاسٍ يشمل قتل المدنيين وتدمير المدن. ومن أغرب ما جرى في مثل هذه الظروف أن تتراجع «الجامعة العربية» عن تصنيفها «حزب الله اللبناني» منظمة إرهابيةً، وكأن الأزمات أو الحروب تغير من واقع هذه الجماعات والأحزاب والميليشيات، وهو موقفٌ يدخل بوضوحٍ في النقد الدائم للجامعة العربية بوجوب تطوير آلياتها وتجديد مؤسساتها ومنحها مصداقية أكبر لدى الشعوب العربية.
ما زال بنيامين نتنياهو يهدد ويتوعد، ووزير دفاعه يوآف غالانت يقول: «لا نريد الدخول في حرب، لأنها ليست في مصلحة إسرائيل، لدينا الإمكانية لإعادة لبنان إلى العصر الحجري، لكننا لا نريد القيام بذلك» وأكثر من يعلم قدرات إسرائيل العسكرية هو حزب الله نفسه. أخيراً، فلا أحد يرغب في الحرب، ولا وقوع مضرة للبنان بأي شكلٍ من الأشكال، ولكن الحقيقة أن الدولة اللبنانية مختطفة وقرارها ليس بيدها، وكما جرى من قبل فمن الممكن أن تجرّ البلاد إلى حربٍ مدمرةٍ لرغبة الحزب في تنفيذ أجندةٍ إقليمية.