بقلم - نبيل عمرو
كيف قبل من؟
الصحافة الإسرائيلية هي المزود الرئيس لمادة الجدل الدائر حول الخلافة، ووسائل التواصل الاجتماعي هي المؤثر الأول في الرأي العام؛ فهي من تفرضه على الجمهور الفلسطيني.
وكل من يدلي بدلوه في هذا الأمر يقول ما يشاء، أو يقول ما يناسب الأجندة التي يعمل لحسابها، والنتيجة الأولية لذلك هي إشاعة حالة من الفوضى والبلبلة لا تؤدي إلى خلاصات محددة.
حالة «فتح» الراهنة أنتجت ما يشبه بورصة الأسماء، وكل من يرد اسمه في سوق التداول يرى فرصة له للفوز، فيجد نفسه في موقع الدفاع عن فرصته التي يهددها زملاؤه في الإطار الأعلى، وهذا ينتج وقوداً يصب على نار الصراع الداخلي الذي يشمل كل أمر، وصراع كهذا لا ينتج قائداً أو رئيساً أو حتى مرشحاً معقولاً، بقدر ما ينتج بلبلة لدى الرأي العام الذي أدار ظهره للقوى السياسية جميعاً، وبداهة أن يدير ظهره لكل ما يتصل بها.
المنافس الرئيس لـ«فتح» هو الإسلام السياسي ومركزه «حماس»، التي تخوض معركة الرئاسة بطريقة مختلفة عن «فتح»؛ فهي تنأى بمعركتها عن الإعلام المباشر لتركز الجهد على ضرب شعبية حركة «فتح»، وحملاتها في هذا الاتجاه لا تهدأ ولا تتوقف ولا تعدم الوسائل الفعالة للعب في هذا الملعب، لم تقل شيئاً رسمياً في هذا الأمر، إلا أنها توظف الخلل داخل حركة «فتح»، ليس لمصلحة وراثة الرئاسة، بل لمصلحة النفوذ الأوسع الذي يجعل الحصول على الرئاسة وباقي المؤسسات، بما فيها منظمة «التحرير»، تحصيل حاصل.
أما الوسطاء أو الناصحون، أو سَمِّهم ما شئت، من أولئك الذين يظهرون اهتماماً بالشأن الفلسطيني، وخاصة بخلافة عباس، فلدى كل طرف منهم رؤية خاصة للوضع الفلسطيني وكيف يجب أن يعالَج.
الوافد الجديد على هذه اللعبة هو الجزائر؛ فهي تطرق ذات الباب الذي طرقته مصر وغيرها من المتدخلين في مسلسل المصالحة؛ أي لمّ شمل الجميع وأخذهم إلى انتخابات عامة، وبذلك تحل معضلة النظام السياسي، بما في ذلك الرئاسة.
النتيجة حتى الآن لا تقدم على هذه الطريق، وهنالك من يقترح التعامل مع المعضلة بمنطق كعكة قابلة للاقتسام، ولكل من مدّعي الوراثة وأحقية الخلافة جزء منها، ولكن حتى هؤلاء غير متأكدين من أن تحويل حالة بضخامة الحالة الفلسطينية إلى كعكة أمر ممكن، أو أن الذين ستقسم عليهم الكعكة لن يتقاتلوا على ما بعدها، ثم دلّونا على كعكة بحجم يشبع كل المتقاتلين على الاستئثار بها!
حين كانت الانتخابات العامة ممكنة لم تكن الرئاسة معضلة، ولم تكن الطريق المفضية إليها مغلقة؛ فقد فعلها الفلسطينيون مرتين بشأن عرفات ثم عباس، أما حين أُغلقت هذه الطريق لأسباب أو لذرائع شتى؛ فالأمر زاد تعقيداً، فلا طريقة الكعكة تنفع، ولا الانتخابات معتمدة. إذاً، بقي سيناريو أخير، وهو ما يحب الفلسطينيون وصفه بالتوافق، في حين أنه المستحيل بعينه، وأصحاب هذا السيناريو ينتقلون من صيغة افتراضية إلى أخرى دون أن يستقروا على شيء؛ مثلاً يقولون: لمَ لا نستبدل بالمجلس التشريعي، «المركزي»؟ ويقال لهم: حتى «المركزي» لم يعد محل توافق بين القوى؛ فالمقاطعون أكثر من المنتسبين.
وغير ذلك يقال... إذاً، لمَ لا تُحل مشكلة النظام السياسي المشلول بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الجميع؟ ويقال لهم: إن حكومة كهذه لن تحصل على دعم العالم إذا لم يوافق جميع مكوناتها على الالتزام بالشرعية الدولية، و«حماس» ومن يماثلها في الموقف، حتى من مكونات منظمة «التحرير»، يرفضون بشدة المشاركة في حكومة كهذه.
هذا الوضع بألوانه الحقيقية وممكناته ومستحيلاته، يقول نظرياً ومنطقياً إن الأفضل والأسهل والأقوى شرعيةً هو الذهاب إلى الانتخابات العامة وفق تراتبية مايو (أيار) الماضي؛ أي التشريعية، ثم الرئاسية، ثم المجلس الوطني، حيث ما أمكن، ويبدو أن هذا الأفضل والأسهل والأقوى شرعيةً لا يناسب المتصارعين على النفوذ والرئاسة، وربما لا يناسب الوسطاء كأولوية، مع أن هذه الصيغة وحدها من أتت برئيسين ومؤسسات فعالة، أما التخلي عنها فيعني الدخول إلى دوامة لا مخرج منها، والمعضلة اللبنانية ماثلة أمام الجميع.