بقلم : فهد سليمان الشقيران
من الطبيعي أن يعود الجدل حالياً، وبشكلٍ مكثّف حول معنى العدالة الذي ارتبط كثيراً بمفهوم الدولة والتعاقدية الاجتماعية. مفهوم العدالة تطوّر كثيراً منذ حالة الطبيعة التي كان عليها الإنسان بوصفه وحشاً على أخيه، حتى يومنا هذا. ماعادت المفاهيم المتعلّقة بالعدالة ثابتة. ولو تأملنا بمفهوم العقد الاجتماعي منذ توماس هوبز إلى لوك مروراً بكانط وهيغل، ووصولاً إلى صاحب التعديل الأهم على مفهوم العدالة جون رولز لوجدنا التطوّر بمفهوم العدالة، تبعاً للحقب التاريخية.
هذا الأسبوع قرأتُ مقالتين نشرتا حول الفيلسوف روبرت نوزك، وتحديداً عن نظريته في مفهوم العدالة، الأولى للدكتور عبدالله المطيري والثانية للأستاذة ندى حطيط، وسأعرض لأبرز نقاطهما، ثم أعلّق. الصديق عبدالله انطلق من المقارنة بين نوزك ورولز، وجمع بينهما بهذه الفقرة من المقال حين قال:«لابد من ذكر أن نوزك ورولز ينتميان لمنهج فلسفي واحد وهو المنهج التحليلي. المنهجية التحليلية قائمة على المحاجات الدقيقة والواضحة.
معايير المحاججة الأفضل داخل هذه المدرسة يمكن إجمالها في التالي: الاتساق المنطقي، حل المشكلة ذات العلاقة، الواقعية، الوضوح والدقة، وأخيراً تجنب المصادرات والافتراضات التي لا يمكن البرهنة عليها قدر الإمكان. نقطة اتفاق أخرى بين نوزك ورولز هي أنهما ينتميان لمدرسة العقد الاجتماعي، بمعنى أنهما ينظران لسلطة الدولة على أنها نتيجة لعقد اجتماعي بين جماعة من الناس، وأن هذا العقد هو ما يجعل هذه السلطة شرعية. الخلاف سينتج حول الاشتراطات التي ستجعل هذا العقد عادلاً».
لكن كيف قارن بين الفيلسوفين بنقاط الاتفاق والاختلاف؟! يجب عبدالله بأن :«نوزك فيلسوف تحرري بمعنى أن ينطلق من الحرية الفردية كمبدأ أولي للحق الإنساني. هذه النقطة يتفق فيها مع رولز، ولكن الخلاف يأتي حول منظور العدالة تجاه توزيع الثروات والممتلكات. رولز ينطلق من مبدأ إخضاع توزيع الثروات العامة والمناصب الرسمية لمبادئ العدالة ونوزك ينطلق من مفهوم استحقاق التملك، أي أن حق التملك داخل ضمن حرية الفرد الأساسية».
بينما ندى حطيط ربطت نظرية نوزك بالحالة الترامبية الصاعدة، منطلقةً من مايعرف بـ«مشروع 2025: تكليف بالقيادة، الوعد المحافظ»؛ الذي يجمل خطة عمل متكاملة تستهدف تركيز السلطات الفيدرالية في الولايات المتحدة بأيدي فئة قليلة من النافذين، وقرأتْه الأستاذة من زاوية سياسية وفلسفي، إذ ترى أن:« أفكار نوزيك الفلسفية لا بدّ منها لفهم الترمبيّة التي بحكم ارتباطها بمشروع سياسي فلسفي متكامل قد لا تنتهي بولاية ترمب الثانية، بل تستمر بعده». الخلاصة؛ أن تحوّل النظام العالمي، وربما تغيّره بالتأكيد سيجرف ويجدد ويحوّر العديد من المفاهيم السياسية والفلسفية، وعلى رأسها مفهوم العدالة الذي أخذ منحىً أيديولوجياً في نصف القرن الماضي بسبب توظيفه انتخابياً وسياسياً، بل وعسكرياً.
حين نناقش مثل هذه المفاهيم حالياً علينا أن نتسلّج بتحليلٍ متجاوز للتعريفات القديمة، فلكل مرحلةٍ مفهومها العدلي بالمعنيين الفلسفي والسياسي على حدٍ سواء؛ هذا أساسي لدى المهتمين بالفلسفات السياسية اليوم في العالم، ولو اتسع المجال لعرضت نظرية ريتشارد رورتي حول هذا المفهوم في نظرية «عالم ما بعد الميتافيزيقا».