بقلم - صالح القلاب
لا ضرورة بالنسبة للفلسطينيين في مرحلة التحولّات التاريخية هذه أنْ يغامروا في مواجهة هذه التحديّات الراهنة وحدهم، حيث إنّ منطقة الشرق الأوسط وإلى جانبها جهات ومكونات عالمية متعدّدة وكثيرة باتت غير مستقرة إطلاقاً، ولذلك فإنه إنْ لم تتم معالجتها بوعي وهدوءٍ وبعد أفقٍ، فإنّ المؤكّد والواضح وما لا نقاش فيه أنها ستؤدّي حتماً إلى كثير من الإشكالات والارتباكات السياسية تحديداً، وإلى التداخلات الجغرافية، وهذا سيترتّب عليه كفاح وجهد سنواتٍ طويلة... والمعروف أنّ هذا كان قد مرّت به هذه المنطقة خلال مراحل وفتراتٍ سابقة كثيرة.
والمعروف أنّ أبناء منطقتنا هذه، وبخاصة الشرق أوسطية، قد ذاقوا أمَرَّ وأسوأ الويلات، وبخاصة في الفترة العثمانية التي كانت قد سبقتها عهودٌ استعمارية متلاحقة قد انتهت إلى ما انتهت إليه، وحيث إنّ الفلسطينيين بصورة عامة قد وجدوا أنفسهم مشرّدين في وطنهم، بل إنهم قد باتوا بلا وطنٍ ومنثورين، ليس في أقطار العالم العربي فقط، بل في العالم القريب والبعيد كله، ومن الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، وإلى كل مكانٍ وبقعة في الكرة الأرضية.
لقد كانت هناك تلك الجريمة التاريخية التي لا تزال مستمرة ومتواصلة حتى الآن... والواضح أنّ استمرارها هذا لن يتوقف إنْ لم تستجدْ أوضاعٌ فلسطينية غير هذه الأوضاع التي هي شكليّة، وتصبح هناك وحدة لمجموعات «الشتات» المتعدّدة في أربع رياح الكرة الأرضية. هذا بالإضافة إلى الضفة الغربية التي يحاول محمود عباس (أبو مازن) العمل عليها، الذي هو - أطال الله عمره - باقي من تبقى من رفاق المسيرة الفلسطينية العسيرة، حيث الرموز الأوائل للثورة الفلسطينية قد تلاحقوا «استشهاداً»... وبالطبع، فإنّ آخرهم القائد الكبير ياسر عرفات (أبو عمار) الذي قال لي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: «لقد قدروا عليّ... يا حبيبي».
وهكذا، فإن الرئيس محمود عباس الذي كان أحد كبار القادة التاريخيين، الذين كانوا في فترة الظلام العربي الدامس قد أشعلوا نار الثورة الفلسطينية، يواجه تحديّات تاريخية كثيرة في هذه المرحلة، فالشعب الفلسطيني في حقيقة الأمر ليس موحداً، وهو تتناهشه جهاتٌ كثيرة، وهناك بالإضافة إلى باقي ما تبقى من التشكيلات «الحزبية» حركة القوميين العرب كأحد الأمثلة، وهناك حركة «حماس»... التي هي تنظيمٌ إخوانيٌ (الإخوان المسلمين)، الذي يرفض رفضاً قاطعاً التخلّي عن «إخوانيته» والالتحاق بمنظمة التحرير الفلسطينية، وحقيقة هذه المشكلة معقدة وخطيرة، وستبقى تواجه مسيرة الشعب الفلسطيني الذي كما هو معروف هناك محاولات شديدة التعقيد لتوحيده سياسياً... وأيضاً جغرافياً... وكل شيء!!
ولذلك وعليه فإنه لا بدَّ من إعادة النظر في الوضع الفلسطيني بأسره، ولا يجوز الاستمرار في التغني بالوحدة الوطنية، بدون أن تكون هناك وحدة وطنية فعلية وفاعلة، وبدون أن تكون هناك تنظيمات تواصل ارتباطها التنظيمي والسياسي ببعض الأنظمة... وأيضاً ببعض الجهات الكونية، كما يتردد ويقال بأصواتٍ عالية ومرتفعة «لا تسرُّ الصديق ولا تغيظُ العدا»، وهنا ومرة أخرى... والبعض يقول وثالثة ورابعة وألفاً، إنّ هذا الواقع المؤلم ليست نهايته قريبة، ما دامت هذه الأوضاع العربية الحالية ستبقى بصورة عامة على ما هي عليه، وما دام الانحياز الكونّي في حقيقة الأمر لم يشهد متغيّرات فعلية في هذا المجال، وأنّ ما يقال للشعب الفلسطيني لا يزال في الحقيقة مجرد كلامٍ في كلام.
ولعلّ ما يؤكّد هذا كله هو أنّ الذين لم تتوقف مساندتهم للإسرائيليين بل للصهاينة والحركة الصهيونية، قد استقدموا متواطئاً تركي الأصل هو نفتالي بنيت ليصبح رئيس وزراء لإسرائيل، وهذه مسألة لا تزال تثير إشكالات كثيرة ولا يزال هناك من يردّد ويقول إنّ هذا هو الوحيد الذي تخلّى عن أصوله التركية والتحق بالإسرائيليين وبالدولة الصهيونية!!
وهكذا وعليه فإنّ الشعب الفلسطيني قد وجد نفسه مشرداً كما سبق الإشارة إليه، ووجد نفسه عملياً وفعلياً بدون وطنه بعدما كانت هناك مؤامرة إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين، حيث المدينة المقدسة، ومن ضمنها قبة الصخرة المشرفة، وأيضاً كنيسة القيامة التي يقابل مدخلها الرئيسي مباشرة مسجد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قد أصبحت مهدّدة بهيمنة إسرائيلية، إنْ مباشرة وإنْ غير مباشرة!!
وهذا يعني أنه غيرُ جائز ولا مقبول وطنياً ولا قومياً... ولا دينياً أيضاً ولا إسلامياً ولا مسيحياً، أن يبقى الوضع الفلسطيني في هذه الوضعية «المململة» التي هو عليها الآن، وأن يصبح قطاع غزة ولاية لحركة «حماس» الإخوانية وحدها، وذلك مع بعض «الرتوش التجميلية»، وحيث ما يعتبر مجموعات الشتات المتعدّدة المنثورة في أربع رياح العالم العربي هو في حقيقة الأمر مجرد تنظيمات وفصائل شكلية، بعضها مجرد أسماء بلا مسميات، وهنا لا ضرورة لذكر هذه الأسماء تفادياً لإغضاب رفاق الأمس الذين كان على رأسهم بعض القيادات اليسارية ذات المكانة الفلسطينية العربية والدولية المعروفة والمحترمة... وأيضاً المرموقة.
ثمّ مرة أخرى وليس أخيرة فإنّه لا توجد ضرورة ملحة ومطلوبة في هذه المرحلة الحاسمة فعلاً كما هي الوحدة الوطنية بكل فصائلها وتشكيلاتها؛ فقضية فلسطين قد باتت تواجه خيارات حاسمة وصعبة بالفعل حقاً وحقيقة في هذه المرحلة المصابة بداء الارتباك وفي هذه الفترة التي غدت تشهد تحوّلات تاريخية خطيرة... وهنا فإنه إذا كانت هناك إمكانات فعلية للتعاطي والتنسيق سياسياً وأمنياً... وكل شيء مع حركة «حماس» التي هي «الإخوان المسلمون» الفعليّون... حقاً وحقيقة، وإن كانوا يختبئون كلامياً كما يختبئ المصاب بداء الجدري وراء إصبعه!!
وعليه وفي النهاية وحقيقة، لا نهاية لهذه المسألة الاستراتيجية الخطيرة الفلسطينية والعربية فعلياً، فإنّ ما يجعل الأوضاع أكثر تعقيداً هو أنّ حركة المقاومة الإسلامية عملياً وفعلياً هي «الإخوان المسلمون» الذين ليس لهم أي توجهٍ فعلي نحو فلسطين، والذين كل ما يهمهم ويعملون من أجله هو رسالة تنظيم «الإخوان المسلمين». ورسالة «الإخوان المسلمين» هذه ليست لها أي علاقة بالقضايا العربية التاريخية ولا الحالية... وهذا لا ينطبق على قضية فلسطين، ولم ينطبق أيضاً على قضية الجزائر التي كانت أساسية ورئيسية، وعلى غيرها من القضايا المماثلة الأخرى، ومن بينها القضية الليبية... وحيث إنّ ما يضحك حتى الاستلقاء على الظهر، كما يقول البعض، أنّ هناك من لا يزال يعتقد أن العقيد معمر القذافي لا يزال حياً... وأنّ الذي قتل هو مجردّ شبيهٍ له... وهذا ما تزال تصرُّ عليه الضابطة السابقة في طاقم حراسه السابق، عائشة الفيتوري!!