أفغانستان لعبةُ شطرنج جديدة

أفغانستان: لعبةُ شطرنج جديدة

أفغانستان: لعبةُ شطرنج جديدة

 العرب اليوم -

أفغانستان لعبةُ شطرنج جديدة

ناصيف حتّي*
دكتور ناصيف حتّي*

يُذَكِّرُ انسحابُ الولايات المتحدة من أفغانستان بانسحابها من فيتنام في العام ١٩٧٥، كنموذجٍ لفَشَلٍ استراتيجِيٍّ لقوّة عظمى في مسألةٍ كانت في طليعةِ أولويّاتها على الصعيد العالمي. مَسألةٌ استثمرت فيها أميركا الكثير من الإمكانات على كافةِ الصُعُد، مع التذكير باختلاف المُتَغيّرات الداخلية والخارجية بين كلٍّ من الحالتين الفيتنامية والأفغانية.

يُفسِّرُ البعضُ قرارَ الانسحابِ الأميركي، الذي كان مُنتَظَراً، بأنه يَندَرِجُ في استراتيجيةٍ  تقوم على “وضع نهايةٍ لحروبٍ لا نهاية لها”. البعضُ الآخر رأى أن الانسحابَ الأميركي يَندَرِجُ في ما يُمكن وصفه بسياسةِ “قلب الطاولة على الجميع”: جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين المعنيين. حروبٌ تَستَنزِفُ الإمكانات من دونِ أن تَخدُمَ الأهداف التي قامت لأجلها. فشلت واشنطن بعد عقدين من الزمن من سيطرتها على أفغانستان وإسقاطها لحكم “طالبان”، الذي كان استمر لسنواتٍ خمس (١٩٩٦ الى ٢٠٠١)، في ما يُعرَف بعملية بناء الدولة في مرحلة ما بعد النزاع. خصوصية التركيبة المُجتَمَعية الهويّاتية (القبلية والعرقية) الشديدة التعقيد لأفغانستان ساهمت بشكلٍ خاص في إفشال هذه العملية بدون استبعاد بالطبع للجغرافيا السياسية لتلك البلاد الجاذبة للتدخّلات بكافة أشكالها. وللتذكير فإن أفغانستان عُرِفَت عبر تاريخها بأنها مقبرةُ الإمبراطوريات لصعوبةِ، إن لم يكن استحالة، السيطرة عليها.

طالبان”، التي تودّ أن تُقدِّمَ نفسها بأنها عادت بعد انتصارها العسكري بحلّة جديدة، تقوم باتصالاتٍ وحواراتٍ مع شخصياتٍ مُشارِكة في السلطة التي اسقطتها، بغية إشراكها في السلطة الجديدة. وتقول أنها ستسمح للمرأة بالمشاركة في هذه السلطة. وتؤكّد بأنّها ستطرح إطارَ حُكمٍ جديد في الأسابيع القليلة المقبلة. كما أنها تُصرّح بأنّ اتفاقها مع الولايات المتحدة، عبر الحواراتِ المُتعدّدة التي جرت في أكثر من عاصمةٍ إقليمية، نصّ على عدم السماحِ لأيِّ جهةٍ مُتطرفة باستخدامِ أراضيها، الأمر الذي يعني أن “طالبان” العائدة إلى الحُكم لن تجعل أفغانستان مرّةً أُخرى قاعدةً لتنظيم “القاعدة” أو لحركاتٍ إرهابية أخرى “لجهادها العالمي”. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبين لم يعد الهدف الاستراتيجي الصدام المُطلق مع النظام أو القطيعة الكلية معه، بل معيار العلاقات المستقبلية مع النظام العائد يكمن في  سلوكيته الخارجية وليس في طبيعة السلطة الحاكمة.

تُحيطُ بأفغانستان دولٌ ست (طاجكستان، أوزبكستان، تركمانستان، إيران، باكستان والصين الشعبية) تبقى معنية مُباشرة بشكلٍ كبيرٍ بالتطورات الحاصلة، كما كانت دائماً حال باكستان وخصوصية علاقاتها الأفغانية، أو عبر حلفائها. أفغانستان أيضاً كانت دائماً مَحَطَّ أولوية استراتيجية عند القوى الدولية والإقليمية المعنية “بالمسرح الاستراتيجي” الآسيوي، وخصوصاً آسيا الوسطى. وتأتي في طليعتها روسيا الاتحادية وتركيا والهند واليابان، إلى جانب بالطبع القوى الغربية التي أشرتُ إليها سابقاً. وكانت “طالبان” أجرَت، وما زالت تجري، إتصالات مع مختلف القوى الدولية والإقليمية المعنية والمُؤثّرة بالملف الأفغاني، لطمأنة هذه القوى حول طالبان “الجديدة”.

وعلى صعيدٍ آخر يرى بعض المراقبين أن هناك دروساً وعِبَراً عديدة تؤخَذ من الانسحاب الأميركي من أفغانستان تتعلق بمصداقية الاعتماد على دعم الولايات المتحدة كحليفٍ موثوق في أوقات الأزمات الشديدة. وهذا ما يُقلقُ بعض حلفاء واشنطن ويدعوهم إلى إعادة النظر بالرهان الكلي على أميركا. كما يرى آخرون أن الطريقة التي تمّ فيها الانسحاب الأميركي قد تُشجّع أو تُعطي قوّةَ دفعٍ للحركات الإرهابية. ويرى كثيرون أيضاً أن عمليةَ خلطِ الأوراق بعد التغيّرات الناتجة عن الانسحاب الأميركي من أفغانستان ستكون لها بدون شك انعكاسات على الأوضاع في الشرق الأوسط، وعلى الإصطفافات السياسية التي يُمكن أن تحصل. إننا أمام لعبة شطرنج جديدة مركزها أفغانستان لن يكون الشرق الأوسط في منأى عن تداعياتها في “اليوم التالي”.

الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقاً المتحدث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقاً رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم للجامعة لدى منظمة اليونسكو.

قد يهمك ايضا 

طالبان تعلن عن سيطرتها على 90 بالمئة من الحدود العامة لأفغانستان مع الدول المجاورة

خطف إبنة السفير الأفغاني وتعذيبها قبل إطلاق سراحها

 

arabstoday

GMT 03:41 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

ثلثا ميركل... ثلث ثاتشر

GMT 03:35 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

مجلس التعاون ودوره الاصلي

GMT 03:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

عندما لمسنا الشمس

GMT 03:18 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

رسالة إلى دولة الرئيس بري

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفغانستان لعبةُ شطرنج جديدة أفغانستان لعبةُ شطرنج جديدة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان
 العرب اليوم - غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
 العرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 العرب اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 07:07 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 11:10 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

مسيرات إسرائيلية تستهدف مستشفى كمال عدوان 7 مرات في غزة

GMT 17:28 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 19:28 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الآداب

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 09:52 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تشوّق جمهورها لمسرحيتها الأولى في "موسم الرياض"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab