عشيات وادي اليابس

عشيات وادي اليابس!

عشيات وادي اليابس!

 العرب اليوم -

عشيات وادي اليابس

بقلم - صالح القلاب

في مثل هذه الظروف والأوضاع التي قد وصلنا إليها وبتنا نمُر بها، رغم أنوفنا وآذاننا وعيوننا، لا نجد ليس كلنا وإنما بعضنا إلا أنْ نهرب هرولة وأيضاً وزحفاً على الركب والأقفية، وأن نستنجد بأجمل ما تغنى به الراحل الكبير والعظيم حقاً... مصطفى وهبي التل، ببلادنا... وترابها وجبالها وهضابها وشوكها وعقاربها وأفاعيها... وذئابها وثعالبها... وكل شيء!
يقول مصطفى وهبي التل الذي نتمنى لو أنه بقي معنا حتى الآن: يا أُخت رم وكيف رم... وكيف حال بني عطية هل ما تزال هضابهم شُما... وديرتهم عذية... سُقياً لعهدك والحياة كما نؤملها رضية... وتلاع وادي اليتم أيام لم يك للفرنجة أسبقية... آمالهم لا فينا بقية.
كان «عرار» مناهضاً للاستبداد وكان انتماؤه للأرض والطبيعة وكان إخلاصه للحرية... ولقد كان متمرداً «آه ما أحلى التمرد بالحق»، وكانت حياته برية بالفعل، وكان من عشاق الصحراء، لأن الصحراء بالنسبة إليه تعني التحرر وهو قد كان بكل معنى الكلمة ثائراً ليس بالرمح، ولكن بالقرْطاس والقلم... وبالكلمة التي تُفتت الحجارة الصوانية.
اختار هذا الأردني العظيم حقاً اسْمه هذا الذي كان يفتخر، وبات يناديه به الناس من أهل إربد والشام وكل ديرة من هذا الوطن الذي كان موضع اعتزازه... وموضع اعتزازنا نحن أيضاً من قول الشاعر العربي عمرو بن شاس الأسدي في ابنه (عرار):
أرادت عرْعَراً بالهوان ومن يُرد
عرعراً بالهوان لعمري فقد ظلم
ويقول:
يا أُختَ وادٍ قد دعوتك باسمِه
وله نسبتُ تبركاً ديواني
ويقول أيضاً:
قُلْت عني حيث ينحو الحب أنحو...
وحياتي لا تسل عن كنهها... إنها حانٌ وألحانٌ وصدحُ
وأيضاً يقول:
وأماني شبابٌ فاتها
مثلما فات بني الأردن نَجْحُ
وعثارُ الجد قد صيرها
عبرة خرساء هيهات تُسِح
فهي أحياناً بشعْري آهة
وهي أحياناً جوى يُشجي وبرْحُ
وهي طوراً في مغاني قصفهم
عربدات تضحك الثكلى ورَدْحُ
وقيل وكل قول مقبول: إن تجربة بدر شاكر السياب حياة وشعراً ولقاءً، بين عالم يتراجع وآخر يتقدم، آتياً من المستقبل... وتتم هذه التجربة في وسط تُجسد هذا اللقاء وتُعبر عن نفسها بأشكالٍ تُجسد حركة التفتت والنمو في آن... هذا الوسط هو مدينة السندباد «مدينة السراب»، قاحلة الضياع، «أم البُروم» مدينة بلا مطر... لكنها في الوقت نفسه... هي المطر والنهر والبعث فلحظة تبدو ساحات هذه المدينة ودروبها مليئة بالحُفر والعظام... وحدائقها مزروعة برؤوس الناس... والأسوار مضروبة على كل شيء فيها تسمع قطرة همست بها نسمة تقول: «إن هذه المدينة... إن بابل سوف تغسل خطاياها».
يقول أدونيس: «أَمَا كل لحظة أراكِ يا بلادي في صورة، أحملك على جنبي بين دمي وموتى أأنت مقبرة أم وردة... أراكِ أطفالاً يجرجرون أحشاءهم يسجدون للقيد، يلبسون سوط جَلْدِهِ... أمقبرة أمْ وردة؟ قتلتني... قتلت أغنياتي. أأنت مجزرة أم ثورة؟ أحار، أراكِ يا بلادي في صورة... وعني يسأل الضوء ويمضي حاملاً تاريخه المقتول من كوخٍ لكوخٍ علموني أن لي بيتاً كبيتي في أريحا... إن لي في القاهرة إخوة.
كيف استحال العَلمُ قيداً والمدى ناراً وحصاراً، أو ضحية، ألهذا... يرفض التاريخ وجهي؟ ألهذا لا أرى في الأفق شمساً عربية».
إنه بين اليقظة وَهْدأة الحلم تسري سطور أدونيس مترعة بالمشاهد التي تجتزئ من التاريخ صوراً ومن الحياة رسوماً، لتتآلف في مدى خيال القارئ فتشكلا تارة حلماً... وتارة ألماً... وأطواراً تهويمات شاعر يدخل في مدى أحزان هذه الأمة من بوابات الأحاسيس.
وبالطبع فإن ما يقوله أدونيس لا يقوله غيره... وإن من الآخرين من يتوكؤون عليه بدون أن ينسبوه إلى أنفسهم... وكما جرت العادة في بعض الأحيان لدى العرب العاربة وفي أحيان أخرى عند العرب المستعربة... ويقيناً أنني عندما أقرأ في بعض الأحيان ما يزغرد له القلب... أتوقف ليس قليلاً... وإنما كثيراً... وأحك رأسي الذي أصبح مصبوغاً بأبيض الشيب... وأتمتم... أين قرأت هذا يا ترى... من هو صاحبه الفعلي والحقيقي؟!!.
إنه، أي مصطفى، ليس مجرد «تلا» وكفى... إنه الأردن بجباله ووهاده وأوديته... إنه مزمار راع في روابي السلط ووديان إربد... إنه بدوي وابن إحدى قبائلنا التي حافظت على الأرض... وصانت العرض... والتي عندما يغشاها... قاصدون في منتصف الليل... يكون قدرهم مرتاحاً فوق ثلاثة من «الهوادي» التي اعتادت على النهوض بالقدور، وعلى استقبال ضيوف الليل، وعلى إطعام من أوجعهم الجوع لطول الطريق.
ويقيناً أن هذا «التل» الذي وهبه الله لهذا البلد الذي أجمل ما فيه هو أن صحاريه أجمل ما في الكون، وإن عواء ذئابه يأتي استجابة لأنين ربابة ومن توجد ناقة وضحاء غاب عنها «حوارها» الذي كانت تنتظر أن يصبح طوداً لا يستطيع أي «هائج» من الإبل أن ينظر إليه.
لا أحد عشق الروابي الأردنية كما عشقها المتيم وصفي التل، الذي من أجمل ما بقينا نردده عنه هو «العشيات»... أي عشيات وادي اليابس... التي جعلها عشيات أردنية «بدوية»!
ويقيناً إن من أجمل ما سمعته وقرأته وسمعه وقرأه غيري، هو ما كان قاله أدونيس: كيف استحال القلم إلى قيد واستحال المدى إلى نار وحصار وضحية... ولهذا فإنني لا أرى في الأفق شمساً عربية!!.

 

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عشيات وادي اليابس عشيات وادي اليابس



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab