بقلم : فهد سليمان الشقيران
شهدنا في الأيام الماضية ملحمة «تيك توك» العالمية، من خلال صراعات واتهامات، حيث تشابكت الأفكار الاقتصادية، مع التطاحن السياسي، مع التزاحم على النقاش الأخلاقي. ما يهمني في هذه المقالة الجانب الأخير، والحقّ أن موضوع التقنيات وحمولتها الأخلاقية نقاشها قديم سواء على مستوى التقنيات العسكرية، أو الطبية، والهندسية، أو التقنيات التواصلية التي أدمنها الإنسان اليوم. والنقاش عن «تيك توك» والقيم يوحي إليك وكأن شبكة الإنترنت كلها مكتبات، وفلسفات، وصلوات، وتراتيل وقداس، بل يمثل الإنترنت كل التشوّه الذي وصلت إليه الإنسانية، ووصفها بالتشوه لا يعني ضرورة منعها، وإنما أعني أنها تشبه ناقديها، لأنهم ينتقدون الشيء ويستعملونه ويدمنونه.
أقترح أن نناقش مفهوم «القيم» بالمعنى الفلسفي، وهنا أحيل إلى أفكارٍ مهمة في موسوعة ستانفورد تم درس: «فلسفة التقنية»، وكتب المبحث: مارتن فرانسين، وغيرت جان لوخرست، و«آيبو فان بول» وترجمه:«مالك آل فتيل».
تشير الموسوعة إلى أنه لطالما كانت المسؤولية موضوعاً رئيسياً في أخلاقيات التقنية. ومع ذلك، كانت الفلسفة التقليدية وأخلاقيات التقنية تميل إلى مناقشة المسؤولية بعبارات عامة وكانت متشائمة إلى حد ما بشأن إمكانية تحميل المهندسين المسؤولية عن التقنيات التي طوروها. وصف «إلول»، على سبيل المثال، المهندسين بأنهم كبار كهنة التقنية، الذين يعتزُّون بالتقنية ولكن لا يمكنهم توجيهها. جادل هانز جوناس بأن التقنية تتطلب أخلاقاً تكون المسؤولية هي الإلزام المركزي فيها، لأننا لأول مرة في التاريخ أصبحنا قادرين على تدمير الأرض والبشرية.
وأهم ما في المبحث انتقاد بعض الكتب كثرة التركيز على المخاطر في أخلاقيات التقنية، فبعضهم يرى أننا غالباً ما نفتقر إلى المعرفة لتقييم أخطار التقنية الجديدة بشكل موثوق قبل أن تدخل حيز الاستخدام. غالباً ما لا نعرف احتمالية حدوث خطأ ما، وأحياناً لا نعرف، أو على الأقل لا نعرف تماماً، ما الذي قد يحدث وما هي العواقب السلبية المحتملة. للتعامل مع هذا الانتقاد اقترح بعضهم تصور إدخال التقنية الجديدة في المجتمع كتجربة اجتماعية، وحثوا على التفكير في الظروف التي تكون فيها مثل هذه التجارب مقبولة. هناك مجال آخر من الانتقادات ينص على أن التركيز على المخاطر أدى إلى تقليل تأثيرات التقنية التي أُخِذت في الاعتبار فقط كالتأثيرات المتعلقة بالسلامة والصحة، بينما تم تجاهل التأثيرات «الناعمة»، ذات الطبيعة الاجتماعية أو النفسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجفيف التقييم الأخلاقي للتقنيات الجديدة.
الخلاصة، أن معركة «تيك توك» أخذت منحى قوياً لوضع التطبيق ضمن المعايير الأخلاقية، والدراسة القيمية، لاشك أن التنازع على الدنيا قلل من حضور القيم في الحياة اليومية، حتى وصف البعض النقاش في القيم له سحره مثل النقاش في الوجود، ولكن كل ذلك لا يعني أن نتعامل مع التطبيقات بوصفها وسائل تربوية، بل هي شظايا تأتي ضمن التسليع العام للأفكار والوقت والأشكال والأنماط، وهذا موضوع إشكالي يطول شرحه.