مُؤتَمَرُ مدريد للسلام دروسٌ وعِبَرٌ

مُؤتَمَرُ مدريد للسلام دروسٌ وعِبَرٌ

مُؤتَمَرُ مدريد للسلام دروسٌ وعِبَرٌ

 العرب اليوم -

مُؤتَمَرُ مدريد للسلام دروسٌ وعِبَرٌ

الدكتور ناصيف حتّي
بقلم : الدكتور ناصيف حتّي*

بعد أيامٍ قليلة، وبالتحديد في نهاية هذا الشهر، تكون قد مرّت على مؤتمر  مدريد للسلام عقودٌ ثلاثة من  الزمن؛ وهو المؤتمر الذي كان يُفترَض ان يُطلِقَ مسارَ التسوية السلمية الشاملة والعادلة والدائمة للقضية الفلسطينية.

جاء هذا المؤتمر الذي وَجَّهت الدعوة إليه كلٌّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي غداة تحوّلاتٍ مُهمّة على الصعيدَين الدولي والإقليمي: نهاية الحرب الباردة بتداعياتها الدولية، وبداية النهاية للإتحاد السوفياتي، وقيام “لحظة الأحادية” الأميركية على الصعيد العالمي، كما سمّاها الكاتب الأميركي تشارلز كروثمر.

على الصعيد الإقليمي جاء المؤتمر بعد حرب تحرير الكويت وما عبّرت عنه، وكذلك ما حملته من انعكاساتٍ علي المنطقة ككل. التحضير الأميركي للمؤتمر أظهرَ حينذاك التزاماً وانخراطاً أميركيين كبيرَين بأهمّية وأولوية التسوية الشاملة كمدخلٍ أيضاً لإقامة شرق أوسط جديد من خلال التركيز على مسارٍ مُتعدّد الأطراف (شمل خمس مجموعات عمل تناولت قضايا البيئة، الحدّ من التسلّح والأمن الإقليمي، اللاجئين، المياه والتنمية الاقتصادية الإقليمية) إلى جانب المسارات الثنائية للمفاوضات. بالطبع كان الاهتمام الاسرائيلي مُرَكّزاً على التطبيع عبر”بوابة” مفاوضات مجموعات العمل والاستمرار في رفض السلام على أساس القرارات الدولية ذات الصلة -سياسة وضع العربة أمام الحصان- وبالتالي إسقاط المفاوضات الثنائية مع الأطراف العربية الأربعة المعنية. وقد سقط او أُسقِطَ مؤتمر مدريد خلال عامٍ تقريباً لعدم توفّرِ توازن القوى المطلوب، ولا الإرادة الدولية الفاعلة لدفع إسرائيل لاحترام القرارات الدولية وتنفيذها بغية إقامة السلام المنشود.

وللتذكير ايضاً، دخلت عملية السلام بعد ذلك في المسار  الفلسطيني، وهو الأساس، في ديبلوماسية الحلول المرحلية والانتقالية وما يُمكِن وصفه بسياسة بناء الجسور إلى منتصف النهر. ثم جاءت التطورات الإقليمية التي شهدت ازدياد الصراعات في الشرق الأوسط وحول الشرق الاوسط. كما شهدت انتشار الحروب بأشكالها المُختلفة والمُتداخلة التي تُغذّي وتتغذّى على بعضها البعض من حروبٍ باردة، إلى حروبٍ أهلية، إلى حروبٍ بالوكالة … أيّاً كانت العناوين التي تحملها تلك الحروب. ذلك كلّه إلى جانب ما أصاب الجسم السياسي الفلسطيني بهياكله وتنظيماته ومؤسساته من ضعفٍ وترهّل وتفكّك، أدّت الى تهميش القضية الفلسطينية وإسقاطها من جدول الأولويات الإقليمية.

رُغمَ ذلك هناك بوادر لإعادة القضية الفلسطينية، ولو بشكلٍ تدريجي، على جدول تلك الأولويات عبر دعواتٍ وصِيَغٍ للعودة الى محادثات تُهيِّئ لمفاوضاتٍ أو لإحياء دور الرباعية الدولية، ويدعو البعض إلى توسيع الرباعية الدولية لضمِّ دولٍ أُخرى قادرة أن تُساهمَ في إعادة إطلاقِ عملية السلام “في الوقت المناسب”. لكن في حقيقة الأمر يبقى الجمود سيّد الموقف، فيما تنشط إسرائيل لنسف كل الأسس التي تسمح لاحقا بإقامة الدولة الفلسطينية المطلوبة وعاصمتها القدس الشرقية. تنشط إسرائيل من دون أيِّ رادعٍ لزيادة الاستيطان والسيطرة على مصادر الحياة من مياه وأراضٍ زراعية في الضفة الغربية، وتهويد القدس، والاعتداء على المُقدّسات الدينية. وقد حذّرَ مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين منذ ايام من مخاطر تلك السياسات التي قد تؤدي إلى تحويل الصراع الفسلطيني-الإسرائيلي إلى صراعٍ ديني.

العنوان الذي تحمله السياسات الإسرائيلية حالياً قوامه الأمن (لاسرائيل) مقابل تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين. عنوانٌ يعكس سياسة تعزيز الوضع الاحتلالي القائم، واستكمال الشروط الموضوعية لإسقاط حلّ الدولتين لمصلحة تعزيز نموذج الدولة الواحدة القائمة على التمييز العنصري (نموذج النظام السابق في جنوب إفريقيا).

ذلك كلّه لن يلغي الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني. فالهويات الوطنية، كما تُعلّمنا دروس التاريخ في العالم، لا يُمكن أن تُلغى. يُمكن قمعها ولا يمكن إلغاؤها. ولكن ما قد يحصل في ظل سيناريو من هذا النوع هو زيادة مستوى التوتّر في المنطقة، وكذلك القابلية لاستخدام “الورقة الفلسطينية” في صراعات المنطقة تحت مسميات وعناوين مختلفة.

المطلوب أوّلاً من “الجسم السياسي” الفلسطيني، بكافة مُكوّناته، أن يكون على مستوى التحدّي المصيري، وأن يعملَ على بلورة استراتيجية وطنية فلسطينية صارت أكثر من ضرورية.

المطلوبُ أيضاً في ظلّ ما نراه، ولو في بداياته، من محاولاتٍ لرأب الصدع في كثيرٍ من النقاط الساخنة في المنطقة، مُبادرةٌ عربية لإعادة إحياء مبادرة السلام العربية (مبادرة القمة العربية في بيروت 2002) ووضع خطة عملية للتحرّك على الصعيد الدولي بغية خدمة هذا الهدف، الأمر الذي يُساهمُ أيضاً في حال نجاحه، إلى جانب تحقيق الأهداف الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، إنهاء الإحتلال للأراضي اللبنانية والسورية، رُغم العوائق الكثيرة أمام إزالة أحد الروافد الاساسية للتوتّر والاستقرار في المنطقة. تحدّ دونه الكثير من العقبات، كما أشرنا، لكنه ليس من المستحيلات إذا ما توفّرت الرؤية والإرادة وتوظيف الإمكانات المطلوبة لتحقيق ذلك .

الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.

 

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مُؤتَمَرُ مدريد للسلام دروسٌ وعِبَرٌ مُؤتَمَرُ مدريد للسلام دروسٌ وعِبَرٌ



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab