بقلم : فهد سليمان الشقيران
ما نعيشه اليوم من انفلاتٍ محتدمٍ في المنطقة ضد مفاهيم أساسية في العلوم السياسية والمباني القانونية، إنما يعبّر عن تأثير هشاشة الدول على الاستقرار العام. خطر الدول الهشة ليس على شعوبها فقط وإنما تؤثر بهذا التفكك على سائر الدول المحيطة، إلا إن أخذنا الحيطة والحذر.
وفي سبيل ذلك لابد من تمتين مفهوم الدولة سياسياً وقانونياً واجتماعياً، وعدم السماح للأفكار الأيديولوجية الرجعية بالنفاذ إلى ذهن أجيالنا، وبالأخص علينا نحن في دول الخليج التي تعيش قمة ازدهارها ونمائها وجمالها على كافة المستويات، ونحن محسودون على هذه النعمة من القريب قبل البعيد، ونعلم أن المتآمرين كثر ولكن نحن محميون بفضل قادةٍ كبار يعرفون كيف يقودون السفينة إلى برّ الأمان.
في دولنا نحن نسير يومياً نحو سياساتٍ تعليمية تنموية، تتجاوب مع العصر وحداثاته ومستجداته وحيويّته، ولا يوجد لها مثيلٌ في الإقليم بفضل القيادات التي تعي ماذا يناسب الفرد، فتؤهله ليكون في المستقبل بارعاً في عقله، ومفيداً لوطنه، ومستفيداً من تعليمه، ومن ثم يخوض غمار المرحلة العمليّة الأساسية التي بناها التعليم لها، ورسخها وطنه من أجله.
لقد حاول البعض قبل عقود أن يخترق هذا الصرح التعليمي بغية بثّ أيديولوجيات خطيرة كلها ضد مفهوم الدولة، ولكن الوعي السياسي قاوم هذه الهجمات واستطاع أن يؤسس لمسارٍ تعليمي حديث يجمع بين الأصالة الطيبة المأخوذة من تراث الوطن وشعره وزيّه ورسمه، وبين التجاوب مع العلوم الحديثة كلها سواءٌ على المستوى الفلسفي أو العلوم الطبيعية البحتة، وهذه المعادلة هي التي نجحت. نرى أبناءنا وبناتنا في ذروة تعليمهم وهم يعتزّون بتراث أرضهم ولهجتهم ويتناغمون مع بيئتهم، وفي نفس الوقت يتعلّمون أحدث النظريات، وهم شجعان في دراسة العلم بكل مستجداته التي تتطور يومياً؛ وآية ذلك موضوع الذكاء الاصطناعي الذي تتقدّم فيه الإمارات بقوّة على مستوى العالم، هذا فضلاً عن علوم الفضاء وإنجازات الإمارات التاريخية في هذا العلم.
لماذا أقول كل هذا التفصيل؟
آتي به لأوضح لمجتمعاتنا المتفوّقة الفرق الشاسع بين ما ننعم به من تعليمٍ وطبابةٍ وأمنٍ ورخاءٍ وبين ما يجري بالإقليم من حروبٍ وويلاتٍ ومآسٍ كبار، راح ضحيتها شعوب مغلوبة على أمرها، وأن الهدف الأساسي من الخطاب الأصولي الصاعد محاولة التشغيب والتشكيك في دولنا التنموية العادلة التي تقوم بالحق، وتسعى إلى العدل وتؤسس كل سياساتها على أسس التنمية والعلم والعمل والرحمة والإنسانية.
هذا ليس كلاماً إنشائياً بل نابعٌ من حرصٍ أصيلٍ على ما أنجزناه عبر السنين، يجب أن لا نسمح للمغرضين بأن يؤثروا على تصوراتنا الوطنية. ثمة دراسات قامت بها مراكز بحوثٍ رصينة تتحدث عن دور الأصوليين بالتظليل، وعلى رأسها محاولة «التظليل بالمعرفة»، وهو عنوان كتابٍ مهم أصدره مركز المسبار، وفيه يرصد هذه المحاولات المخادعة من أجل لبس لبوس المعرفة للتغطية على الأفكار الخطيرة المسمومة التي يجب على الجيل أن يتنبّه إليها.
الخلاصة؛ إن المشهد يحتاج إلى وعينا جميعاً كمجتمعاتٍ آمنة مطمئنة، لنلجم هذا الموج الهائل من محاولات التهييج أو التشغيب، وبخاصةٍ عبر السوشيال ميديا ومنصات التواصل العديدة، إنهم يحاولون ضرب لحمتنا وتفتيت وحدتنا واستهداف أوطاننا ودولنا، ولكنني مطمئن بأنهم لن يحققوا هذا الهدف أبداً.