عباس و«فتح» في غياب عرفات

عباس و«فتح»... في غياب عرفات

عباس و«فتح»... في غياب عرفات

 العرب اليوم -

عباس و«فتح» في غياب عرفات

بقلم: نبيل عمرو

فاجأ الرئيس محمود عباس الفلسطينيين بإعلانه عن إجراءات وصفها بالإصلاحية، تشمل منظمة التحرير وحركة «فتح».

فيما يتصل بالمنظمة، فقد وعد بتسمية نائب لرئيسها، أما حركة «فتح» -وهذا بيت القصيد- فقد أعلن عن إصداره عفواً عاماً، يعود بمقتضاه المفصولون منها إلى إطاراتها، من دون التأكيد على عودة القياديين منهم إلى مواقعهم السابقة.

المعنيَّان الأساسيَّان في الأمر كله، هما عضوا اللجنة المركزية: محمد دحلان، وناصر القدوة، اللذان فُصلا من الحركة لخلافات حادة مع الرئيس عباس، وتم تجريدهما من كل وظائفهما الرسمية، سواء في الحركة أو السلطة، وغادرا إلى خارج البلاد، وواصل كل منهما نشاطاً سياسياً مستقلاً، مع أنهما لم يُقِرَّا بفصلهما من الحركة، وعَدَّا الفصل عملاً تعسفياً لا شرعية له.

الفصل والعفو المتأخر، كانا بعض أعراض الحالة المَرَضية التي استفحلت في الحركة الكبرى، وذلك بفعل غياب العرَّاب الأكبر للحركة ياسر عرفات، بما أحدثه من فراغ قيادي فادح التأثير على «فتح» وامتداداتها في الحالة الوطنية الفلسطينية بإجمالها.

لم يكن عرفات مجرد رئيس للحركة الكبرى وفق تراتبية تنظيمية، قوامها الأطر والمؤسسات، ولم يكن مقيداً بلوائح وقوانين تحدد صلاحياته، ولم يكن ليخضع لمساءلة كحال قادة الأحزاب التقليدية في بلدانها أو المعارضة. كان أقرب إلى شيخ قبيلة ذي نفوذٍ شامل، يأمر فيُطَاع.

غير أن زعامته لم تكن لتخلو من معارضات قوية لموقعه وطريقته في العمل، ما أفرز محاور وانقسامات وتمردات وانشقاقات، وفي مواجهة ذلك كان يمتلك موهبة تجويف المعارضين، وإضعاف فاعليتهم بما لا يصل إلى حد الإطاحة به.

كانت حلقات قوته متصلة ومتكاملة، أساسها حركة «فتح»، وثانيها تركيبة منظمة التحرير التي أسسها بتحالف وثيق مع القوى المستقلة التي تمثل قطاعات واسعة: اجتماعية، ومناطقية، وزعامات قبلية ومحلية، وثالثها الشعبية الجارفة التي لم يتمتع بمثلها أيٌّ من معاصريه من القادة والزعماء التقليديين والسياسيين.

كانت هذه الحلقات هي الأرضية الراسخة لزعامته الفلسطينية، ومن خلالها، وبفعل مواهبه الشخصية وكارزميته المميزة، انفتحت أبواب العالم العربي أمامه، ووجد العالم فيه الرجل الأكثر جدارة للحوار معه في كل أمر يتصل بالقضية الفلسطينية.

طول أمد بقائه في مركز الحياة الفلسطينية، ومسيرته الكفاحية بفصولها المكتظة بالجرأة والإقدام والبطولة، جعلا منه قائداً وبطلاً شعبياً ورمزاً يصعب ظهور منافس له أو بديل عنه.

غير أن هذه المكانة المستندة إلى شخص ذي خصائص نادرة، كانت لها مفاعيل سلبية، منها تراجع دور المؤسسات إلى حد فقدان الوظيفة المنوطة بها، وذلك بدا كارثياً حين رحل الرجل تاركاً وراءه أفدح فراغٍ ما زالت الحالة الفلسطينية تعاني منه.

يعترف عباس بأنه لا يمتلك ما امتلكه عرفات من قدرات في مجال النفوذ والسيطرة وملء الفراغات، وحتى المنافس الرئيس الذي ظهر متأخراً في حياة عرفات القيادية وهو «الإسلام السياسي»، فقد انتظر رحيل الرجل الظاهرة، حتى يضرب ضربته القاصمة لظهر الحالة الفلسطينية التي كانت تقودها حركة «فتح» بما يشبه الاحتكار الدائم، ما أنتج انقساماً أفقياً وعمودياً في الساحة الفلسطينية، ويصدق عليه التعبير بأنه جسَّد الكارثة الثانية بعد الكارثة الأولى في عام 1948.

من الأيام الأولى لغياب عرفات، ثبتت صحة قولٍ تداوله الفلسطينيون، مفاده: إن صَلُحتْ حال «فتح» فستُصلَح حال الساحة الفلسطينية بمكوناتها كلها.

ورغم أن البناء التنظيمي والمؤسساتي لـ«فتح» لم يكن في حالة نموذجية منذ تأسيسها، فإن وجود عرفات وكارزميته كانا بمنزلة تعويضٍ كافٍ كي تظل «فتح» في موقع القيادة للحالة الفلسطينية.

حين غاب عرفات تبيَّن أن الخسارة مزدوجة: خسارة الرجل الظاهرة الذي يملأ الفراغات ويجتاز الكوارث والمعيقات، ويمتلك موهبة البقاء في المركز وفي الطليعة، ثم خسارة المؤسسات التي اعتمدت على قوته كثيراً، وحين غيابه فقدت التعويض الجاهز عن قصورها.

منذ غيابه وغياب من عمل معه من التاريخيين المؤسسين، والحالة الفلسطينية تتردى من مأزق إلى آخر، وتواجه تحديات داخلية وخارجية، لم يسبق أن واجهت مثلها من قبل.

«فتح» التي تغلَّبت على انشقاقاتها القديمة، وثبتت قيادتها للساحة الفلسطينية، أنهكها الصراع الداخلي الذي استشرى في كل مفاصلها ونسيجها، لتدخل في غياب عرفات الانتخابات العامة بثلاث قوائم، بعد أن كانت قد خسرتها في انتخابات عام 2006.

كان ما حدث، ولسوء حظ عباس أنه تم في عهده، والذي ورث غياب عرفات بكل أعبائه وأثقاله.

علَّة «فتح» إذن أساسها غياب عرفات، وغياب البديل الذي يمتلك القدرة على استعادة بنائها ونفوذها ودورها، وذلك بإحياء مؤسساتها وتفعيل أعضائها وكوادرها الذين يعدُّون بمئات الألوف، وهم جميعاً بلا دور ولا مكانة ولا فاعلية، وقبل ذلك وبعده ودائماً تصويب علاقتها بجمهورها الواسع الذي أحبَّ «فتح» واحتضنها وحماها أكثر وأفعل بكثير مما فعله المتنفذون فيها.

الرأي العام في «فتح» الذي يجسده جيش المهمشين الذي هو الغالبية العظمى من عديدها، يطالب بمؤتمر عامٍ تأسيسي وتوحيدي، لعله يوفر العلاج لحركة أنهكتها صراعات أهلها فخسرت وخسروا وخسر شعبها.

أما التعويل على بعض إجراءات وتسويقها كإصلاح، فهذا يعمِّق المآزق ويضاعف من تأثيراتها السلبية على «فتح» والوطن والقضية.

 

arabstoday

GMT 12:25 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

إيران ورهان العودة إلى سوريا

GMT 12:24 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

يعيشون في جهنم و….!

GMT 12:23 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

تحديات شرق أوسطية ضاغطة

GMT 12:22 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

الدولة الوطنية والطوائف الدينية

GMT 12:20 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

الترامبية.. وعصر العلاقات الهمجية!

GMT 12:19 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

الدراما على إيقاع الزمالك والأهلى

GMT 11:57 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

كيف يوقف الشرع إسقاط نظامه؟

GMT 11:56 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

رجال الذكر والأثر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عباس و«فتح» في غياب عرفات عباس و«فتح» في غياب عرفات



الملكة رانيا بعباءة بستايل شرقي تراثي تناسب أجواء رمضان

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:12 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

سوريا بين الفوضى والمجهول وسط تصاعد العنف
 العرب اليوم - سوريا بين الفوضى والمجهول وسط تصاعد العنف

GMT 12:45 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

مي عمر تردّ على انتقادات "إش إش"
 العرب اليوم - مي عمر تردّ على انتقادات "إش إش"

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

"إكس" تتعرض إلى هجوم سيبراني ضخم
 العرب اليوم - "إكس" تتعرض إلى هجوم سيبراني ضخم

GMT 11:54 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

هكذا يشنّ العرب الحروب وهكذا ينهونها

GMT 11:53 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

لبنان وحزب الله

GMT 03:51 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

حق أصيل للناس

GMT 01:15 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

شهيد في قصف للاحتلال الإسرائيلي جنوب غزة

GMT 01:13 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

مسيّرات إسرائيلية على شرق مدينة غزة

GMT 01:14 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

9 وفيات بالكوليرا في مخيم للاجئين بأوغندا

GMT 01:10 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

قصف إسرائيلي على مواقع للجيش السوري في درعا

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,11 آذار/ مارس

"إكس" تتعرض إلى هجوم سيبراني ضخم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab