تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

 العرب اليوم -

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

بقلم :ناصيف حتّي*

يصف كثيرون اليوم العالم بأنه صار بمثابة قرية كونية بسبب ثورة الاتصالات والمواصلات التي أسقطت حواجز المسافات، وسرعت التفاعلَ مختلف الأوجه بين مختلف الجماعات والشعوب.

تفاعل يعكس ويساهم في تكثيف علاقات الترابط والاعتماد المتبادل، وكذلك التأثر والتأثير المتبادل بين مختلف شعوب ومجتمعات العالم. لكن يفضل البعض وصف الوضع الجديد بالمدينة الكونية بسبب غياب التناغم والانسجام القيمي النسبي الذي يطبع عادة حياة القرية وسكونها مقارنة بحياة الصخب والاختلاف الأكبر في منظومة القيم، الذي لا يعني بالضرورة الخلاف الذي يطبع حياة المدينة.

الثورة التي أشرنا إليها، رغم إيجابياتها الكبيرة، تحمل أيضاً احتمالات زيادة الصدام بسبب التفاعلات مختلفة الأوجه، التي تحملها عند أصحاب الهويات السياسية والعقائدية المتشددة والقائمة على فكر منغلق أصولي كلي يؤمن بالتفوق على الآخر المختلف أيا كان وجه الاختلاف مع ذلك الآخر وعنه.

ونرى ذلك حالياً في أوروبا، مع صعود أحزاب اليمين المتطرف، ولو أن ذلك منتشر في العالم بأشكال وهويات مختلفة. يوثر ذلك من دون شك على العلاقات بين الدول، ويؤدي إلى خلق توترات في تلك العلاقات، ويخلق حواجزَ وهمية قائمة على الجهل والخوف والتخويف من الآخر أمام تطور تلك العلاقات.

وغني عن القول إنه يجب التمييز بين الخلافات التي هي سمة طبيعية في العلاقات بين الدول، وإن هنالك عناصرَ عديدة يمكن توظيفها لتسوية هذه الخلافات لمصلحة الأطراف المعنية، وتلك الخلافات التي تقيم أو تقوم على حواجز لا يمكن إسقاطها طالما عبرت عن هذه الأصوليات مختلفة العناوين، التي تقوم على الانغلاق والخوف والتخويف، بدل الانفتاح القائم على التعاون ولو التدريجي. أمام ذلك كله تبرز أهمية الدبلوماسية العامة (public diplomacy) التي لا تشكل بالطبع بديلاً عن الدبلوماسية الرسمية التي تنظم علاقات الدول بعضها مع بعض. هذه الدبلوماسية تلعب دوراً أكثر من مهم وضروري في دعم الدبلوماسية الرسمية التي تبقى لها قيودها، مهما اختلفت الحالة بين دولة وأخرى، وطبيعة مهامها التي لا يمكن أن تشكل بديلاً عن الدبلوماسية العامة، خاصة في القرية أو المدينة الكونية التي نعيش فيها. الدبلوماسية العامة تلعب أدواراً مختلفة، ولكنها متكاملة في دعم الدبلوماسية الرسمية. من هذه الأدوار أو الوظائف ما يمكن وصفه بالنشاط الاستباقي لجس النبض في مجال معين بالعلاقات بين دولتين أو حتى منظمتين إقليميتين، من خلال استكشاف مجالات التعاون ذات المصلحة المشتركة عند الطرفين، وإلقاء الضوء على هذا الأمر، لتمضي لاحقاً الأطراف الرسمية المعنية في ولوج باب ذلك التعاون أو تعزيزه إذا ما كان قائماً.

الدبلوماسية العامة تقوم على استكشاف مجالات جديدة أو تطوير مجالات قائمة للتعاون وإعطائها زخماً جديداً أو أبعاداً أخرى. قد يكون هنالك تنسيق مسبق بين الرسمي وغير الرسمي يقوم الأخير فيه بما يُسمى جس النبض دون إلزام الطرفِ الرسمي الذي يمثله أوجهَ التعاون الممكنة أو تقوية هذه الأوجه. الدبلوماسية العامة قد تكون اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو إعلامية أو غيرها. قدرة الحركة في الدبلوماسية العامة كبيرة لأنها متحررة من القيود الرسمية؛ فمن يقوم بها عادة أطراف (أشخاص أو منظمات وهيئات غير حكومية) غير مقيدة في خطابها، أياً كانت درجات التقيد الذاتي، وأنها بشكل مباشر أو حتى غير مباشر تخدم أهداف الدولة أو الدول المعنية.

قد يكون هنالك تنسيق مسبق أو قد لا يكون هنالك هذا النوع من التنسيق بين الرسمي وغير الرسمي، ولكنه يخدم في النهاية العلاقات بين الدول المعنية؛ إذ قد يعزز من جهة مجالات قائمة في التعاون، أياً كانت طبيعته، وقد يطلق، من جهة أخرى، مسارات للتعاون لم تكن قائمة من قبل.

بين المبادرات الاستباقية لاكتشاف مجالات جديدة للتعاون أو المبادرات اللاحقة، لتعزيز أطر تعاون قائمة وتعميقها، يبقى التفاعل الغني للطرفين بين المسارين الدبلوماسيين الرسمي والعام أكثر من ضروري. سواء حصل ذلك في عملية التعرف بشكل أفضل على الآخر مجتمعاً وطنياً أو إقليمياً أو طرفاً رسمياً: دولة أو منظمة إقليمية. الدبلوماسية العامة كمسار متعدد الأوجه والإبعاد والأطراف المشاركة فيه يعمل في حقيقة الأمر كطرف يقيم جسور التواصل والتفاعل، وفي تسوية مسبقة لخلافات قد تقف كعائق أمام التعاون الرسمي لاحقاً أو قد تعرقل من تعاون قائم.

تعزيز الدبلوماسية العامة بأشكالها المختلفة في عالمنا اليوم، عالم تشابك وتداخل وتكامل المصالح، أمر أكثر من ضروري.

الدبلوماسية العامة تشكل أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة المعنية، خاصة إذا ما أحسن الاستفادة منها وتعزيزها لمصلحة معرفة الآخر وبناء جسور الحوار والتعاون لمصلحة الأمن والسلم والازدهار.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد

GMT 17:09 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2023

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد تنضم إلى كريم عبد العزيز وياسمين صبري

GMT 19:45 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيغير ترمب شكل العالم؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab