أوسلو عباس رجل البداية والنهاية

أوسلو... عباس رجل البداية والنهاية

أوسلو... عباس رجل البداية والنهاية

 العرب اليوم -

أوسلو عباس رجل البداية والنهاية

بقلم - نبيل عمرو

حين أكتب أو أتحدث عن الرئيس محمود عباس، أجد صعوبة في الفصل بين الصديق الشخصي شريك المجازفات، وبين الكائن السياسي الذي أختلف معه حول كل شيء تقريباً، وتحديداً في جزء كبير من زمن رئاسته طويلة الأمد للثلاثية التي تشكل النظام الفلسطيني «فتح، والمنظمة، والسلطة» وأستثني الدولة رغم المناداة به رئيساً افتراضياً لها.
ما قبل بداية أوسلو لا يوجد ما يُختلف عليه فيه فهو من مجموعة المؤسسين لفتح، الذين يسمون بالتاريخيين، وفي زمن عرفات وخلف والقدومي والحسن والوزير، اختار لنفسه وضعاً ميزته الأساسية أنه كان قليل الظهور على الشاشات وقليل الكلام في المنابر الإعلامية الأخرى، ولعل اختياره هذا كان بفعل تفضيله للعمل السري الذي وصف في حينه «بالمحرمات» وأعني به الحوار المباشر مع الخصم الرئيسي.
لست في معرض التأريخ لسيرة ومسيرة الرجل، فهذا أمر لا أدعي قدرة على الإتيان بجديد حوله، إلا أنني سألتزم بالعنوان والبداية التي أعنيها هي مجازفة أوسلو.
حين كُلّف بإدارة العملية السرية ومعه مجموعة قيادية محدودة العدد لم تكن كلها من فتح، كانت السرية هي الضمانة الأساسية للإنجاز وحين توصل المفاوضون إلى اتفاق تولى محمود عباس مهمة تقديمه وتفسيره، ومنذ ذلك الوقت دخل إلى دائرة الضوء الساطع وحظي بلقب مهندس أوسلو الذي ما كان له أن يحقق شيئاً لولا تبني ودعم المهندس العام ياسر عرفات.
إسباغ الطابع الرسمي على ما تم إنجازه تطلب عقد اجتماع عاجل للمجلس المركزي، الذي هو الإطار المصغر للمجلس الوطني. وتولى عباس مهمة عرض الإنجاز وخلفياته، لاحظت وأنا من بين أعضاء المجلس أن الرجل الذي أدار العملية لم يكن واثقاً من أن البداية ستقود حتماً إلى نهاية سعيدة، وقد اختتم مداخلته «التاريخية» بجملة يجدر تذكرها الآن حيث قال... إن ما توصلنا إليه مع الإسرائيليين إما أن يؤدي إلى دولة مستقلة أو إلى تكريس الاحتلال، وكلا الأمرين يتوقف على حسن أو سوء أدائنا.
كانت تلك الكلمات بمثابة اعتراف صريح وجريء بأن ما تم هو مجازفة، وأن من أدار العملية السرية لا يروج لما فعل بقدر ما يحذر منه.
بالمقاييس النسبية كان تطبيق النصوص المكتوبة على الورق معقولاً وواعداً، ولأول مرة وفر الاتفاق بدايات عملية نوعية وغير مسبوقة تعد بنهايات سعيدة تكاد تكون مضمونة... مجلس وزراء وبرلمان منتخب وإجماع دولي على الدعم والتبني تقوده الولايات المتحدة «القطب الأوحد آنذاك»، ولأول مرة يجمد المختلفون والمتنافسون نزاعاتهم القديمة حول فلسطين وإسرائيل والشرق الأوسط، ليتفقوا على دعم المشروع التاريخي والتسابق على إنجاحه.

