بقلم - نبيل عمرو
تكتسب المبادرات السياسية أهميتها من ثلاثة عوامل:
الأول: مضمونها. والثاني: توقيتها. والثالث: جدية التقيد بها وتنفيذها.
وهذا ما توفر في المبادرة السعودية الأخيرة، حين عيّنت المملكة سفيراً لها لدى دولة فلسطين، وقنصلاً عاماً في القدس.
المضمون قديم متجدد، فالمملكة جسّدت دعماً راسخاً للحقوق الوطنية الفلسطينية منذ عهد المغفور له المؤسس الملك عبد العزيز، ومضت قدماً في التزامها هذا برسوخٍ واستقرار، وفر للفلسطينيين شعباً وقضية، جداراً قوياً يستندون إليه. ورغم عوارض سلبية كانت تنشأ بين وقت وآخر، بحكم تقلبات السياسة والأحداث والتداخلات، فإن جوهر الموقف السعودي من القضية الفلسطينية لم يُمسّ، كان من ثوابت سياستها في كل المحافل وعلى جميع المستويات، وأما من حيث الدعم المادي فقد تحملت المملكة الجزء الأكبر منه على مدى عقود.
في الآونة الأخيرة، تعرضت السياسة السعودية إلى تشويش من قبل جهات ذات أجندات معادية، إلا أن ذلك لم يؤثر على يقين الشعب الفلسطيني من متانة الموقف السعودي وقوة التزامه، وكانت المواقف في القمم، وخاصة الأخيرة منها، من القوة والوضوح ما أعفى المملكة من الدفاع عن موقفها أمام سيل التشكيك والتشويش.
والسياسة السعودية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، تجاوزت حدود التضامن النمطي والتلقائي والعاطفي، لتكون من ضمن الحسابات السعودية المتعلقة باستقرار المنطقة بأسرها، خصوصاً ونحن والعالم نراقب تطور النفوذ السعودي على الصعيد الكوني، والارتياح الدولي الجماعي للطريقة المستنيرة والعادلة والنشطة في ممارسة النفوذ.
المبادرة السعودية بشأن تطوير حضورها الدبلوماسي في الحالة الفلسطينية من حيث التوقيت، جاءت في الوقت المناسب؛ أي الوقت الذي يبدو فيه الفلسطينيون بحاجة إلى جرعة على هذا المستوى من الدلالات والمعاني، فالسفارات تُفتح لدى الكيانات الحقيقية، والقنصلية العامة في القدس، تُعلَن كأرقى مستوى للدعم والتبني والالتزام بالمدينة المقدسة، عاصمةً معترفاً بها للفلسطينيين الذين لا بد أن يأتي ذلك اليوم الذي تقام فيه دولتهم وتتكرس فيه عاصمتهم، وتُبنى فيه السفارة السعودية على أرضها.
إنها جرعة يجتمع فيها الرمزي والسياسي والمبدئي والفعلي، في وقت تعالت فيه أصوات كثيرة تتحدث عن تصفية القضية، وتزوير الحقوق الوطنية الفلسطينية بالتعامل معها بمنطق التسهيلات الساذجة، وليس الضرورات الكيانية الأعمق والأحق.
ومع المضمون المتجدد، والتوقيت المدروس الذي يحتاجه الفلسطينيون، فهنالك التقيد والتنفيذ، والمملكة مُطلقة المبادرة العربية للسلام كأول مشروع سياسي عربي إسلامي وضع النقاط على الحروف في مجال التسوية السياسية، تمتلك الإمكانات المقنعة للعمل الجدي والفعال لتنفيذ ما التزمت به، تساعدها في ذلك شبكة علاقاتها الدولية القديمة، والمستجدة، ومساحة الاستقلال الكافية في رسم السياسة وآلياتها، والتقدم نحو أهدافها، وهذا ما يوفر للفلسطينيين الذين كادت الرياح العاتية والتقلبات السياسية تدفعهم إلى حالة قريبة من اليأس، جداراً قوياً يستندون إليه ونوافذ أمل ورجاء بأن المستقبل يحمل ما يستحق الرهان عليه.
الفلسطينيون بعد جرعة الدعم والتبني هذه، ينبغي أن ينتبهوا إلى بيتهم المليء بالشروخ والتصدعات، وأن يوصلوه إلى حالة من العافية والقدرة على الإفادة من الدعم، فالرياح مواتية، ولكن خلل السفينة يعوقها عن الإبحار، وهذا ما يجدر الانتباه إليه قبل المبادرة السعودية وبعدها، ودائماً.