بقلم - زهير الحارثي
خلال مؤتمر ميونيخ للأمن سئل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، عن الأزمة اللبنانية، وكان لافتاً في إجابته الموضوعية والعقلانية، واضعاً النقاط على الحروف وواصفاً واقع الحال وما الذي يمكن القيام به ليتجاوز لبنان محنته.قال الوزير إن على لبنان أن يقدم إشارات أقوى على جديته في الإصلاح من أجل الحصول على دعم المجتمع الدولي بينما يواجه أزمة مالية. وأضاف أن «لبنان يحتاج أولاً إلى التحرك بهمّة لإنقاذ نفسه... نحتاج إلى إشارة أقوى من النخبة السياسية اللبنانية على أنهم يتحركون بجدية»، مشيراً إلى أن ذلك يتضمن العمل من أجل دعم الاقتصاد واستقراره ومعالجة قضايا الفساد وسوء الإدارة وكذلك «التدخل الإقليمي وفقدان سيادة الدولة».
لفت الأمير فيصل بن فرحان إلى إمكانية «دعوة الدول الإقليمية إلى تقديم كل أشكال الدعم» في حال «كانت هناك مبادرة حقيقية لإصلاح الهيكل الاقتصادي وإصلاح هيكل الحكم وإصلاح الطريقة التي يدار بها الاقتصاد»، موضحاً طبيعة الدعم في ثلاثة أنواع منها الاقتصادي والتقني فضلاً على مساعدات تنموية. كان دقيقاً عندما قال إن «العلاج قصير المدى» لن يفيد لبنان. وهو مُحقّ في ذلك لأننا نتحدث هنا عن دولة تعاني من أزمة مالية طاحنة وديون عامة بدليل فقدان العملة المحلية 90% من قيمتها.
هذه رؤية مسؤول خليجي محبّ للبنان ويضع تصوراً محدداً وواضحاً من أجل الخروج من النفق المظلم. كشف الخلل المؤسسي بوضوح ووضع الكرة في ملعب القيادات والزعامات اللبنانية، ولم يطرح شعارات أو كلاماً مرسلاً وإنما ركز على الفجوة التي أحدثت الإشكالية والتي هي بحاجة للردم، ما يعني أن المسكنات لم تعد مجدية في الوضع اللبناني، بل الحل الجذري الذي يعالج الأخطاء المتراكمة. الحديث ليس منمقاً ولا مستهلكاً ولم يأتِ تبريراً لموقف معين، بل تشريحاً للحالة اللبنانية ووضع نقاط الحل للأزمة المعقدة، وهي في نهاية المطاف تحتاج إلى حالة من استشعار المسؤولية وتوفر إرادة سياسية جادة للمضي قدماً في مسار الخروج من الدائرة المفرغة التي لا تصل إلى أي مكان. لبنان ومنذ استقلاله عانى من إشكالية بنيوية عضوية في تركيبته السياسية ما جعله ساحة مفتوحة للتجاذبات الدولية والإقليمية. غير أن الجديد في الحالة اللبنانية اليوم أنها أصبحت نموذجاً تم استنساخه في دول عربية أخرى للتأثير على القرار السياسي وإخضاعه بقوة سلاح الميليشيا التي تستقوي بقوى إقليمية.
أتساءل بصراحة: كيف للبنان أن يصبح دولة طبيعية وقراره السياسي مصادَر؟ فعلى سبيل المثال «حزب الله» ومنذ عقدين ما زال يمعن في ممارساته ضد ترسيخ السلم الأهلي بدليل رفضه مناقشة ملف السلاح والاستراتيجية الدفاعية علاوة على ضربه باتفاق بعبدا عرض الحائط الذي ينص على «سياسة النأي بالنفس»، ما يدلل على أنه أصلاً لا يعترف بشرعية الدولة ومرجعيتها في ظل خنوعه المستميت لأوامر طهران، وهنا يكمن جذر المشكلة إن أردنا الحقيقة. «حزب الله» منوط به دور يتمثل في تخريب علاقات لبنان العربية تنفيذاً لأوامر إيرانية، والهدف هو إثارة الفتن في مجتمعات المنطقة. إيران يزعجها الدور السعودي الإيجابي في لبنان وتحاول عرقلته بأي شكل من الأشكال لأنها موقنة أن للرياض مواقف تاريخية ومشهودة كمبادراتها الدائمة للتقريب بين اللبنانيين.
السعودية على الدوام كانت إلى جانب لبنان مادياً ومعنوياً، ودعمت جميع اللبنانيين من خلال إعمار لبنان وتحقيق المصالحة السياسية من دون تمييز، ويكفي أن نذكر اتفاق الطائف (مدينة في السعودية اجتمعت فيها كل القوى السياسية بوساطة سعودية وصدرت فيها وثيقة الوفاق الوطني التي أنهت الحرب الأهلية).
كما نجحت السعودية في تجنيب لبنان الانجرار إلى حرب أهلية أخرى، ورغم أنها تعرضت لحملة شعواء ولافتراءات من البعض في فترات ومراحل معينة، فإنها قابلت تلك الإساءات بالصبر والحلم، وبقيت على مسافة واحدة من الجميع، لأن مرادها هو أن ترى لبنان مستقلاً آمناً ذا سيادة.
غير أن الإساءة إلى السعودية وتشويهها أصبح هدف البعض بدليل محاولاتهم صبّ مزيد من الزيت على النار، فبعد مواجهتها للمشروع الإيراني وتحجيمه في لبنان والعراق واليمن فإنه لا غرابة أن نشهد مغالاة في الخصومة وأسلوباً إعلامياً رخيصاً وترتيب تجمعات وخطابات معادية ضد السعودية. حملات متوالية وبألوان طيف واحدة على السعودية في الإعلام التقليدي والسوشيال ميديا مموّلة من تلك الأطراف. ولذلك للصبر حدود كما يقال، وقد بلغ السيل الزبى، ما دفع القيادة السعودية قبل أشهر لاتخاذ القرار المناسب، وقد كان.
ورغم أخطاء بعض القوى السياسية في لبنان وتجاوزاتها تجاه دول الخليج خصوصاً من «حزب الله»، فإن القلب الخليجي ما زال ينبض بالوحدة العربية والوقوف مع الأخ والشقيق في دولة لبنان رغم أفعال الفئة والطابور الخامس، بدليل زيارة وزير خارجية الكويت الذي ذهب ممثلاً لدول الخليج ومبادراً لبحث الأزمة وإيجاد مخارج لها. ليس سراً أن لبنان قد دخل فعلاً في منزلق خطير غير مسبوق، فالمحصلة لا دولة ولا سيادة ولا هيكل مؤسسات ولا اقتصاد وإنما أجواء صراع وتردي معيشة وعزلة خانقة. الحل ببساطة يكمن في وثبة وطنية لبنانية من الشعب والزعامات الوطنية تغلِّب مصلحة الوطن على أي شيء آخر. نعم من المهم أن يتحرك لبنان من أجل أن ينقذ نفسه ولا شيء غير ذلك.