كان عباس في مرحلة البداية الرجل الثاني في النظام الفلسطيني الذي يحتل عرفات قاعدته وقمته، غير أنه وإن كان الثاني في التراتبية والشرعية لم يكن كذلك في مجال النفوذ والسيطرة، ففي زمن عرفات لم يكن النفوذ لأي أحد غيره فهو من يقرب ويبعد ويمنح الفاعلية لمن يشاء ويحجبها عمن يشاء، وذلك وفق متطلبات لعبته الكبرى في أمر السيطرة والاستحواذ.
زمن البدايات التي كان فيها عرفات هو العراب انتهى، بجائحة موت للصناع الأساسيين للعبة، رابين... أعدم وهو على منصة في ميدان ملوك إسرائيل يروج لما فعل مع الفلسطينيين، وشمعون بيرس أعدم سياسياً ومعنوياً بإسقاطه وإنهاء دوره السياسي، وياسر عرفات أقصي عن اللعبة بإقصائه عن الحياة، ومن هنا كانت النهاية.
وجد محمود عباس نفسه الوريث المجمع عليه ليس للرئيس الراحل فحسب، وإنما لنظامه الذي أسسه بنفسه ولنسفه، وهيهات لغيره أن يديره أو حتى أن يتعايش مع مكوناته.
كان نظام عرفات هو التحدي الأكبر لرئاسة عباس، أما التحدي الثاني فكان إسرائيل المتحولة عن أوسلو السياسية إلى أوسلو الأمنية، ولا أبعد من ذلك إذ أصبح الليكود المتحفظ الأساسي على أوسلو هو الحاكم بأمره في إسرائيل.
لم يتوقف الأمر هنا بل إن أميركا الراعية والعراب الأكبر تكيفت مع هذا التحول الإسرائيلي دون أن تبذل أي جهد جدي لإعادته إلى مسارات البدايات، ذلك باستثناء فعالية كامب ديفيد التي لم تنجح.
زمن رئاسة عباس تمزق الغطاء الدولي لأوسلو وتشتت الدعم الإقليمي والعربي بفعل الربيع الأحمر الذي ما زالت مفاعيله الكارثية تعمل عملها في الشرق الأوسط كله وليس في الجزء الفلسطيني الإسرائيلي منه، ومثل سقوط أحجار الدومينو واحدة بعد الأخرى كان مستحيلاً نجاة الفلسطينيين من هذا السقوط.
نهاية أوسلو في زمن مهندس البداية كانت أشبه بلعبة قدرية فكل ما يدمر رهانات الفلسطينيين على «المشروع التاريخي» الذي ولد في أوسلو يحدث الآن دفعة واحدة، انقسام فلسطيني لا خلاص منه وابتعاد إقليمي ودولي عن جعل مبدأ حل الدولتين مشروعاً يجري العمل عليه ثم ما يحدث الآن وهو اختزال الحقوق الكبرى التي أوشكت على التحقق في البدايات إلى ما هو دون الحد الأدنى من المطالب الحياتية المعزولة تماماً عن الطريق المؤدي لإنجاز الأهداف السياسية.
رجل البدايات قدره أن يشهد النهايات وأن يشهد تحقق ما حذر منه في خطابه الأول، كان في البدايات يحتل الرقم الثاني أما في النهايات فالأول!
طوي كتاب أوسلو وأغلق تماماً، الوقائع على الأرض تثبت ألا لزوم لإصدار شهادة وفاة رسمية ولا حتى دفن الجثمان تحت التراب، خشية التركة الثقيلة التي خلفها وراءه ما جعل المعنيين بالأمر يفضلون ترك الأمور إلى تداعياتها التلقائية.
نشهد الآن نهاية ما كان قد تبقى من أوسلو، ولأن لا شيء أبدياً في السياسات فقدر الفلسطينيين أن يؤلفوا كتاباً جديداً... متى؟ لا أعرف على وجه الدقة، إلا أنني أعرف على وجه اليقين أن فشل محاولة يعني لدى الشعوب الحية والفلسطيني منها محرضاً للشروع في محاولة أخرى ولنراقب لعلنا نرى.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوسلو عباس رجل البداية والنهاية أوسلو عباس رجل البداية والنهاية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab