بقلم:صالح القلاب
كما كان هذا في مراحل تاريخية، بعيدة وقريبة، فإنّ العراق قد كان ولا يزال هو الزاوية الرئيسية في هذه المنطقة وفي الشرق الأوسط كله وفي قلبه العالم العربي، من المحيط إلى الخليج، وهكذا فإنّ كل هذا الذي يدور بالنسبة لبلاد الرافدين يُعْني هذا الإقليم كله، ثمّ وبالإمكان القول والعالم بأسره، على اعتبار أنّ هذا الموقع الاستراتيجي يشكل مستودعاً نفطياً هائلاً ويشكل مرجعية عربية أساسية إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً... وإلى يوم يبعثون كما يقال!!
وعليه، فإنّ ما سلف هو بمثابة مقدمة ضرورية ولازمة للتأكيد على أنّ إيران هذه إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً وفي المراحل كافة والعهود كلها قد بقيت وهي لا تزال تسعى لفرد جناحها «الاحتلالي» على هذا الإقليم الاستراتيجي من العالم العربي، وهنا فإنّ المفترض أنّ هذه التطلعات قد بقيت متواصلة ومتلاحقة على مدى حقب ومراحل التاريخ البعيدة والقريبة... وبالطبع وحتى الآن.
وتجب الإشارة هنا، لا بل والتأكيد على أنّ المقصود تحديداً هو أنّ الأنظمة الإيرانية المتلاحقة، بداية بالفترة الفارسية وحتى الآن وحتى هذا العهد الخميني والخامنئي، قد بقيت تتطلع احتلالياً وإلحاقياً نحو بلاد الرافدين وفي المراحل كلها والعهود بأسرها البعيدة والقريبة، وذلك ومع التأكيد، أولاً وثانياً وثالثاً، على أن هذا الشعب الإيراني العظيم هو شعبٌ شقيقٌ وأنّ هناك تداخلاً حضارياً عربياً وإيرانياً واختلاط دماءٍ شقيقة وأخوية على مدى تاريخ هذه المنطقة كلها.
وبالطبع، فإنّه قد كان هناك أتباع فاعلون للأنظمة التي قد تناوبت على حكم بلاد الرافدين ومعها بعض الأجزاء من العالم العربي كله، وهذا هو الواقع الحالي وحيث إن تدخل ما يسمى «دولة الولي الفقيه» في الشؤون العربية قد تجاوز الحدود كلها، وأنه لم يعد من الممكن تقبله ولا احتماله.
وهكذا وعلى غرار ما بقي متلاحقاً على مدى حقب التاريخ البعيدة والقريبة فإنه قد برز مؤخراً هذا القائد العراقي، الملهم حقاً والعظيم فعلاً: مقتدى الصدر الذي رفض الانصياع لإرادة معممي إيران، وهذا إنْ بالعمائم السوداء وإن بالعمائم البيضاء، والذي كان قد تمرّد على دولة الولي الفقيه التي لم تعد في هذا العهد الذي تصفه غالبية الشعب الإيراني، ليس الصديق فقط لا بل الشقيق جداً حتى الأخوة، بأنه عهد مارقٌ.
وهنا فإنه يجب التأكيد لا بل والتشديد على أنّ هذا الذي سبق ذكره وتمت الإشارة إليه هو في حقيقة الأمر رأي الشعب الإيراني بأكثريته وغالبيته وليس رأياً عربياً، وعلى أساس أنه ليس من حق أي دولة لا عربية ولا غير عربية أن تتدخل في شؤون دولة أخرى، لا قريبة ولا بعيدة، ولذلك فإنه لا يحقُّ لإيران أن تتدخل في شأنٍ عربي داخلي، حيث إن المعروف والمؤكد أنها تتدخل تدخلاً سافراً في شؤون العديد من الدول العربية.
والواضح والمؤكد أن إيران التي تطلق على نفسها صفة «دولة الولي الفقيه» وذلك إذا كان هذا المشار إليه هو بالفعل ولياً وفقيهاً، والعلم عند الله جل شأنه، وأيضاً عند بعض الناس الذين يعرفون كل هذه الأوضاع الإيرانية عن قرب ومن خلال معاينات لا بل وتجارب طويلة وكثيرة.
والمعروف هنا وهذا إلا لمن لا يريد، قاصداً ومتعمداً، ألا يعرف هو أنّ هؤلاء، الذين لا يزال هناك من يصفهم بـ«الأشقاء» ومع التأكيد على أنّ الشعب الإيراني هو بالفعل، بالنسبة للعرب، شعب شقيق، قد دأبوا على التدخل الشائن في الشؤون العربية، وأنهم قد أرسلوا قواتهم الغازية لتعبر بحر العرب وتحتل، نعم تحتل احتلالاً غاشماً، بعض المناطق العربية المجاورة.
لقد تنبهت إيران، السابقة واللاحقة إلى الأهمية الاستراتيجية للخليج العربي وأيضاً الأهمية الاقتصادية، فبدأت باحتلال منطقة «الأهواز» العربية ثم في فترة دولة «الولي الفقيه» بادرت إلى التمدد تمدداً احتلالياً، حيث إنه قد أصبح من أهم الثوابت السياسية والأمنية والاستراتيجية لـ«الجمهورية الإسلامية»، وضع اليد سياسياً وعسكرياً وكل شيء على أجزاء من الخليج العربي، وإذ إنها وبالإضافة إلى تدخلاتها السابقة في بعض الدول العربية الخليجية قد احتلت كما هو معروف، احتلالاً إلحاقياً ثلاث جزر عربية إماراتية هي: «أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى».
وكذلك فإنّ المعروف لا بل والمؤكد هو أنّ القوات الإيرانية الغازية قد عبرت البحر، بحر العرب، وسيطرت على أجزاء «استراتيجية» في الجهة الغربية منه، وحيث إنه قد كانت هناك مواجهة عربية شجاعة، وذلك رغم أنّ هناك من يقول إن موازين القوة تميل لمصلحة إيران، وهذا في حين أنه كان هناك ولا يزال تصدٍّ عربي شجاع وفاعل من قبل دول المواجهة كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وباقي الدول الخليجية الأخرى التي ثبت ولا يزال يثبت أنها قادرة على المواجهة وإعادة رصاص «دولة الولي الفقيه» إلى نحرها.
إنه لا شك في أنّ إيران «الخمينية» و«الخامنئية» قد حققت بعض الاختراقات في هذه المنطقة، وأنها تدعي أنها قد باتت تسيطر سيطرة احتلالية على عدد من المناطق العربية، وأنّ البحر الأحمر قد أصبح عملياً وفعلياً بحراً لها... وامتداداً حتى مضيق باب المندب وبحر العرب وملامسة بعض المناطق الخليجية!!
ولذلك وفي النهاية، والواضح أنه لا نهاية ما دام أنّ إيران تقوم بكل هذا الذي تقوم به، فإنه لا بد من أن تكون هناك مواجهة عربية فعلية شاملة وحقيقية. إنّ مثل هذه المواجهة قد بدأت فعلاً، وإن راية التصدي لهذا كله قد باتت ترفعها العديد من الدول الخليجية وفي طليعتها حقاً وحقيقة المملكة العربية السعودية، وإلى جانبها ومعها كل هذه الدول الشقيقة.