نزعات الانفصال مقومات الدولة الجاذبة

نزعات الانفصال... مقومات الدولة الجاذبة!

نزعات الانفصال... مقومات الدولة الجاذبة!

 العرب اليوم -

نزعات الانفصال مقومات الدولة الجاذبة

بقلم - زهير الحارثي

ما الذي يدفع أقاليم بعينها نحو الانفصال والاستقلال عن محيطها الأكبر وانتمائها الأصيل؟ الحقيقة أن نزعة الانفصال عن الوطن الأم ليست بالأمر الجديد وإن طفت على السطح وكأنها فيروس ينتقل من مكان لآخر، لا سيما في وجود أرضية وبيئة مناسبة فينمو فيها ويكبر لينتهي به الأمر محققاً الهدف الذي زُرع من أجله. القراءة المحايدة ترى أن هذه القضية أصبحت دولية أكثر من كونها قُطرية نظراً لاهتمام المجتمع الدولي بها لا سيما الدول الكبرى، والسبب كما يبدو يعود لرغبتهم في التأثير على سياقاتها والخشية من تبعاتها.
في عالمنا العربي يحلم البعض بوطن جامع لا سيما في الدول التي تقطنها أقليات ذات عرقيات أو أديان أو مذاهب مختلفة عن انتماء الأغلبية. ليس بالضرورة أن لبّ المشكلة يكمن في المواطن العربي، بقدر ما أنه نتيجة لأسبابها. بعبارة أخرى، ما هو إلا ضحية للنسق الذي يُحكم به. هكذا سلوكيات تكشف عن أن العلاقة بين الدولة والمجتمع يشوبها الكثير من الريبة والاحتقان ما يتولد عنهما فقدان الثقة ونتوءات عدم الاستقرار.
تراكمات المعاناة عبر السنين في بعض البلدان العربية تكشف عن وجود أسباب موضوعية تدفعها للتفكير في اتجاه الانفصال والاستقلال. حالة قد تصل لذروتها واللافت أنه يتزامن معها بالضرورة انسداد للأفق السياسي ما بين المركز والطرف. طبعاً هي مؤشرات على انقسامات عرقية ومذهبية ودينية تتبلور في عالمنا، والأمثلة كثيرة ولم يتوقف الأمر عند العرب بل تجاوزه ليصل لدول ديمقراطية كإسبانيا (مطالبات كتالونيا) والهند (انفصال كشمير) مثلاً أو شمولية كالصين (تايوان) وغيرها من الدول. السبب الرئيسي في حالات هذه الدول هو عدم قدرة النظام الأم على إرساء المقومات الأساسية لوحدة دولة جاذبة رغم الضغوط الخارجية والمطالب الشعبية للمحافظة على النسيج المجتمعي ومخاطر التقسيم. على سبيل المثال، جاء انفصال جنوب السودان كسابقة لافتة في تاريخنا المعاصر، ثم لم تلبث حمم التشظي أن وصلت إلى تضاريس أخرى. إقليم كردستان كان يطالب بحق تقرير المصير لأكراد العراق منذ عقود وقد تحقق له حكم ذاتي في فترة صدام حسين، غير أن سقف المطالب الكردية ارتفع ليقرر استفتاءً شعبياً حول استقلال الإقليم عن دولة العراق. مسوّغات الأكراد لهكذا قرار تستند إلى قناعتهم بأنهم عانوا من التهميش والتجاهل وقد تحملوا كثيراً مطالبين بضرورة مراجعة السياسات. الأكراد يقولون إنه حين التعاطي مع المسألة الكردية من قبل المجتمع الدولي لا يتم النظر لما يعانونه من تغييب وتهميش وانتهاك حقوق، بل ينظرون إليها من زاوية عرقية بحتة وربطها بالعامل الجيوسياسي وتداعياته الأمنية، أي ربط العرق الكردي وعلاقته بالدول الأربع إيران وتركيا وسوريا والعراق. ومع ذلك سيناريو الانفصال يستبعده الكثيرون لعدم قبول المجتمع الدولي لأنه قد يفتح الباب لدعوات الأقليات في أوروبا، فضلاً عن تأثيره على تماسك الدولة القومية. رغم التحرك الكردستاني آنذاك وتسارع الأحداث فإنه كما كان متوقعاً لم تنجح المحاولة الانفصالية وكذلك في كتالونيا، حيث علقت الحكومة الإسبانية الحكم الذاتي فيها استناداً للدستور. نصل لقناعة أنه ومن خلال تراكم التجارب التي عاشتها الشعوب العربية خلال سبعة عقود لم تعد تتحمس لأي ارتباط آيديولوجي، لأن هدفها فقط هو الإمساك بالسلطة كما طرحها القوميون والبعثيون والشيوعيون وحركات الإسلام السياسي.
من الواضح أن تحديات تواجه الدولة الوطنية سببها تأجيل الشروع في الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع أن مواجهة هكذا معوقات تتحقق بإرادة سياسية قادرة على إحداث تغيير لا سيما في غياب المؤسسات الدستورية وضعف مؤسسات المجتمع المدني.
هذه العوائق ما لم تعالج سوف تدفع باتجاه الاحتراب والنزاعات الحزبية والفكرية، وبالتالي من الطبيعي أن يحدث الافتراق. لم يعد خافياً أن ما يعوق عملية التحول الديمقراطي في المرحلة الانتقالية للدول العربية هو الانقسام الحاد، إن كان ما بين القوى الإسلامية والقوى الليبرالية، أو حتى بين المذاهب الإسلامية ذاتها، واتضح أن ما يُطرح من شعارات كلها هلامية وربما خادعة وهي تعبر عن مصلحة فئوية لهذا الفريق أو ذاك.
حتى تهضم عملية التحول الديمقراطي لا بد من توفر ظروف ملائمة للنهوض، وفق رؤية المفكر هشام جعيط، من إصلاح ديني وتحديث صناعي وتقني وتنوير فكري واجتماعي. غير أن القلق المتنامي يدور حول إشكالية قد تعرقل أي تقدم نهضوي تتمثل في الصراع المذهبي والصراع الطائفي اللذين استشريا في الجسد العربي، علاوة على ترسيخ العدالة الاجتماعية، ناهيك عن عدم تأسيس فكرة المواطنة التي تكرّس التسامي فوق الاختلاف وتعزز التعايش.
الحلول لهذه المعضلة تكمن في تراجع هذه الدول عن سياساتها ولعل الكونفدرالية أو حتى الفيدرالية تبقى حلاً ناجعاً لإشكالية هذه الأقليات وقد ينجح في اليمن وليبيا أيضاً لأنها مجتمعات قبلية ما يعني المحافظة على وحدة الدولة وعدم انهيارها لمفهوم الدولة الفاشلة. الملاحظ أن بعض الأطراف الخارجية تستغل قضايا الأقليات، والدول الكبرى المؤثرة تتعاطى مع هذا الملف وفقاً لمصالحها الاستراتيجية، ما يفسّر لنا حساسية المجتمع الدولي من حركات الانفصال.
نحن أمام حالة اجتماعية أو لنقل أنثروبولوجية وهي نتيجة ضعف المشروع التنموي وعدم تأسيس دولة المواطنة، ما أوصل الأمور لهذه الحال، ولا نملك بلورة سحرية للتنبؤ ولكن وفق المعطيات الراهنة قد تتشكل صور انشطارية في القادم من الأيام.

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نزعات الانفصال مقومات الدولة الجاذبة نزعات الانفصال مقومات الدولة الجاذبة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab