آفة العصر عقائد هوياتية قاتلة ومتقاتلة

آفة العصر: عقائد هوياتية قاتلة ومتقاتلة

آفة العصر: عقائد هوياتية قاتلة ومتقاتلة

 العرب اليوم -

آفة العصر عقائد هوياتية قاتلة ومتقاتلة

بقلم :ناصيف حتّي*

إحدى أهم سمات النظام العالمي الذي يتشكل، ولم يستقر بعد في بنيته النهائية (طبيعته القطبية) وكذلك في قواعده وأنماط تفاعلاته وأعرافه أن العقائد الهوياتية المتشددة قد استقرت كعنصر أساسي في هذا النظام بديلا عن العقائد الاستراتيجية التي تراجعت أهميتها ودورها بعد عقود ثلاثة من نهاية الحرب الباردة. انتهى «الشرق» وأصيب «الغرب» بالوهن والضعف، ولو استمر ولكن دون التماسك القوي والفاعل لغياب العدو المهدد لمصالحه الاستراتيجية. فالطرق السريعة والضاغطة للاندماج التي شكلتها العولمة همشت الكثيرين ودفعتهم إلى جانب الطريق. كذلك أحدثت العولمة المتسارعة تداعيات كبيرة في كافة المجالات والقضايا. وساهمت في خلط الكثير من الأوراق وفي إحداث تحالفات بالقطعة بين مختلف القوى الدولية المستقرة والصاعدة والعائدة والمتراجعة. في هذا السياق، شاهدنا انبعاث الآيديولوجيات الهوياتية في كافة بقاع العالم... كلها تعبر عن الانتماءات الأولية من وطنية ودينية ومذهبية وإثنية وعرقية ومناطقية. ما يجمع بين مجملها خطاب شعبوي، تبسيطي، اختزالي تقوى جاذبيته كلما يكون الطرف الموجه إليه، والذي يدعي صاحب الخطاب العمل على إنقاذه عبر ترجمة هذا الخطاب إلى واقع، مأزوما أيا كانت مسببات الأزمة أو درجاتها. نرى ذلك في حركات أصولية دينية أو عنصرية ترفض الآخر وتقوم على أبلسة ذلك الآخر... المشترك أيضاً بين كافة الآيديولوجيات الحاملة لهذا الخطاب أنها تعبّر عن مخاوف من تخاطبهم وتعد عادة بحلول غير واقعية أو غير ممكنة. ولكن لا تقدم الحلول العملية للمشكلة التي تدعي أنها تحمل علاجها. فخطاب الكراهية والفوبيا والاستعلاء والقطيعة والصدام مع الآخر لا يحمل جوابا واقعيا وممكنا لعلاج المسببات الفعلية لمشكلات أو مخاوف يعيشها أكثر من يتبنى أو ينجذب إلى هذه الدعوات باسم هوية معينة. إنه خطاب يدعو للتقاتل مع الآخر أو للقطيعة معه أو إلى اعتبار الحل الممكن والوحيد للخلاص بإخضاع ذلك الآخر في النظام الدولي. بالأمس كان الصراع حول الدول وإدخالها بشكل أو بآخر في هذا الحلف أو ذلك التحالف. خفّت حدة تلك اللعبة في عالم اليوم بشكل كبير للأسباب التي أشرنا إليها ولو أنها لم تنته. وصارت «اللعبة» اليوم بشكل عام في العديد من الدول وفي مجتمعاتها بين عقائد تعبر عنها أو تحملها حركات في كثير من الحالات عابرة للدول لطبيعة الهوية التي تحملها، أو ضمن المجتمع ذاته بين هويات متقاتلة ومتشددة تدعو للقطيعة أو للانغلاق أو لإخضاع الآخر. أسباب عديدة ساهمت في إحياء العقائد الهوياتية بهذه الحدة والتشدد، منها الشعور بالتهميش عند الكثيرين، ولو أن رد الفعل قد يكون مختلفا وفي مجالات عديدة. الشعور بالتهميش الذي قد تكون مسبباته في السياسة أو في الاقتصاد أو في الاجتماع والتي أتت به أو ساهمت بشكل كبير في بلورته، انعكاسات العولمة وتداعياتها وخاصةً عبر الأزمات المختلفة التي شهدتها وتشهدها العديد من المجتمعات. من مسببات ذلك أيضاً النزاعات والحروب وغياب الاستقرار في مجتمعات متعددة وكذلك التغيرات المناخية الحادة والتصحر وتداعياتها على الاقتصاد والاجتماع، والتي شكلت وتشكل كلها عناصر طاردة للسكان نحو المجتمعات التي تنعم بالاستقرار. فالهجرة غير الشرعية هي أحد العناصر التي تساهم عبر خطاب معين في تأجيج مشاعر الخوف على الهوية وعلى الاقتصاد في الدول المستقبلة. كما تساهم في تعزيز خطاب الكراهية عند بعض قطاعات الرأي العام لتحميل مسؤولية أزمة اقتصادية معينة على «الآخر» الغريب والمختلف في الدين أو العرق أو اللون.
ما يعزز مشاعر الخوف والكراهية ضد الآخر هو الخطاب التبسيطي الاختزالي والقائم أيضاً على التعميم الذي يحمّل الآخر المختلف كافة المسؤولية عن الأزمات التي يعيشها صاحب الخوف.
إن خطاب التطرف أيا كان عنوانه والداعي إلى إلغاء أو إخضاع الآخر هو حليف موضوعي لخطاب التطرف عند الآخر المضاد له. كل يتغذى على خطاب الآخر ولو اختلفت العناوين دون أن تختلف المضامين.
إن المطلوب معالجة المسببات المختلفة من سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية التي توفر الأرضية الخصبة لخطاب التطرف والانغلاق والقطيعة مع الآخر الشريك في الوطن أو في الإنسانية. وأيا كانت المسببات الرئيسية في هذه الحالة أو تلك في الدول التي تعاني من مخاطر التطرف بكافة أشكاله وعناوينه، فإن العلاج يستدعي أيضاً العمل على تعزيز ثقافة الحوار واحترام التنوع وقيم المواطنة كمصدر غني للمجتمع المعني وتعزيز وصيانة المشترك الوطني ذلك كله يساهم في تعزيز اللحمة الوطنية والأمن المجتمعي للدولة المعنية. كلها شروط أكثر من ضرورية لمعالجة ناجعة لآفة العصر التي يمثلها التطرف بكافة مصادره وأشكاله وعناوينه وتعبيراته.

 
arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آفة العصر عقائد هوياتية قاتلة ومتقاتلة آفة العصر عقائد هوياتية قاتلة ومتقاتلة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab